يمر تجار السندات حالياً بأوقات صعبة. قبل بضعة أشهر، كان الإجماع في السوق هو أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سيخفض أسعار الفائدة 6 مرات هذا العام، على أن يبدأ ذلك قريباً. لكن بحلول يوم الأربعاء، كان المستثمرون خفضوا توقعاتهم بشكل كبير، إلى درجة أن كثيرين يتوقعون الآن تأجيل التخفيضات إلى نوفمبر. والواقع أن سلسلة من بيانات التضخم الأعلى من المتوقع دفعت لورانس سامرز، وزير الخزانة السابق، إلى التحذير من أن الخطوة التالية ربما تكون صعوداً وليس هبوطاً.

وإشارة إلى القلق من تلك القطاعات التي ازدهرت وسط أسعار الفائدة المنخفضة للغاية. (يشير تقرير جديد من تقرير صندوق النقد الدولي، إلى أن رأس المال الخاص هو أحد هذه الأمثلة). وإشارة إلى مزيد من تكهنات حول ما إذا كانت التوقعات ستتغير مرة أخرى هذا العام.

لكن مع احتدام هذا النقاش، يجدر بنا أن نتراجع للحظة، لنفكر أيضاً في فترة طويلة مر بها ماضينا المالي. لا أقصد «التاريخ» الذي مر به المتداولون على شاشة التداول، وعلى وجه التحديد أواخر القرن العشرين. لكن بدلاً من ذلك، وبشكل أكثر إثارة للتفكير، خلال القرون الثمانية الماضية. قام ثلاثة اقتصاديين، كينيث روجوف، وباربرا روسي، وبول شميلزينج، بجمع البيانات العالمية حول أسعار الفائدة والتضخم منذ عام 1311، بعد خمسة عقود من بدء البندقية في إصدار ما يسمى «السندات»، والتي يمكن القول إنها أول مثال على الديون السيادية طويلة الأجل.

تم نشر استنتاجاتهم في شكل أولي منذ عامين تقريباً. ولكن تم تحديث النتائج الآن بمعلومات تاريخية جديدة، ما يؤكد نقطتين مهمتين.

أولاً، لا يمكنك أن تفهم الاقتصاد السياسي بمجرد النظر إلى أسعار الفائدة قصيرة الأجل، كما كانت تفعل أغلب التحليلات السابقة. ولكي نكون منصفين، فقد تبنى المؤرخون حتى الآن هذا التركيز، لأن البيانات التاريخية حول أسعار الفائدة القصيرة الأجل، كانت متاحة بسهولة أكبر، وكان محافظو البنوك المركزية في القرن العشرين، راغبين في تحديد ما يسمى المعدل «الطبيعي»، الذي يتم على أساسه تحديد أسعار الفائدة القصيرة الأجل.

ومع ذلك، يرى روجوف وآخرون، أنه رغم أن أنماط أسعار الفائدة قصيرة الأجل صاخبة، إلا أنه إذا نظرت إلى أسعار الفائدة الحقيقية طويلة الأجل (الأسعار الاسمية المعدلة حسب التضخم)، فستجد اتجاهاً واضحاً ولافتاً للنظر. لقد كانت تنخفض بشكل مطرد على مر القرون. وحسبوا أن هذا الانخفاض يعادل ما يقرب من نقطتي أساس سنوياً، في المتوسط، منذ عام 1311.

وحدث منعطفان كبيران خلال جائحة الموت الأسود في القرن الرابع عشر، ثم أزمة «الثالوث» المالية الأوروبية عام 1557. وكانت هناك منعطفات أصغر في عامي 1914 و1981.

