لماذا يتجاهل المستثمرون الأمر تماماً؟

 

من يقول إن الأشخاص الذين يديرون كبرى الشركات المالية العالمية أغبياء هو بالتأكيد أحمق، ولكن حينما يعود المؤرخون إلى ردة فعل وول ستريت تجاه تغير المناخ في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، سيرون الكثير مما يبدو خلاف ذلك تماماً.

الدليل الأول: تزايد عدد الشركات المالية العملاقة التي تتراجع عن العمل المناخي أمام حملات خادعة تسمى «صحوة الرأسمالية»، ففي الأسابيع الخمسة الماضية، انسحبت كل من «جيه بي مورجان»، و«ستيت ستريت»، و«بيمكو»، و«إنفسيكو»، من تحالف المناخ 100+، وهو تحالف دولي للمستثمرين يدفع الشركات الكبرى لمعالجة ظاهرة الاحتباس الحراري.

وقلصت «بلاك روك»، أكبر شركة لإدارة الأموال في العالم، أيضاً، مشاركتها مع المجموعة، ولم تكتفِ «فانجارد»، ثاني أكبر شركة لإدارة الأصول، بعدم المشاركة في هذا التحالف، وإنما أيضاً تخلت عن تحالف مناخي كبير آخر، وهو مبادرة مديري الأصول الصفرية التي تدعمها الأمم المتحدة. وبشكل منفصل، عانت مجموعة من شركات التأمين بسبب صافي الانبعاثات الصفري نزوحاً كبيراً للأعضاء لدرجة أن بعضهم اعتقد أنها ستنهار.

هذه الانشقاقات مهمة، ودرجة حرارة الأرض ترتفع بوتيرة أسرع مما توقعها العلماء، ولابد من خفض انبعاثات الوقود الأحفوري في أقرب وقت ممكن، وتحتاج الحكومات التي تعاني ضائقة مالية إلى كل مساعدة يمكن أن تحصل عليها من القطاع الخاص، لتعزيز الإنفاق العالمي على الطاقة النظيفة، المفترض أن يرتفع من 1.8 تريليون دولار في العام 2023، إلى 4.5 تريليونات دولار سنوياً بحلول أوائل الثلاثينيات من القرن الحالي.

وبدلاً من ذلك، نرى خلاف ذلك، فلا يكتفي كبار المستثمرين بالنأي بأنفسهم عن التحالفات التي انضموا إليها أخيراً فحسب، وإنما أسهموا أيضاً في انخفاض حاد في دعم قرارات المساهمين، التي تهدف إلى دفع الشركات للقيام بالمزيد في شأن تغير المناخ والقضايا الاجتماعية، وقد يدعون أن الحلول المناخية أصبحت أكثر تطلباً، وأن تجنب الوقود الأحفوري حينما تكون أسعار الطاقة مرتفعة، يمثل خطراً على واجبهم في تعظيم العائدات، ولكنهم يعلمون أيضاً أن هذا النهج المعتاد في نهاية المطاف يشكل خطراً كبيراً على تلك العائدات.

يبرز كل هذا النجاح المتزايد الذي حققه الجمهوريون الأمريكيون الذين يزعمون أن «الشركات الواعية» التي تأخذ العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة في الحسبان وتنضم إلى تحالفات المناخ الصناعية تضع السياسة فوق الأرباح، مع أجندة يسارية قد تنتهك قوانين مكافحة الاحتكار، وتظهر انتصاراتهم مدى سهولة التلاعب باللغة وإنكار الحقائق الأساسية ونشر عملية «الفكر المزدوج» التي حذر منها جورج أورويل قبل أكثر من 70 عاماً، إذا كنت تشك في ذلك، فأنا أحثك على قراءة مقالة في دورية قانونية لرئيس المحكمة العليا السابق بولاية ديلاوير، القاضي ليو سترين.

وتقارن ورقة سترين البحثية، التي تحمل عنوان «الجهل قوة»، بصراحة معارضي العمل المناخي بالنخب الحزبية التي تنكر الحقيقة وتخدم مصالحها الذاتية في رواية أورويل البائسة «1984»، والخنازير الحاكمة في رواية «مزرعة الحيوان».

في البداية، يوضح سترين، أن القانون استقر على أن الشركات والمستثمرين يمكنهم الأخذ في الحسبان المبادئ البيئية والاجتماعية والحوكمة التي تتعلق بالربح، وقد يضطرون حتى إلى القيام بذلك كونه واجباً ائتمانياً، ثم يشرع في تحديد ازدواجية الفكر السائدة في الحملات المناهضة للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة.

ألّف أورويل مفهوم الفكر المزدوج في رواية «1984» لوصف عملية غرس أفكار متناقضة في عقول الناس لقبولها مثل «الحرب هي السلام»، «الجهل قوة».

ويجادل سترين، بأن هذا التفكير ضرورة كي تثق بالجمهوريين المناهضين للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة والذين يصرون على أن يركز قادة الأعمال على الأرباح وليس السياسة، بينما هم أنفسهم من بين الكائنات الأكثر تغذية في مستنقع الإنفاق السياسي للشركات.

ويشير إلى أنّ رابطة المدعين العموم الجمهوريين، التي تلقت ملايين الدولارات من مساهمات الشركات، هي مساهم رئيس في رابطة المدعين العموم بالولايات والذين يهاجمون الشركات لدعمها العمل المناخي. وبالمثل، فإن الجمهوريين الذين يزعمون أن الانضمام إلى مجموعة صناعية للتعاون في شأن العمل المناخي ينتهك قوانين مكافحة الاحتكار، لم يكن لديهم مخاوف مماثلة في شأن تحالفات صناعة الوقود الأحفوري، مثل معهد البترول الأمريكي.

ويتهم سترين، السياسيين المناهضين للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة والذين يقللون أهمية العمل المناخي بارتكاب معصية أورويلية أخرى: تجاهل العلم والحقائق الموضوعية من أجل الحفاظ على السلطة.

إذن، هل يمكن هزيمة ازدواجية الفكر المناهض للمناخ؟ ليس بسهولة، ولكن سترين يقدم قائمة بالأسئلة التي يجب طرحها على منتقدي المناخ أكثر فأكثر، مثل: إذا كانت تحالفات الصافي صفر غير قانونية بموجب قوانين مكافحة الاحتكار، فلماذا لا تحقق مع معهد البترول الأمريكي؟، وإذا كانت الشركات تخل بواجباتها الائتمانية عبر اتخاذ مواقف في شأن القضايا السياسية، فكيف قبلت بملايين الدولارات من مساهماتهم؟.

هذه أسئلة جيدة، وإلى سؤال آخر لجميع الشركات التي تراجعت عن العمل المناخي بدلاً من تقديم الحجة الضرورية على نحو متزايد: لماذا استسلمتِ لهذه الهجمات المخادعة والملوءة بالعيوب في المقام الأول.