في هذا الصيف يؤجج الين توترات السوق، فمع ارتفاع الدولار وسط توقعات استمرار ارتفاع الفائدة بالولايات المتحدة لفترة أطول، انخفض الين الياباني إلى 160 يناً للدولار، ما استلزم تدخلاً خفياً. ولحسن الحظ، استقر الدولار قرب 157 يناً حالياً. وبينما يترقب المستثمرون بحذر الخطوة التالية لحكومة طوكيو، يجب عليهم أيضاً توجيه أنظارهم غرباً نحو بكين.
ومنذ أيام، سجل اليوان الصيني أدنى مستوياته منذ ستة أشهر عند 7.248 مقابل الدولار. وانتشرت تقارير عن أن البنوك المملوكة للدولة الصينية تشتري اليوان؛ لمكافحة مزيد من الانخفاض.
وحتى الآن، تبدو بكين مترددة في السماح بمزيد من الضعف لليوان، ناهيك عن تكرار ملحمة عام 2015 عندما حدث انخفاض كبير في قيمته. ومن الواضح أن هذا يرجع إلى القلق من أن مثل هذا الحدث قد يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال، وهو ما أخبرني إياه محللون ومسؤولون حكوميون في آسيا خلال رحلتي هناك هذا الأسبوع. وقال أحد المسؤولين: «قد يسمحون له (اليوان) بالانخفاض، لكنهم لا يرغبون في حدوث صدمة بالسوق».
رغم ذلك، سيكون من المثير للاهتمام مشاهدة ما سيحدث لاحقاً لليوان والين أيضاً. وأحد الأسباب هو أن كل هذا يذكر المستثمرين في الوقت المناسب بضرورة الاستعداد لمخاطر مرتفعة ومتزايدة بأن اضطراب العملات قد يؤدي إلى وقوع هزات في السوق هذا العام. قد يبدو هذا واضحاً لأي شخص مثلي ممن شهدوا الأزمة الآسيوية في 1997، أو لشخص في دولة مثل نيجيريا وتركيا، وكلتاهما شهدت بالفعل تقلبات مماثلة في العملات خلال العام الجاري، لكن الأمر ليس بالضرورة واضحاً للمستثمرين الذين اكتسبوا خبرة كبيرة في العقد الماضي، إلا أنهم لم يشهدوا أي عواصف دراماتيكية بين العملات الرئيسية لبعض الوقت.
وقد ارتفع الدولار بنسبة 10% على أساس الوزن التجاري خلال السنوات الثلاث الماضية. رغم ذلك، كان هذا التصاعد مستتراً ومطرداً. والأيام التي تمحورت فيها الأسواق حول السلوكيات الغريبة الصادرة عن «السيد ين» (الكنية التي ارتبطت بنائب وزير المالية الياباني في تسعينيات القرن الماضي إيسوكي ساكاكيبارا)، أو جورج سوروس (مؤسس صندوق التحوط الذي تسبب في خسائر هائلة للجنيه الإسترليني)، قد ولت منذ أمد طويل، بل تكاد تكون شيئاً رجعياً.
لكن أحد أسرار عالم المال أنه مثله مثل عالم الموضة، فما يبدو رجعياً قد يعود بشكل غير متوقع أحياناً، والتحولات في الصفائح التكتونية للاقتصاد السياسي العالمي قد تؤدي إلى صدمات جديدة للعملات. إننا نتحرك نحو حقبة من اختلافات جديدة في السياسات النقدية، بعد فترة كانت تتحرك فيها البنوك المركزية بشكل متزامن. ورغم تأهب البنك المركزي الأوروبي لخفض أسعار الفائدة في الأسبوع المقبل، فإنه من غير المرجح أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سيحذو حذوه قريباً، ومن المرجح بشكل كبير أن اليابانيين سيرفعون الفائدة.
في الوقت نفسه، بدأ الترويج للسياسات الحمائية والنزعة التجارية يخلق مخاطر بوقوع حروب بين العملات في المستقبل. وليس هناك ما يشير إلى أن إدارة جو بايدن تريد أن تنغمس في ذلك. لكن روبرت لايتايزر، أحد أبرز مستشاري دونالد ترامب، يعتقد أن الدولار مرتفع للغاية ويرغب في إضعافه بشكل ملحوظ إذا فاز ترامب بالانتخابات في نوفمبر.
ومع تصميم بكين الحالي على تعزيز النمو بزيادة الصادرات، فقد يغريها ذلك بإضعاف عملتها أيضاً، خاصة أن اليوان ارتفع مؤخراً مقابل عملات آسيوية أخرى. وفي الواقع، أخبرني بعض مديري صناديق التحوط أنهم يراهنون بالفعل على خفض الصين قيمة عملتها في وقت لاحق من العام. وإن صح ذلك، فبإمكانك توقع سلسلة مزعجة من ردود الفعل السيئة.
لنأمل أن تكون هذه التوقعات مخطئة في النهاية. لكن هذا الحديث يسلط الضوء على سبب آخر لمراقبة اليوان، يتمثل في عدم اليقين الذي يكتنف مدى رغبة الحكومة الصينية في تقويض هيمنة الدولار. ويعتقد بعض المسؤولين الأمريكيين القلقين أن هذا يحدث بالفعل. وقد تعهد فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، باستخدام اليوان بدلاً من الدولار. ونتيجة لذلك، وحسب وصف معهد «كارنيغي»: «أصبح اليوان في 2023 العملة الأكثر شعبية في بورصة موسكو، وتغلبت حتى على الدولار».
أعربت حكومات بعض الأسواق الناشئة الأخرى عن نيتها اتباع النهج نفسه. وتعهدت جزر المالديف مؤخراً بالتجارة مع الصين والهند باستخدام اليوان والروبية. وأفاد تقرير صادر عن مؤسسة «هاينريش» اعتمد على حسابات أجرتها «فيجوال كابيتاليست» بأن «اليوان شكل في نهاية مارس من العام الجاري 53% من المدفوعات والإيرادات العابرة للحدود في ثاني أكبر اقتصادات العالم (أي الصين)». وذهب التقرير إلى أن «الدولار يشغل 43% حالياً من هذه التدفقات، انخفاضاً من 83% في 2010».
رغم ذلك، إذا نظرنا إلى العالم كله، لوجدنا أن البيانات الصادرة عن مصرف التسويات الدولي تشي بشغل الدولار 89% من كل الفواتير التجارية العالمية في 2023، وهو مستوى أعلى في حقيقة الأمر، وليس أقل من نسبة 87% المسجلة في 2013.
وأصدر مصرف الاتصالات الصيني وجامعة رنمين استطلاعاً مثيراً شمل شركات صينية، يفيد باستخدام نصف هذه الشركات لليوان في التجارة العابرة للحدود. ومن الواضح إلقاء 64% من هذه الشركات باللوم في ذلك على «التعقيدات التي تشوب السياسات الاقتصادية»، وأشار 40% آخرون إلى «حواجز تدفقات رأس المال»، بينما انتقد 20% «نقص أدوات التحوط». وإذا ما أردنا تبسيط ذلك كله، فإنهم يخشون أن العملة مسيسة أو أن قيمتها ستنخفض. ربما ستتغير هذه التصورات.
ورغم هدوء كبرى أسواق العاملات نوعاً ما خلال العقد الماضي، فلا ينبغي افتراض دوام هذه الحال، وهي مسألة يجب على المستثمرين أن يعوها. لن يكون من السهل حل التوترات المتزايدة التي يشهدها الاقتصاد العالمي، سواء كان ذلك في آسيا أو في أي مكان آخر.