هل يجب على الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة في مارس؟ ستكون الإجابة قطعاً بـ «نعم»، إذا ما نظرت إلى ما يُعرف بقاعدة تايلور، التي سُميّت تيمناً بجون بي تايلور، الخبير الاقتصادي الأمريكي المرموق.

ففي النهاية هذه القاعدة التي تتوقع معدل الفائدة الأمثل باستخدام متغيرات مثل مستويات الأسعار والبطالة والدخل الحقيقي، تعني أن «الفائدة على الأموال الفيدرالية اليوم لا يجب أن تكون 5.5 %.

وإنما 4.5 %»، بحسب تورستن سلوك، الخبير الاقتصادي لدى «أبوللو» هذه فجوة كبيرة، ولا عجب من مضي الأسواق على نحو يوحي بأنه سيكون هناك خفض للفائدة الأمريكية 6 مرات هذا العام، مع احتمالية بنسبة 70 % أن يبدأ هذا القرار في مارس.

لكن إذا استمعنا للأحاديث الصادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي مؤخراً، ستكون الإجابة مختلفة. فقد قال فرانسوا فيليروي دي جالو، محافظ المصرف المركزي الفرنسي، أمام المشاركين في المنتدى بدافوس: «الوقت مبكر للغاية لإعلان النصر على التضخم».

وردد الكلام نفسه فيليب هيلدبراند، المحافظ السابق للمركزي السويسري والذي يعمل حالياً لدى «بلاك روك»: «في مرحلة ما سندرك إنه ليس من السهل الاستقرار عند مُستهدف التضخم البالغ 2 % الذي تتطلع له المصارف المركزية، بالتالي فإن التفاؤل بشأن الفائدة في الولايات المتحدة على وجه الخصوص ربما يكون مُبالغاً فيه».

قد يستنتج المرء من هذه التصريحات أن البعض يعتقدون بوجود في خطأ قاعدة تايلور، و/أو من الأفضل تجاوزها. فهل هذا مهم؟

قد لا يتفق شخص ناقد مع هذا. إلا أن المصارف المركزية تكره دائماً استباق الأسواق لهم، وكثير من الاقتصاديين يعتبرون هذه القاعدة التي كانت مقدسة يوماً ما فظة بشكل مفرط، لكن في رأيي، هذا التنافر يشير إلى سؤال أكبر بكثير يحتاج المستثمرون إلى التأمل فيه: هل تهيمن العوامل السياسية على أساسيات الاقتصاد في 2024 أم العكس؟ أو إذا أردنا صياغة السؤال بمصطلحات السياسة النقدية:

هل تتسبب دورات الطلب وأساسيات الاقتصاد؟ أم ستكون قضايا العرض، التي غالباً ما تكون مرتبطة بالسياسة، هي ذات اليد العليا؟ ،حتى وقت قريب، كان الافتراض السائد لدى غالبية المصارف المركزية وخبراء الاقتصاد أن دورات الطلب هي الأكثر أهمية. ومن هنا شاع استخدام النماذج الأنيقة، مثل قاعدة تايلور، التي تتوقع المستقبل باستخدام بيانات قديمة تقيس أساسيات الاقتصاد.

لكن فيروس كورونا قلب هذه الثقة، بعد ارتفاع التضخم إثر الصدمات التي منيت بها سلاسل التوريد في 2021، ثم انخفاضه في 2023 عند خفت حدة الصدمات.

ولنكون منصفين فإن الطلب أيضاً مهم، كما أشارت التدوينات الأخيرة الصادرة عن مجلس المستشارين الاقتصاديين للبيت الأبيض، فالمحفزات المالية ذات الصلة بفيروس كورونا عززت الطلب بطريقة أسهمت في زيادة الأسعار، لكن ارتفاع الفائدة العام الماضي مرات عدة عكس هذا الاتجاه.

