لطالما أسر، ويل. آي. إم، مغني الراب الحائز على جائزة الجرامي من فرقة «بلاك آيد بيز»، ألباب جيل الألفية بموسيقاه، لكنه حاز على انتباه اقتصاديين ووزراء وقادة شركات، بلهجة مختلفة، تتمثل في وجهة نظره عن الذكاء الاصطناعي.
وبينما هيمنت المناقشات حول الذكاء الاصطناعي على اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي هذا العام في دافوس، كان ويليام من بين أصحاب أعلى الأصوات التي تمجد القوة المفترضة للتكنولوجيا ويرجع هذا جزئياً لأنها تغذي إبداعه، إذ أطلق الأسبوع الماضي أول برنامج لإذاعة الأغاني يستخدم روبوتاً. ومع ذلك، فهناك سبب آخر.
يعتقد الموسيقي أن الذكاء الاصطناعي بإمكانه اجتذاب المُهمّشين إلى الاقتصاد السائد مستقبلاً، ولذا بإمكانه أن يكون وسيلة لرفع المستوى الاجتماعي. وعلى وجه الخصوص، أخبرني، في كلمة اتسمت بالنشاط والكلمات البذيئة على المسرح، أنه يعتقد أن الذكاء الاصطناعي «سيكسر حواجز» لمن «ليس لديهم شيء» على نحو غير مسبوق تقريباً.
هل هي جلبة أخرى من التي تُثار في دافوس؟ قد يعتقد الكثيرون في هذا وصحيح أن مجموعة خبراء اقتصاد تنبؤوا خلال الأشهر الأخيرة بأن الذكاء الاصطناعي سيمنح النمو دَفعة كبيرة.
ويرى مايكل سبينس، الأستاذ في جامعة ستانفورد، على سبيل المثال، أن الذكاء الاصطناعي سيضيف 4 تريليونات دولار سنوياً على الأقل للناتج المحلي الإجمالي العالمي. لكن هذه الثرثرة حول معجزة الإنتاجية المفترضة تحدث عادة وسط مخاوف بشأن اتساع فجوة التفاوت الاجتماعي، بسبب إزاحة الوظائف.
وبالطبع، فقد كشف استطلاع «بي دبليو سي»، عُرِضَت نتائجه في بداية اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي، عن توقع ربع الرؤساء التنفيذيين حول العالم أن يؤدي الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى خفض أعداد الموظفين 5 % على الأقل هذا العام.
وفي الوقت ذاته، رجح صندوق النقد الدولي تغيير الذكاء الاصطناعي 40 % من كافة الوظائف العالمية وأن 60 % من المتأثرين سيكونون في الدول المتقدمة.
والأكثر إثارة للقلق، مع ذلك، هو أن هناك «فجوة رقمية» آخذة في الاتساع من حيث عدم تكافؤ مستويات محو الأمية الرقمية والوصول إلي التكنولوجيا بين السكان، وهي فجوة لا يمكن سدها بسهولة بالتعليم وحده. ولا عجب من أن الاستطلاع الذي أجرته مجموعة «إيدلمان» للعلاقات العامة، كشف عن رغبة 30 % من سكان العالم في تبني الذكاء الاصطناعي مقابل رفض 35 %.
رغم ذلك، ثمّة عاملان مهمان يسهمان في توضيح البديل، وهي نظرة أكثر تفاؤلاً بشأن الشمول، يتبناها ويل. آي. إم وآخرون، تتعلق واحدة منهما بكيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على وظائف «الرأس واليد والقلب»، استشهاداً بالمؤلف البريطاني، ديفيد غودهارت، أي المتعلقة بالمهارات الذهنية واليدوية وذات الصلة بالرعاية.
في القرن العشرين، ضربت الرقمنة في المقام الأول الوظائف التي تتم «باليد». وأدى استبدال عمال المصانع في الغرب بواسطة الروبوتات إلى تغذية استقطاب الدخل، حتى لو تم خلق وظائف أخرى في أماكن أخرى.
