يجب أن تنتهي تكتيكات «التمديد والتظاهر» المتبعة في هذا القطاع

إن شركة التأمين الكندية الجريئة، والمملة إلى حد ما، والمعروفة باسم «مانولايف» لا تجذب الانتباه في كثير من الأحيان. لكن هذا الأسبوع أحدثت ضجة في عالم العقارات.

قبل فترة وجيزة من إعلان جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، إبقاء البنك المركزي على أسعار الفائدة القياسية عند 5.25 % إلى 5.5 %، كشف كولين سيمبسون، المدير المالي لشركة مانولايف، عن أن المجموعة قد خفضت قيمة استثماراتها المكتبية في الولايات المتحدة بنسبة 40 % من الذروة التي وصلت إليها قبل (كوفيد 19).

وقال سيمبسون «أحب أن أعتقد أن محفظتنا العقارية ذات جودة عالية إلى حد معقول ومرنة للغاية، لكن ارتفاع أسعار الفائدة والاتجاهات المتعلقة بأن البعض لا يفضلون العودة إلى المكاتب تجعلها سوقاً صعبة». بالإنجليزية البسيطة: العمل من المنزل مؤلم.

للوهلة الأولى، يبدو ذلك مخيفاً، 40 بالمئة رقم كبير. لكن في الواقع يجب على المستثمرين أن يحتفلوا. أحد الأخبار الجيدة هو أن مانولايف لديها «جيوب عميقة» نسبياً، بالتالي يمكنها استيعاب هذه الضربة. النقطة الثانية، والأكثر أهمية، هي أن الخطوة التي اتخذتها مانولايف تظهر أن بعض اللاعبين أصبحوا أخيراً أكثر صدقاً بشأن آلام العقارات التجارية في أمريكا.

وهذا أمر مرحب به، ومتأخر. فمع تزايد الآمال في خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة، تعثرت العقارات في نمط منهك من «التمديد والتظاهر»: فقد قام المقرضون في الأساس بتدوير القروض المتعثرة، على أمل أن ينقذهم بنك الاحتياطي الفيدرالي في المستقبل بمعجزة.

ومع ذلك، أكد اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي على نقطة رئيسية: أولوية باول الآن ليست حماية العقارات التجارية، ولكن إبقاء التضخم تحت السيطرة، في وقت يظل فيه نشاط المستهلك حيوياً بشكل مدهش، ويتحرك التضخم بشكل جانبي حول 3 في المائة. وبالتالي فإن السؤال الذي تبلغ قيمته تريليون دولار هو كم عدد اللاعبين الآخرين الذين سيتبعون الآن خطى مانولايف، ليعالجوا أخيراً واحدة من أكبر بقايا حقبة المال الرخيص في العقد الماضي؟

والإجابة مهمة، لأن النظام المالي يعاني حالياً من كومة متداعية من قروض العقارات التجارية الرخيصة. وتشير الأبحاث التي أجرتها نيومارك في العام الماضي إلى أن أكثر من نصف هذا المبلغ جاء من البنوك. وكانت البنوك الإقليمية تقرض بشكل محموم عندما جعل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأموال شبه مجانية خلال أزمة (كوفيد 19). أيضاً كان هناك تمويل من المقرضين بالقطاع الخاص، وقطاع الأوراق المالية التجارية المدعومة بالرهن العقاري التجاري، وغالباً ما يتم تجميع هذه القروض في التزامات قروض مضمونة.

لكن منذ كوفيد، انخفضت قيمة العقارات التجارية بنسبة 33 في المائة في المتوسط، ووصلت في بعض الأماكن إلى 60 في المائة بالنسبة لمباني المكاتب في المقام الأول، وفقاً لبنك جولدمان ساكس. ورغم أن الطلب على العقارات عالية الجودة لا يزال مرتفعاً، فإن التوقعات بالنسبة للمباني منخفضة الجودة قاتمة.

