أندو مومو.. مليارات من وجبات الأندومي سنوياً

لا يخلو بيت في العالم من طفل - وربما شخص بالغ أيضاً - يحب أكل الأندومي، أو «النودلز» سريعة التحضير، فهي من أكثر المنتجات الاستهلاكية انتشاراً في العالم.

فهل تساءلت يوماً: من أين جاء اسم أندومي؟ إنه اسم «أندو مومو فوكو» رائد أعمال تايواني، أول من ابتكر فكرة الشعيرية الرفيعة سريعة التحضير.

قد تظن أنه ابتكار حديث، لكن الحقيقة أن أندو قدمه للعالم في سنة 1958، وما زال يقدَّم بطريقة التحضير نفسها إلى اليوم، مسجلاً أرقاماً قياسية في التوزيع؛ بلغت على سبيل المثال 97.7 مليار وجبة في 52 دولة حول العالم سنة 2015، كما وصل الطلب العالمي إلى 98 مليار عبوة في سنة 2009، حسب موسوعة غينيس للأرقام القياسية وعدد من هيئات الغذاء المختلفة في العالم.

شركات عملاقة

ولد أندو مومو فوكو سنة 1910، بمقاطعة «شاي أبان» التايوانية، لأب من أثرياء بلد كان في ذلك الوقت تحت الاحتلال الياباني، وبعد أن توفي أبوه انتقل للعيش مع جديه اللذين كانا يملكان متجراً لصناعة وتجارة النسيج.. أندو - الذي توفي سنة 2007 بعد أن أسس شركة «نيشن للأغذية Nissin»، وهي جزء من «مجموعة نيشين الكبرى» التي تضم عدداً من الشركات العملاقة – لم يكن جديداً في عالم التجارة، ولم تكن النودلز أولى خطواته في ذلك العالم؛ فقد انخرط فيه في سن مبكرة، حيث أسس شركة لبيع الأقمشة اليابانية وعمره 22 عاماً، كان لها فرع بمدينة أوساكا باليابان، وحققت شهرة واسعة، لكن جاءت رياح الحرب العالمية الثانية - التي شاركت فيها اليابان وتلقت خلالها ضربة هيروشيما وناجازاكي الشهيرة - لتقضي على تجارة أندو، غير أن روح التاجر الكامنة فيه جعلته يتجه إلى ميادين أخرى كتجارة الملح والمنتجات الاستهلاكية الملائمة لفترة الحرب، وسُجن آنذاك بتهمة «بيع بضائع عسكرية في السوق السوداء»، ولم تكن تلك هي المرة الوحيدة التي يدخل فيها السجن؛ فقد أسس مصرفاً واتّهم بالتهرب الضريبي حين قدم أوراقاً لهيئة الضرائب تثبت أنه تبرع من خلال مصرفه بمنح تعليمية للطلاب غير القادرين، وثبتت براءته من هذه التهمة لكن بعد أن قضى مدة العقوبة وهي عامان.

ثورة النودلز

عقب الحرب العالمية الثانية عاش اليابانيون سنوات من الجوع والفقر، وكان الناس في أمسّ الحاجة إلى ما يسد جوعهم، ورغم علم الحكومة مدى حب مواطنيها للمكرونة، أو الشعيرية، نصحتهم وزارة الصحة بالاعتماد على الدقيق الذي كانت تقدمه لها الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما لم يلقَ عندهم الاستجابة المنتظرة.

وذات يوم شتوي بارد كان أندو في سوق قريبة من محطة قطارات أوساكا، حيث رأى مجموعات من الناس يصطفون للحصول على طبق من النودلز الساخنة يقيهم البرد، فجاءته فكرة تطوير الشعيرية لتكون سريعة التحضير وسهلة الإعداد وتوفر على الناس ساعات الوقوف في الطوابير تحت البرد.

ومن ورشة صغيرة لا تتجاوز مساحتها 10 أمتار مربعة، وبأدوات وخامات بسيطة بدأ العمل، واستمر سنة كاملة، لم يكن ينام خلالها أكثر من أربع ساعات يومياً.

وقبل أن يصل إلى «خلطة» النودلز الخاصة به كاد اليأس يتملكه؛ حيث لم يكن راضياً تماماً عما وصل إليه من نتائج، حتى شاهد زوجته «ماساكو» ذات يوم وهي تعد طبقاً من «تيمبورا» المقرمشة، وهي وجبة يابانية شهيرة تتكون من المأكولات البحرية أو الخضراوات المغموسة في الزيت، ومن خلال قليها بطريقة معينة يمكن التخلص من الرطوبة الزائدة فيها، فجاءته آنذاك فكرة القلي السريع للمكرونة في كميات كبيرة من الزيت، وفي سنة 1958 قدم أندو ابتكاره للشعب الياباني ليحل لهم أزمة الجوع، تحت مسمى «تشيكن رامن» أي حساء المكرونة، وحقق نجاحاً كبيراً في اليابان وخارجها، وطوال السنوات الخمس التالية حقق مبيعات سنوية بلغت 4.3 مليارات ين، ولقب أندو باسم «مستر نودل».

ثروات طائلة

في سنة 1971، وكان قد تجاوز الستين من عمره، اخترع أندو كأس النودلز بشكلها المعروف؛ لزيادة شعبية النودلز السريعة التحضير في الخارج، حيث شاهد الأمريكيين يأكلون الشعيرية بعد كسرها إلى نصفين ثم وضعها في فنجان ويُسكب فوقها الماء الساخن، وكانوا يأكلونها بالشوكة حسب ثقافتهم، بدلاً من أعواد الطعام التي يستخدمها اليابانيون، وقدم أندو للعالم كأس البوليستيرين، المقاوم للحرارة، والذي يميزه قاع ضيق وفوهة واسعة وغطاء من المادة نفسها؛ ما يساعد على إبقاء النودلز ساخنة، ويجعل تناولها سهلاً..

هذه البساطة والكفاءة إضافة إلى السعر المنخفض حقق ثروات طائلة لشركة نيشين للأغذية، وشهرة جعلت اسم «أندومي» علماً في كل أرجاء الأرض، ولدى كل الناس على اختلاف أعمارهم وطبقاتهم الاجتماعية.