تخيّل اكتشاف أداة رخيصة وبسيطة، يمكن أن تستخدمها أكثر من مرة يومياً، لأنها تقوم بعمل أفضل بكثير لصنع شيء تتوق إليه، مقارنة بمختلف الأجهزة المعقدة الباهظة التي جربتها من قبل. ثم تخيّل أن تكتشف أنك طوال السنوات التي امتلكت فيها هذه الأداة العزيزة عليك، لم تكن تستخدمها بالطريقة الصحيحة!
هذا هو أحد أمرين مهمين تعلمتهما، بعد أن أمضيت ساعة عبر تطبيق زووم منذ أيام مع آلان أدلر، المخترع الأمريكي البالغ من العمر 85 عامًا، والذي ابتكر جهاز «أيروبريس» لتحضير القهوة.
آلة صنع القهوة سريعة التنظيف هذه، اكتسبت شعبية كبيرة على مستوى العالم منذ إطلاقها في عام 2005، رغم شكلها الذي يشبه حقنة بلاستيكية كبيرة من دون إبرة. وخلال مؤتمر الأطراف الذي عُقد في دبي خلال شهر ديسمبر الماضي، قابلت أشخاصًا من قارات عدة، أحضروا معهم آلة «أيروبرس» الخاصة بهم. وقالت لي إحدى السيدات من واشنطن العاصمة: «ببساطة لا أستطيع العيش بدونها». وفي زيارة إلى أستراليا بعد ذلك بفترة وجيزة، تفاجأت برؤيتها تباع في كل مكان، من مدينة أليس سبرينغز، النائية إلى مدينة كالجورلي الشهيرة بمناجم الذهب.
وتساءلت كثيرًا عن سر هذا النجاح غير المتوقع لهذه الأداة، وأخيرًا، قررت الاتصال بأدلر في منزله بكاليفورنيا. وبينما كنت أستمع له يتحدث عن فيزياء صنع القهوة، أدركت أن طريقتي كانت خاطئة في استخدام الجهاز، حيث كنت أترك القهوة منقوعة لعدة دقائق، بينما سحر هذه الأداة يكمن في قدرتها على إنتاج قهوة رائعة بتركيز الإسبريسو بعد 30 ثانية فقط. وكان ذلك اكتشافي الأول. واتضح أيضًا أن النجاح الكبير لأدلر، جاء بعد أن تجاهل الكثير من القواعد التقليدية لرأسمالية القرن الحادي والعشرين، حول كيفية إدارة عمل وبيئة ناجحة.
لنلقِ نظرة على أسلوبه للتسويق، أو بالأحرى، عدم وجود تسويق تقليدي، أشك أن العديد من كبار المسوقين سيعتبرون تسمية ماكينة القهوة هذه بـ «إيروبرس» قرارًا حكيمًا، لكن بالنسبة لآدلر، وهو مهندس عصامي، لديه حوالي 40 براءة اختراع، كان هذا الاسم منطقياً ومناسباً. ففي السابق، اخترع قرصاً للعبة «الفريسبي» معدل، أسماه «إيروبي»، وهو نفس الاسم الذي أطلقه على شركة الألعاب الرياضية التي أسسها في عام 1984.
وحصل أدلر على الكثير من الدعاية المجانية، بعد أن رمى أحدهم جهاز «إيروبي» عبر شلالات نياغرا، وحظي الحدث بتغطية إعلامية واسعة، ما جعله يتساءل عن الحاجة إلى ميزانية إعلانية كبيرة. وقال لي: «لو أردت شراء مثل هذا النوع من الدعاية، كان الأمر سيُكلفك مليون دولار». «لكننا دفعنا فقط القليل من نفقات السفر، أقل بكثير من 10 آلاف دولار».
كذلك، لم يكن للإعلان المدفوع دور كبير في نجاح جهاز القهوة، بل كان دوره ثانوياً، وجاء ابتكاره للجهاز في أعقاب حديثه مع زوجة مدير المبيعات لديه عن صعوبة تحضير كوب واحد من القهوة اللذيذة باستخدام ماكينة القهوة التقليدية. ولم يعتمد أدلر على الإعلانات، بل قام بنشر الجهاز بين عشاق القهوة، وانضم إلى منتديات الإنترنت للحديث عن الجهاز، والدخول في مناقشات حوله.
وخلال ثلاث سنوات من إطلاق الجهاز عام 2005، أطلق عشاقه «بطولة العالم لـ «أيروبريس»، وهي مسابقة لتحديد أفضل من يحضر القهوة باستخدام هذه الآلة. وبحلول عام 2014، ذكر أدلر أنه كان يصنع حوالي 500 ألف جهاز سنويًا، وكان الطلب ينمو بنسبة تقارب 40 % سنويًا.
في هذه المرحلة، وبفضل النجاح الكبير الذي حققه جهاز القهوة، كان من المنطقي، وفقًا للقواعد التقليدية لتعظيم الأرباح، أن يقوم أدلر بثلاثة أمور: تصنيع الجهاز في الصين، ورفع سعره البالغ 30 دولارًا، والتخلي عن الموظفين القدامى ذوي الأجور العالية، ليحل محلهم آخرون جدد أقل تكلفة. لكن بدلًا من ذلك، تمسك أدلر بالمصنع ذاته في كاليفورنيا، الذي اعتاد العمل معه دائمًا، ولا يزال سعر النموذج الأصلي حتى يومنا هذا أقل من 40 دولارًا.
قال لي: «لم أفكر حقًا في جعل الجهاز أكثر تكلفة»، مضيفًا أنه ببساطة استخدم صيغة التسعير التي كان يستخدمها لألعابه الرياضية. أما بالنسبة للموظفين في شركته الصغيرة، فقد عمل العديد منهم هناك حتى التقاعد، وهو ما يمنحه شعورًا واضحًا بالرضا.
«الأمر أشبه بعائلة صغيرة»، حسبما أخبرني. شيء آخر لم يفعله أدلر، هو الحصول على شهادة في التجارة أو ماجستير إدارة الأعمال، أو أي شهادة على الإطلاق. بدلاً من ذلك، احتضن ما يسميه «التجربة الممتعة» للتعلم عبر الخبرة، وعلى الرغم من أنه لم يلتحق بالجامعة مطلقًا، فقد أصبح مدرسًا للهندسة في جامعة ستانفورد. وفي عام 2021، ومع اقتراب موعد التقاعد، باع معظم أعماله لشركة تايني كابيتال الكندية، واحتفظ بحصة أقلية. ونتج عن ذلك ما يقول عنه إنه «مال أكثر مما أحتاج»، وهو يكفي لدعم الأبحاث الطبية في ستانفورد، وشراء أكبر قدر ممكن من قهوته المفضلة (يرجاتشيف الإثيوبية). وهو أمر ليس سيئًا بالنسبة لمؤسس شركة، تجاهل الكثير من أفكار الإدارة الحديثة للأعمال.