وتظهر ومضات من الألم في أسواق رأس المال، فقد تردد هذا الأسبوع أن معدلات التأخر في سداد التزامات القروض المضمونة قد ارتفعت بشكل كبير. وتعاني بعض البنوك أيضاً من الضغوط، فقد اضطر بنك «نيويورك كومونيتي» مؤخراً لزيادة رأس المال بقيمة مليار دولار بشكل طارئ بسبب خسائر العقارات التجارية، وحذرت مجموعة «كلارسو» هذا الأسبوع من أن أكثر من 250 بنكاً صغيراً من بين 4500 بنك موجود في أمريكا معرضة للخطر أيضاً.

والملفت للنظر ليس ظهور بعض النقاط الساخنة، إنما قلة الأثر الملموس حتى الآن. ويرجع ذلك جزئياً إلى قيام المقرضين بتمديد القروض المعدومة، وقالت نيومارك لعملائها مؤخراً إنه «من أصل ما يقدر بـ163 مليار دولار من سندات الرهن العقاري التي حان أجل استحقاقها في عام 2023 (استناداً إلى تاريخ الاستحقاق الأصلي)، ما زالت 83.3 مليار دولار منها مستحقة»، أي أن المقترضين مارسوا «خيارات التمديد».

كما تظهر البنوك أيضاً قدراً من التساهل؛ يقدر بنك جولدمان ساكس أن 270 مليار دولار من القروض العقارية التجارية المستحقة السداد في عام 2023 قد تم تمديدها حتى عام 2024. ونتيجة لذلك، من المفترض أن تكون هناك تراكمات قياسية من القروض الرخيصة المفترض أنها تستحق السداد هذا العام. وتشير تقديرات نيومارك إلى أن هناك الآن نحو 1.3 تريليون دولار من ديون العقارات المتعثرة، منها 670 مليار دولار مستحقة في العامين المقبلين.

ويضيف أن نحو ثلث هذه الديون نشأ عندما كانت أسعار الفائدة منخفضة للغاية في ظل الوباء. بالتالي، حتى لو خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة هذا الصيف، كما أشار باول يوم الأربعاء، فإن هؤلاء المقترضين يواجهون صدمة إعادة التمويل: متوسط توقعات محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي هو أن أسعار الفائدة «ستبلغ 4.6 في المائة نهاية هذا العام، و3.9 نهاية عام 2025، و3.1 في المائة في نهاية 2026».

إذن ماذا سيحدث بعد ذلك؟ يبدو أن تكرار ما حدث عام 2008 أمر غير مرجح: فالنظام المصرفي ككل يتمتع برأس مال جيد إلى حد ما، ومنذ انهيار بنك وادي السليكون العام الماضي، سارع بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى إنشاء أنظمة لاحتواء العدوى. وبالتالي، ففي حين كانت صدمة عام 2008 تتعلق بالمعاناة التي يعاني منها المقرضون والمقترضون، فإن أزمة اليوم تتعلق في المقام الأول بالدائنين.

لكن المشكلة هي أنه ما دامت تكتيكات «التظاهر والتمديد» نفسها مستمرة، فإن حالة عدم اليقين ستطارد قطاع العقارات، ما يهدد بتقويض النمو الأمريكي. بعبارة أخرى، ما يجب أن يحدث الآن ليس فقط هو أن يصبح المالكون والمقرضون أكثر شفافية بشأن خسائرهم ويسجلونها، كما فعلت مانولايف، بل أن يبدأ التداول في العقارات المتعثرة أيضاً. عندها فقط يمكن حل تجاوزات عصر الوباء، إما عن طريق هدم المباني غير المرغوب فيها أو إعادة استخدامها.

وبهذا فإن ثبات بنك الاحتياطي الفيدرالي على موقفه يعد خبراً طيباً، وفي الواقع، بالنسبة لذوقي، فمن الأفضل أن أظل متشدداً لفترة أطول. يحتاج المستثمرون إلى التعود على عالم يكون فيه للأموال سعراً أكثر طبيعية، حيث لا يمكنهم دائماً المراهنة على «تحركات» من الاحتياطي الفيدرالي. وإذا حدث ذلك، أو عندما يحدث، في قطاع العقارات، فسنعلم أن تشوهات العقد الماضي قد وصلت إلى نهايتها أخيراً.