ومع ذلك، تشير حسابات مجلس المستشارين الاقتصاديين، باستخدام بحث أجرته جانيت يلين قبل تنصيبها وزيرةً للخزانة، إلى أن 80 % من الانخفاض الأخير في التضخم يعود إلى تقلبات في العرض، وهي بالطبع، خارجة عن سيطرة الفيدرالي ونماذجه، يبعث هذا على تريث مسؤولي المصارف المركزية وكذلك قادة الأعمال. على سبيل المثال، في يناير 2023 طلبت من مجموعة من كبار المسؤولين التنفيذيين التنبؤ باتجاهات التضخم في أمريكا وتوقع غالبيتهم رقماً يتجاوز 6 % في 2024، ما يزيد كثيراً على المعدل الحالي البالغ 3.4 %.

الخبر السار هنا أن بعض الاقتصاديين يحاولون تغيير نماذجهم استجابة لذلك، على سبيل المثال، طوّرت إليسا روبو، الخبيرة الاقتصادية لدى «شيكاجو بوث»، ما يُدعى «مؤشر الصدفة القدرية»، الذي يتتبع صدمات العرض، جنباً إلى جنب مع التقلبات التي تطرأ على الطلب، في توقعاته للتضخم.

أما الخبر السيئ هو أن هذا العمل ما زال في مهده، ولم يتم دمجه رسمياً بنماذج المصارف المركزية. لذلك، يأتي دور السؤال المهم: إلام ستؤول أنماط العرض والطلب هذه في 2024، سواء في أمريكا أو في أي مكان آخر؟

إذا كنت متفائلاً، ممن يركزون على أساسيات الاقتصاد، مثلما يفعل كثير من المشاركين في دافوس، فستفترض أن دورات الطلب لها الغلبة.

على أية حال، انقضت إغلاقات كورونا، وأصبحت الشركات حالياً أكثر خبرة في إدارة صدمات سلسلة التوريد، سواء كانت فقدان الغاز الروسي أو اضطرابات الشحن. وأظهر استطلاع أجراه «بنك أوف أميركا» أن غالبية المستثمرين العالميين يرجحون هبوطاً «سلساً» أو ما هو أفضل من ذلك في 2024، وهي القراءة الأكثر تفاؤلاً منذ عامين تقريباً.

لكن إن كنت متشائماً، فلا يمكن تجاهل المشكلات السياسية. فالنزاعات الجيوسياسية تعزز بالفعل أسعار النقل. وبإمكانك النظر إلى الهجمات الأخيرة التي شنها الحوثيون في البحر الأحمر. وفي حين تراجع التأثير المباشر لهذه الهجمات بسبب الانخفاض المعتاد للشحن في يناير، إلا أن البنك الدولي حذّر من أن مؤشره لضغوط سلاسل التوريد يرتفع.

يعتقد جريج جنسن، كبير مسؤولي الاستثمار المشارك لدى «بريدجواتر»، على سبيل المثال، أن المستثمرين «يقللون من شأن» تهديدات التضخم التي قد تنشأ عن الفوز الرئاسي المفترض لدونالد ترامب، حيث من المحتمل أن يعين حاكماً مطيعاً للفيدرالي، ويفرض تعريفات جمركية باهظة، ويطلق العنان لسياسة مالية توسعية.

وبالطبع، فليس مسموحاً لمسؤولي المصارف المركزية أخذ مثل هذه المخاطر في اعتبارهم عند وضع نماذجهم، أو على الأقل رسمياً. لكن مثل هذه المخاطر تفسّر تعارض التفاؤل الذي عم دافوس مع أسعار السوق. كما تشير إلى درسين مهمين. الأول هو حاجة خبراء الاقتصاد في كافة القطاعات إلى دراسة مشكلات العرض وليس فقط ديناميكيات الطلب. والثاني، هو تحلّي الرؤساء التنفيذيين والمستثمرين بالحكمة والتحوط هذا العام، فنطاق النتائج المُحتملة واسع للغاية.