ولكن ما يلفت النظر أكثر، هو مدى ندرتها. وفي حين أن أسعار الفائدة طويلة الأجل غالباً ما تتحرك استجابة لحالات الركود والتخلف عن السداد، والصدمات المالية وما إلى ذلك، فإنها تعود دائماً تقريباً إلى الاتجاه بعد عقد أو عقدين من الزمن. وكما أشار الخبير الاقتصادي موريس أوبستفيلد، فإن النتيجة تبدو وكأنها مجرد «زلات»، من وجهة نظر تاريخية طويلة الأمد.

وبعبارة أخرى، تسببت الحداثة في انحدار لا يرحم في أسعار النقود على المدى الطويل، وكانت تفعل ذلك قبل أن نبدأ في القلق بشأن أسعار الفائدة البالغة الانخفاض في القرن الحادي والعشرين.

لماذا؟ في السابق، ألقى الاقتصاديون باللوم في ذلك على قضايا مثل الإنتاجية والتركيبة السكانية وتدفقات رأس المال. وأشار بن برنانكي محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي السابق، إلى تخمة الادخار في الصين وأماكن أخرى، في حين أعرب سامرز عن قلقه بشأن عصر من الركود المزمن.

رغم ذلك، والأكثر إثارة للاهتمام (وغير البديهي)، هو فشل روجوف وآخرين في العثور على علاقة إحصائية بين المعدلات الحقيقية، والاتجاهات الاقتصادية الأساسية. وقد يعكس ذلك القيود المفروضة على بياناتهم، لكن الثلاثي يقدم تفسيراً آخر. ويقولون إن السبب الحقيقي لانخفاض تكاليف الاقتراض ليس التحولات الاقتصادية، بل قضية يتجاهلها الاقتصاديون في كثير من الأحيان، وهي طبيعة التمويل. إن الجمع بين أسواق رأس المال الحديثة وتحليل المخاطر والابتكار في استخدام الضمانات لدعم القروض، جعل الأموال أكثر كفاءة.

إثبات ذلك أمر صعب، لكن الفكرة تبدو صحيحة بالنسبة لي. الفرق الرئيس بين المجتمعات الحديثة ومجتمعات ما قبل الحداثة، هو أن الإبداعات التي تتراوح بين الدفاتر ذات القيد المزدوج إلى أجهزة الكمبيوتر، جعلتنا نعتقد أننا قادرون بشكل أفضل على التنبؤ بالمخاطر المستقبلية وإدارتها وتسعيرها.

وفي واقع الأمر، كثيراً ما تكون هذه الثقة في غير محلها. وسواء كانت مبررة أم لا، فإن التحول الثقافي المصاحب لها، جعل الأموال أكثر وفرة وسيولة، وبالتالي، قلل تكلفتها. وهذه أخبار جيدة. لكن هذا يثير أيضاً سؤالين آخرين. هل سينتهي هذا الاتجاه الهابط يوماً ما؟ وماذا يعني بالنسبة للمعدلات الحالية؟.

بالنسبة للنقطة الأولى، تعتمد الإجابة على مستوى خيالك. يصعب تصديق أن الاتجاه سيستمر إلى أبعد من ذلك بكثير، ولكن يصعب أيضاً تجاهل التطورات التكنولوجية المستقبلية. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي زيادة الكفاءة النقدية.

ومع ذلك، فإن الآثار المترتبة على النقطة الثانية أكثر وضوحاً. يشير اتخاذ إطار زمني يمتد لثمانية قرون، إلى أن المعدلات المنخفضة للغاية التي شهدناها في أوائل القرن الحادي والعشرين، كانت انحرافاً طفيفاً عن الاتجاه. وبالتالي، لا ينبغي أن يفاجئنا أن المعدلات طويلة الأجل قد تم تصحيحها صعوداً، خاصة بالنظر إلى أن المعدل «الطبيعي» قصير الأجل ربما ارتفع.

لكن هذا الامتداد الطويل، يشير أيضاً إلى أن ما يحدث الآن ليس غريباً على الإطلاق. فقط لا تقل ذلك لتجار السندات الذين يشعرون بالإحباط بسبب الأحداث الأخيرة!