التقيت في لندن، منذ وقت ليس بالبعيد، محامياً يُدعى توم غودهيد، قال يومها شيئاً لم يزل عالقاً في ذهني؛ إذ يتلقى مكتبه، بوغوست غودهيد، دعاوى جماعية ضد شركات كبيرة في شأن كوارث بيئية. ولفت توم غودهيد إلى نمو متسارع وعدد كبير من المحامين الشباب المتلهفين إلى الانضمام إلى مكتبه، انتقالاً من مكاتب أقدم وأكثر رسوخاً في السوق.

وتحدثت في وقت لاحق إلى محامٍ لدى «غودهيد» عيّنه المكتب من شركة عالمية للمحاماة تعمل لمصلحة الكثير من العملاء في قطاع الوقود الأحفوري، وقال هذا المحامي واسمه إدموند بينتسي-إنشيل: «تكبدت مخاطرة مهنية كبيرة لكي أكون في الجانب الصحيح من التاريخ»، وتابع: «لكن الأمر يستحق بكل تأكيد».

لطالما عدت هذه القصص وقتاً طويلاً مثيرة للاهتمام، على الرغم من أنها لا تمثّل الغالبية؛ فقد تكون ثمّة رغبة لدى حفنة من الشباب في مدينة مثل لندن، ويعملون في مجال المحاماة، أن يتخلوا عن رب عمل كبير لمصلحة شركة ناشئة تميل إلى مراعاة البيئة، ولكن هل بدأ ما يُدعى «الاستقالة المناخية» حقاً؟ هل يحتاج أرباب الأعمال حقاً لأن يُظهروا اهتمامهم حيال البيئة إن كانوا يرغبون في الاحتفاظ بالموظفين من الشباب؟ تشي الدلائل بصورة متزايدة إلى احتمال حاجتهم لذلك، وليس فقط في مدن مثل لندن.

أقول ذلك بعدما محّصت استطلاعاً شمل قرابة 23,000 موظف ينتمون إلى جيليّ «زد» والألفية في 44 دولة، نشرته شركة «ديلويت» منذ أسبوعين. وإذا ما كان إدراكك للكليشيهات في شأن الأجيال فضفاضاً مثلي، فإن «ديلويت» تعرّف «الجيل زد» بأنهم الذين وُلِدوا بعد سنة 1995، أما جيل الألفية فهم مواليد ما بعد سنة 1983. وبعبارة أخرى، إنهم أشخاص في عشرينياتهم أو في الثلاثينيات بصفة عامة وشكلوا أكثر من نصف القوى العاملة الأمريكية بدوام كامل في سنة 2021.

وتُعد هذه الدراسة السنوية الـ13 من نوعها التي تجريها «ديلويت»، وتُظهر تأكيد نحو 20% من الموظفين الشباب أنهم غيروا وظائفهم أو القطاعات التي يعملون فيها بسبب مخاوف متعلقة بالبيئة، وأعربت نسبة أكبر قليلاً عن اعتزامها فعل الأمر ذاته مستقبلاً، وأفاد أكثر من 70% بأن المنجزات الخضراء والسياسات مهمة حينما يتعلق الأمر ببحثهم عن وظيفة.

وتتماشى هذه الأرقام مع البحث الذي أجراه مصرف الاستثمار الأوروبي في العام الماضي، وكشف اعتقاد 76% من الأوروبيين ممن هم في العشرينيات من العمر بأن التأثير المناخي لأرباب العمل المُحتملين يُعد عاملاً مهماً، وشدد 22% منهم أن الأمر يشكّل أولوية بالنسبة لهم.

والنقطة الأكثر بروزاً في استطلاع «ديلويت» إظهاره حاجة متزايدة لأن يتمتع أرباب الأعمال بما هو أكثر من سياسة في شأن المناخ؛ فقد ازدادت نسبة الموظفين في عشرينياتهم الذين أشاروا إلى ممارستهم ضغوطاً هم وزملاؤهم على الشركات لاتخاذ تحركات في شأن الاحتباس الحراري من 48% في سنة 2022 إلى 54% في سنة 2024، ويشهد جيل الألفية زيادة مماثلة.

وتتراوح التحركات التي يرغبون فيها بين تدريب الموظفين على الاستدامة وتجديد المكاتب لكي تكون أكثر مراعاة للبيئة، وحتى الاحتمال الأكثر تطلباً والذي يتمثل في تحويل النموذج المحوري للأعمال ليكون أكثر مراعاة للبيئة، وهو ما أورده نحو 20% من الموظفين الذين شملهم الاستطلاع. وأوضحت نسبة مماثلة رغبتهم في رؤية أصحاب الأعمال وهم «يعملون بشكل أكثر ارتباطاً مع الحكومات لتعزيز مبادرات الاستدامة».

وحينما طلبت إلى «ديلويت» مزيداً من التعمق في بياناتهم لمعرفة ما إن كان هذا الاتجاه أكثر بروزاً في غربي أوروبا أو أمريكا الشمالية، عادوا إليّ بنتائج مفاجئة، كما توقعت، إذ يتخطى جنوب شرقي آسيا هاتين المنطقتين، وهو إقليم يضم تايلاند وسنغافورة وماليزيا وإندونيسيا. وأفادت نسبة مثيرة للدهشة قدرها 66% من «الجيل زد» و71% من جيل الألفية في هذا الجزء من العالم بأنهم يدفعون المؤسسات التي يعملون بها تجاه إجراء تحرك في شأن التغير المناخي، وبلغت النسب في الأسواق الغربية الناضجة 50% و42% على الترتيب.

المثير للاهتمام أيضاً الصناعات الأكثر شعوراً بهذه الضغوط فتُظهر بيانات «ديلويت» أن الموظفين في الخدمات المالية هم الأكثر ممارسة للضغط، ويليهم العاملون في قطاع الطاقة والموارد، وهم الأكثر ترجيحاً للضغط من أجل تغيير نصاب الأمور، وتتخلّف خدمات الأعمال والشركات الاستهلاكية عن الركب كثيراً.

وبالنسبة لكاثي ألسيغاف، الرئيسة العالمية لمكتب الاستدامة لدى «ديلويت»، من غير الواضح بالتحديد السبب وراء ذلك، وترى أن العمل المناخي ربما يكون أكثر وضوحاً بالنسبة للموظفين في القطاعات التي تتعامل مع المستهلكين مثل المنتجات الاستهلاكية، أو في البلدان الغربية، ولذا فالموظفون لا يشعرون بالحاجة إلى الضغط من أجل اتخاذ مزيد من الإجراءات، وقد يكون هناك أمر آخر وراء ذلك.

وفي كلتا الحالتين، اضطررت إلى تغيير رأيي؛ فالشركات قد لا تكون مُجبرة على اتخاذ إجراءات حيال المناخ بصورة جدية، ولكن إن لم نفعل ذلك، فقد تجد صعوبة أكبر في توظيف الشباب الذين يحتاجون إليهم والاحتفاظ بهم.