لقد حان وقت الاختلاف، حيث يتوقع شروع البنك المركزي الأوروبي في خفض أسعار الفائدة خلال أقل من شهر، في حين يبقي البنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة كما هو لبعض الوقت.

ورغم أن رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جاي باول، لم يكن متشدداً بالقدر الذي كانت تخشاه الأسواق، من المرجح اتساع الفجوة في أسعار الفائدة بين ضفتي الأطلسي، وعندما سئل باول عن التباين خلال مؤتمره الصحفي الأسبوع الماضي، أجاب بما هو بديهي. وقال «نحن نخدم التفويضات المحلية، أليس كذلك؟»، لافتاً إلى أن أداء التضخم كان مشابهاً، لكن أوروبا «لا تشهد المستوى نفسه من النمو الذي نشهده الآن».

ويختلف العديد في أوروبا حيال التشابه في اتجاهات التضخم، لكن كبار المسؤولين في البنك المركزي الأوروبي يتفقون على مسألة مهمة وهي أن أسعار الفائدة على وشك التباين. وكما قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد الشهر الماضي: «نحن نعتمد على البيانات، وليس على بنك الاحتياطي الفيدرالي».

ومع ذلك، داخل منطقة اليورو، ثمّة بعض التوتر الناشئ، بسبب التباين الوشيك بين ضفتي الأطلسي، وفي هذا السياق، قال محافظ المصرف المركزي الكرواتي، بوريس فوجيتش، إن البنك المركزي الأوروبي قد يتخذ الإجراء أولاً، وسينظر في البيانات المحلية، لكنه حذر من أنه «كلما اتسعت الفجوة المحتملة بيننا وبين بنك الاحتياطي الفيدرالي، كلما زاد تأثيرها على الأرجح». وكان المعنى الضمني هو أن هناك حدوداً للاختلاف المحتمل.

نظيره الإيطالي، فابيو بانيتا، يرى الأمور بطريقة مغايرة، وقال إن ارتفاع أسعار الفائدة لفترة أطول سيضيق الخناق على الأوضاع المالية العالمية، ما يدعم مبررات خفض أسعار الفائدة في منطقة اليورو. وقال: «إذا توقعت الأسواق خفض أسعار الفائدة لكن الفيدرالي أبقى عليها دون تغيير.. فإن بقية العالم سيواجه تشديداً نقدياً غير متوقع».

ومع بداية ظهور عملة اليورو، كانت أسعار الفائدة العالمية تميل عادة إلى التحرك بشكل متزامن على نطاق واسع. كانت التحركات كبيرة وعالمية في أسعار الفائدة، مثل تخفيضات مطلع العقد الأول من القرن الـ 21، وخلال الأزمة المالية عام 2008، والزيادات التي أعقبت جائحة كورونا.

رغم ذلك، كانت هناك فترتان أساسيتان للتباين، فقد أظهرت الولايات المتحدة سرعة أكبر بكثير في رفع معدلات الفائدة ابتداء من 2004 ومرة أخرى في عام 2016، وفي كلتا الحالتين، كان النشاط الاقتصادي الأمريكي أقوى، ويبدو أنه يخلق المزيد من الضغوط التضخمية.

ورغم الأزمات الاقتصادية العالمية التي أعقبت هاتين الفترتين، فيكفي التأكيد على أن التباين في أسعار الفائدة لم يكن السبب. وكما ذكر باول سابقاً، لا ترى الولايات المتحدة مشكلة في التباين، فهي تحدد سعر الفائدة وفقاً لتفويض التضخم المحلي والتوظيف، وتسمح بالتعويم الحر للدولار.

وكثيراً ما يشكل ذلك معضلة للأسواق الناشئة؛ إذ يمكن لأسعار الفائدة الأمريكية خلق تدفقات رأسمالية ضخمة وتقلبات في سعر العملات، ما يضطر البنوك المركزية إلى اتباع الفيدرالي وتنفيذ سياسات نقدية غير مناسبة للاقتصادات المحلية، وقد يكون هذا صعباً، إلا أن منطقة اليورو (وبدرجة أقل المملكة المتحدة) مختلفة، حيث تمتلك اقتصاداً ضخماً ويمكنها بلا شك تحديد سياستها النقدية إذا قررت ذلك.

ويشمل السؤال المستمد من واقع التجربة أبعاداً مختلفة، لكن أبرزها: هل نلاحظ تبايناً في الأوضاع المالية؟ الإجابة المقتضبة هي نعم. فقبل عام، توقعت الأسواق أن تتجاوز أسعار الفائدة للبنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي نسبة 2.75% بقليل بحلول ديسمبر 2024، وبينما ارتفعت التوقعات لمنطقة اليورو إلى قرابة 3.25%، ارتفعت التوقعات للفيدرالي إلى ما يربو على 5%. وارتفع الفارق المتوقع لشهر ديسمبر 2024 من 0.1 نقطة مئوية قبل عام إلى 1.8 نقطة مئوية حالياً.

كما جاء التحليل لنفسه لبنك إنجلترا مختلفاً، فقبل عام، ساد الاعتقاد في أن المملكة المتحدة هي عبارة عن سلة من التضخم، وكان من المتوقع أن تبقي أسعار الفائدة أعلى من نظيراتها في الولايات المتحدة. لكن منذ الخريف، تقاربت توقعات السوق لأسعار الفائدة في كل من بنك إنجلترا والفيدرالي قبل أن تتحرك في الاتجاه نفسه.

وسيستمر هذا النمط حتى نهاية عام 2025. وتشير هذه التقلبات في الأسواق إلى أن الأوضاع المالية في منطقة اليورو لا يحددها الفيدرالي الأمريكي، ولا يمكن قول الشيء نفسه بثقة بالنسبة للمملكة المتحدة، حيث تحولت التقلبات في أسعار الفائدة المتوقعة للفيدرالي إلى أسعار فائدة متوقعة في المملكة المتحدة بغض النظر تقريباً عن الأوضاع الاقتصادية الأخيرة في بريطانيا.