لطالما ارتبطنا في تعاملاتنا اليومية بأسماء شركات عملاقة، تأسست منذ عقود، وباتت منتجاتها جزءاً لا يتجزأ من تفاصيل حياتنا. بعض هذه المنتجات تُسوّق على أنها أمريكية، وتحمل في طياتها شعار الابتكار والجودة. إلا أن الواقع مختلف تماماً، فمعظم هذه السلع لم تُصنّع داخل الولايات المتحدة، ولم تمر تحت أيدٍ أمريكية، بل صُنعت بأيدٍ صينية، أو فيتنامية، أو مكسيكية، أو أخرى أفريقية، أو غيرها.
السياسة الربحية
وسجلت الشركات الأمريكية أرباحاً تجاوزت 3.312 تريليونات دولار في الربع الأخير من العام الماضي، بزيادة قدرها 5.9 % مقارنة بها في الربع الثالث من العام نفسه بحسب «trading economics»، فاستراتيجيات التصنيع في الخارج تتيح للشركات تقليل التكاليف وزيادة هوامش الربح.
هذه السياسة «الربحية» تقوم على استيراد الشركات الأمريكية المكونات والمواد الخام من دول مثل المكسيك، والصين، وتايوان، مما يسهم في تقليل التكاليف وزيادة الكفاءة، إضافة إلى عامل آخر يسهم في زيادة الربح، وهو خفض تكاليف العمالة عن طريق التصنيع في الخارج، ففي حين يبلغ متوسط أجر العامل في أمريكا ما بين 25 و30 دولاراً في الساعة، نجده في الصين يتراوح بين 3 و6 دولارات، وأما في فيتنام أو بنغلاديش فيتراوح بين 1 و3 دولارات فقط في الساعة، وبذلك يمكن أن توفر الشركة 80 % من تكاليف بند العمالة عند الإنتاج، لا سيما في دول آسيا، كما يمكنها أن ترفع هوامش ربحها من 10 % إلى 30 %، على سبيل المثال، تصل هوامش ربح «أبل» من أجهزة «آيفون» إلى 40 %، بينما توفر «نايكي» نحو 4 مليارات دولار سنوياً بفضل التصنيع في آسيا.
وقالت شركة إنفيديا إنها ستتكبد خسارة مالية قدرها 5.5 مليارات دولار بعد فرض واشنطن قيوداً جديدة على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي H20 إلى الصين.
فجوة أسعار السلع الفاخرة
بدأت بعض المصانع الصينية التي تتعامل مع علامات تجارية عالمية، بتوجيه ضربة قوية لـ«البراندات» العالمية بالكشف عن التكلفة الحقيقية لإنتاج السلع التي تُباع لاحقاً بأسعار مرتفعة في الأسواق العالمية. من بين الأمثلة التي أثارت جدلاً واسعاً، الحقائب الفاخرة التي تُباع بأسعار تصل إلى 38 ألف دولار، في حين لا تتجاوز تكلفتها الفعلية حاجز 1000 دولار.
لوقت طويل، ارتبطت عبارة «صُنع في الصين» في أذهان كثيرين بالمنتجات البسيطة أو زهيدة السعر. لكن الواقع أن هذه العبارة باتت تدل على غالبية المنتجات المتواجدة في السوق الأمريكية، من الإلكترونيات والأدوات المنزلية إلى الملابس وقطع غيار السيارات ومستحضرات التجميل.
القانون لا يحمي العاملين!
جانب آخر من «حِيل» الربح عن طريق التصنيع خارج أمريكا، وهو جانب يحمل في ثناياه بعداً غير إنساني؛ ففي حين تميل القوانين في أمريكا إلى حماية العاملين، ما يزيد من تكلفة التوظيف بالنسبة إلى الشركات، نجد قوانين العمل في الدول الأخرى مرنة أو ضعيفة نسبياً، ما يسمح للشركات الأمريكية المصنّعة لمنتجاتها في تلك الدول بتقليل التكاليف.