كما لاحظ اقتصاديون مثل ديفيد أوتور لكن الفرق بين الذكاء الاصطناعي اليوم، والأتمتة في القرن العشرين هو أن التكنولوجيا الجديدة تضرب وظائف الرأس (وبدرجة أقل، أدوار القلب)، كما قالت جوزفين تيو، وزيرة سنغافورة الرقمية، في اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي.
وهذا يضر بمهن النخبة، ربما للمرة الأولى. ومن هنا جاءت صيحات الإنذار الصادرة عن النقاد - والتي قد تجعل بعض أصحاب المهن اليدوية يشعرون ببعض الشماتة المبررة، كما لاحظت تيو (وهي زعيمة نقابية سابقة).
العامل الثاني هو أن التاريخ يظهر أن الثورات التكنولوجية «تقوض أصحاب المناصب»، كما يقول أندرو مكافي، الخبير الاقتصادي في كلية إدارة الأعمال بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وهذا هو الحال سواء كانت شركات أو دول أو مجموعات اقتصادية.
قد يبدو هذا صعب التصور ذلك اليوم، لأن النخبة التي طوّرت الذكاء الاصطناعي وطوّعته أصبحت فاحشة الثراء. ولكن إذا ما استبدلنا تسمية «الاصطناعي» بالـ«مُعزز»، فمن الممكن إدراك لم قد تشهد التراتبيات الهرمية تحدياً، بواسطة أداة تتيح للعمالة تنفيذ مهمات معرفية مُعقدة على نحو أسهل عن ذي قبل.
مثال على ذلك، كتابة العقود القانونية، والأكواد الحاسوبية المتقدمة واليوم، تهيمن النخبة المتعلمة على هذه الأعمال. لكن إذا كان بإمكان العمالة الأقل تعلماً تطويع الذكاء الاصطناعي لإنجاز هذه المهام مستقبلاً. ويرى بعض رواد الذكاء الاصطناعي، بينهم جيمس مانيكا من «ألفابيت»، أن هذا يؤدي بالفعل إلى مزيد من التوجه الإيجابي تجاه الذكاء الاصطناعي في العالم النامي، مقارنة بالمتقدم.
ويفسر هذا لماذا يأمل نشطاء اجتماعيين، أمثال ويل. آي. إم، في وضع أدوات الذكاء الاصطناعي بين أيدي الأطفال الأكثر حرماناً من التمكين. قد يرد الحس المتشائم داخليا بأن هناك عراقيل لا نهائية من شأنها تدمير هذا. فالنخبة الثرية عادة ما تكون جيدة للغاية في إيجاد سبل لحماية امتيازاتها.
وفي بناء «خنادق» حاذقة، لكن أحد الجوانب السلبية للذكاء الاصطناعي هو أن تطوره كان خاضعاً لهيمنة الغرب وهذا يعني أن هناك حاجة للحصول على مشاركة أوسع في إنشاء هذه التكنولوجيا، كما يقول أليكس تسادو من «أليانس 4 إيه آي»، وهي مجموعة ضغط تعمل على تعزيز الوصول إلى التكنولوجيا في البلدان الأفريقية.
وبدون ذلك، ستعمل التكنولوجيا على تعزيز التحيزات والتسلسلات الهرمية. ويجب تطوير سياسات حكومية استباقية وذكية وشاملة لتعزيز التعليم والوصول إلى تكنولوجيا المعلومات - ولضمان تطوير الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر.
لكن النقطة الأساسية تكمن في أنه إذا كان بمقدور مغني راب نشأ في حي فقير في لوس أنجلوس أن يتجرأ على أن يحلم برفع المستويات الاجتماعية للأفراد بفضل الذكاء الاصطناعي، فيمكن لآخرين محاولة فعل الأمر ذاته، أتمنى أنه لو كان بإمكان «بلاك آيد بيز» تأليف أغنية تحث الحكومات على إقرار السياسات الداعمة لهذا، فلربما تجذب انتباه الناخبين في نهاية الأمر.