التكنولوجيا الجديدة ستغير الديناميكيات التنافسية على المدى الطويل.

اجتاحت وول ستريت غبطة عامة حيال الذكاء الاصطناعي التوليدي، ومع ذلك لم يكن للتكنولوجيا دخل في الأداء التجاري القوي لأغلب شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى في الفترة الأخيرة.

إن إدراك مجالات التكنولوجيا التي بدأت تؤتي بثمار تجارية حقيقية سيكون حاسماً للتمييز بين الفائزين والخاسرين في مجال الذكاء الاصطناعي خلال الأشهر والسنوات المقبلة.

ولنأخذ على سبيل المثال انتعاش النشاط التجاري الذي شهدته أكبر منصات الحوسبة السحابية هذا العام، فقد أدى تسارع وتيرة النمو في أقسام الحوسبة السحابية مؤخراً لدى شركتي مايكروسوفت وغوغل إلى إثارة التطلعات بأن الذكاء الاصطناعي بدأ يحدث تأثيراً ملموساً.

ومنذ أيام، عززت شركة «أمازون ويب سيرفسز»، الرائدة في سوق الحوسبة السحابية، الأجواء التفاؤلية.

ومع ذلك، فإن النتائج الأخيرة توفر القليل من المعلومات حول مدى انعكاس طفرة النمو على زيادة الإنفاق على الذكاء الاصطناعي التوليدي، ومدى استدامة أي إنفاق ليتضح جدواه، ومدى كلفة تقديم خدمات الذكاء الاصطناعي الجديدة.

وشهد العامان الماضيان انخفاضاً حاداً في نمو النظم السحابية. وقام العديد من العملاء، الذين شهدوا زيادات في فواتيرهم السحابية خلال الوباء، بكبح جماح النفقات الجديدة، بينما حاولوا معرفة كيفية الحصول على أفضل قيمة مقابل المال.

وهذه المهلة، التي وصفتها شركات التكنولوجيا مجازاً بأنها فترة «تحسين»، أعاقت أحد أكبر محركات التوسع في الصناعة. وانخفض نمو الإيرادات لدى شركة «أمازون ويب سيرفسز» من 40 % في نهاية عام 2021 إلى أدنى مستوى نسبي قدره 21 % بعد 18 شهراً.

ويشير الانتعاش الآن إلى 17 % خلال الربع الأخير إلى أن الاضطرابات الناجمة عن الإفراط السابق في نفقات الخدمات السحابية بات غالباً جزءاً من الماضي. وبحسب آندي جاسي، الرئيس التنفيذي لشركة أمازون (الرئيس السابق لقسم الخدمات السحابية) يشكل ذلك عودة إلى الوضع السابق، عندما كان الانتقال إلى السحابة مدفوعاً بالرغبة في خفض تكاليف تكنولوجيا المعلومات.

ومع وجود 15 % فقط من عبء عمل تكنولوجيا المعلومات بالشركات في الخدمات السحابية، يرى أن هذا الاتجاه أمامه شوط طويل ليقطعه.

فالذكاء الاصطناعي ليس العامل الرئيس هنا، رغم أنه بالتأكيد أصبح عاملاً مساهماً. وتقدر الإيرادات السنوية لشركة مايكروسوفت من الذكاء الاصطناعي التوليدي حالياً بقرابة 4 مليارات دولار، كما أوضح جاسي أنه بات عملاً تجارياً يقدر بمليارات الدولارات لشركة «أمازون ويب سيرفسز».

ومن غير الواضح مدى سرعة نمو هذه الإيرادات من الذكاء الاصطناعي، أو حجم السوق. وتسارع العملاء للانخراط في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الجديدة وتجربة الخدمات الجديدة التي تتيحها. ولكن إلى أن تنتهي هذه الفترة من التجارب العامة، من الصعب توقع حجم القيمة التي ستوفرها التكنولوجيا الجديدة، أو مدى استعداد العملاء للدفع مقابل ذلك.

وعلى الرغم من أن توقيت تحقيق المكاسب غير واضح، فإن التكاليف ضخمة. وتتجه شركات ألفابت وأمازون ومايكروسوفت مجتمعة نحو إنفاق رأسمالي يتجاوز الـ150 مليار دولار في السنوات المالية الحالية، وهو ما يتجاوز إنفاقهم في العام السابق بنحو 40 مليار دولار. ويمثل ذلك عربوناً ضخماً بناءً على وعد بحدوث طفرة في قطاع التكنولوجيا.

كما أدى خفض قيمة الاستهلاك عن طريق إطالة مدة الصلاحية المتوقعة لجميع معدات مراكز البيانات الجديدة إلى التخفيف من تأثير هذا التراكم الهائل للاستثمار في الشركات الثلاث. وعلى سبيل المثال، عززت شركة ألفابت أرباحها التشغيلية بما يقرب من 4 مليارات دولار خلال العام الماضي بعد زيادة العمر المتوقع لخوادمها ومعدات الشبكات إلى 6 سنوات، وبالتالي توزيع تكلفة شراء معدات جديدة على فترة زمنية أطول.

وثمّة عامل آخر يخفف بعض العبء، وهو ادعاء الشركات السحابية بقدرتها على ربط استثماراتها بدقة بالإيرادات المتوقعة قصيرة الأجل من العملاء الذين يصطفون لتجربة التقنية الجديدة. ويسهم ذلك في تفسير سبب تعامل وول ستريت مع الزيادات الاستثمارية الأخيرة من قبل الشركات السحابية بهدوء.

إضافة إلى ذلك، ثمّة عامل آخر غامض، وهو ما إذا كانت طفرة الذكاء الاصطناعي التوليدي ستكون مؤثرة بما يكفي للإخلال بتوازن القوى في الصناعة السحابية، التي بدت مستقرة بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة. ومع إيرادات سنوية تقدر بـ100 مليار دولار، من المحتمل أن تحقق «أمازون ويب سيرفسز» ضعف إيرادات «منصة أزور السحابية» التابعة لمايكروسوفت، في حين تتخلف غوغل أكثر عن الركب.

وبطبيعة الحال، يتوخى العملاء الحذر إزاء ترحيل بياناتهم المهمة وأعباء عمل تكنولوجيا المعلومات بين المنصات السحابية، وتسابقت أمازون لتعزيز قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي، ومع ذلك يعد الدور الريادي المبكر لمايكروسوفت، بفضل شراكتها مع «أوبن إيه آي»، عاملاً مهماً وراء معدل النمو الحالي لمنصة «أزور»، البالغ 31 %، أي قرابة ضعف معدل نمو «أمازون ويب سيرفسز» البالغ 17 %. وسيكون ذلك بمثابة سباق طويل، مع إمكانية تغيير الديناميكيات التنافسية بين عمالقة التكنولوجيا.