يواجه محافظو البنوك المركزية تحدياً رئيسياً مع التضخم، فعلى الرغم من تزايد تحرك الأسعار في اتجاه يتماشى مع التوقعات في 2024، لا يزال التضخم لا يتبع المسار المتوقع.

وبعد صدور بيانات تضخم نفقات الاستهلاك الشخصي لشهر أبريل في الولايات المتحدة، والبيانات الأولية لشهر مايو في منطقة اليورو، وعند تقييم التضخم وللوهلة الأولى، تبدو اتجاهات التضخم بشكل عام على المسار الصحيح.

في عام 2022، بلغ التضخم ذروته في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو والمملكة المتحدة، محطماً أرقاماً قياسية لعقود عدة، على الرغم من أنه وصل في وقت متأخر إلى أوروبا، التي واجهت صدمة أقوى كثيراً للغاز الطبيعي من الولايات المتحدة. وبعد انخفاضات سريعة في عام 2023، اقترب التضخم من 2 في المئة، لكنه لم ينخفض تماماً إلى 2 في المئة، حيث أثبت تضخم الخدمات أنه أكثر ثباتاً. ولا يبدو أي من ذلك مقلقاً للغاية؛ لأن انخفاض التضخم يبدو إلى حد كبير أنه يسير على المسار الصحيح، خاصة أن محافظي البنوك المركزية حذروا من أنه ستكون هناك مطبات في الطريق.

من ناحية أخرى، تعاني اليابان من عكس هذه المشكلة، حيث سعت لرفع توقعات التضخم إلى نحو 2%، والحفاظ على زيادات في الأسعار عند هذا المستوى. ومرة أخرى، تبدو البيانات متسقة بشكل عام مع هذا الهدف.

عند هذه النقطة تبدو الأمور غير مشجعة، فخلال الأشهر الستة الماضية، تجاوز التضخم السنوي المستهدف، ويتجه نحو الارتفاع قليلاً في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو. وكانت بيانات مايو لمنطقة اليورو مخيبة للآمال بشكل خاص بحسب هذا المقياس. وفي حين أن التضخم يقترب من المستهدف في المملكة المتحدة، فإن التضخم الأساسي آخذ في الارتفاع، وتضخم الخدمات يتجاوز 5%.

على النقيض من ذلك، انخفض التضخم في اليابان إلى ما دون المستوى المستهدف خلال الأشهر الستة الماضية. ومرة أخرى، هذه ليست هي النتيجة التي يرغب فيها بنك اليابان، وهو أمر لا يبعث على الطمأنينة.

رغم ذلك كله، فإن الأمور ليست كارثية، ولا يزال هذا السرد يتسق مع المسار الوعر نحو العودة إلى المستويات المستهدفة للتضخم، لكن من المهم التذكير أن المسؤولين توقعوا تقدماً أكبر بحلول هذه المرحلة؛ لذلك من المهم النظر عن كثب في كل من هذه الاقتصادات لمعرفة ما إذا كان الوضع يتغير في ظل الفحص الدقيق؛ لذا دعونا نلقي نظرة فاحصة.

بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وبغض النظر عن كيفية تحليل أرقام التضخم في نفقات الاستهلاك الشخصي، فإن القصة تتكرر. التضخم مرتفع قليلاً حسب أي تعريف على نحو لا يشعر معه الاحتياطي الفيدرالي بالراحة.

بكل المقاييس، يبدو أن التضخم في منطقة ما حول 3 في المئة. وعلى الرغم من أن الاحتياطي الفيدرالي يمتلك رفاهية الاقتصاد الذي لا يزال يتمتع بصحة جيدة، ما يسمح له بأخذ وقته كي تعمل أسعار الفائدة على خفض التضخم إلى 2 في المئة، إلا أنه يبدو أن هناك تأخيراً في بلوغ الميل الأخير.

لن أذهب إلى حد وصف ذلك بأنه مشكلة خطيرة، فمقاييس التضخم المستندة إلى السوق، باستثناء إيجار المنازل التي يشغلها مالكوها ومقاييس التضخم المرتبطة برسوم الخدمات المالية، في ظل سوق أسهم منتعشة، تقدم صورة أفضل قليلاً، لكن الرقم الوحيد الذي يقترب من 2 في المئة هو رقم التضخم الأساسي السنوي لشهر واحد على أساس السوق، وهذا ليس أساساً كافياً لإعلان النصر.

في منطقة اليورو، يعد الاتجاه الأخير في أسعار السلع أكثر إيجابية مقارنة بالولايات المتحدة، مع استمرار تراجع أزمة الطاقة التي تؤثر في السلع والمواد الغذائية المنتجة محلياً، لكن الأخبار المشجعة في أسعار السلع، التي تخفف من حدة التضخم الرئيسي على المدى القصير، لا تنعكس في أماكن أخرى.

ومن المرجح أن يكون الانكماش في أسعار السلع مؤقتاً، كما أن أسعار الخدمات، خاصة في الأشهر الأخيرة، لم تتبع انخفاض أسعار السلع. ويبلغ معدل التضخم السنوي للخدمات لمدة ثلاثة أشهر 5.2%، ويبلغ معدل شهر واحد 6.5%، وهو أمر يجب على البنك المركزي الأوروبي مراقبته عن كثب.

صحيح أنه لا يوجد سبب للذعر حالياً، لكن بعد خفض سعر الفائدة من 4% إلى 3.75% سيحتاج البنك المركزي الأوروبي إلى البدء في رؤية التحسينات من هذه النقطة فصاعداً. وحال وجود المزيد من المفاجآت غير السارة، فقد يبدو تخفيض سعر الفائدة لمرة واحدة غير كافٍ.

وفي المملكة المتحدة، يبدو التضخم الرئيسي أكثر إيجابية مقارنة بالاقتصادات الأخرى، وذلك بعد الانخفاض الحاد في أسعار الغاز والكهرباء بشهر أبريل. ولو كان التضخم الرئيسي هو المعيار الوحيد لبدا أن المملكة المتحدة قد نجحت في التغلب على التضخم، إلا أن المؤشرات الأخرى ترسم صورة أكثر إثارة للقلق، فعلى مدار الأشهر الستة الماضية، كان التضخم الأساسي أعلى من الأشهر الستة السابقة، ولا يزال مرتفعاً للغاية عند 3.9% سنوياً.

ويعد تضخم الخدمات، الذي يبلغ معدله السنوي 7.1% على مدار ثلاثة أشهر و9.1% في الشهر الماضي، هو مصدر القلق الرئيس. وثمة معركة بين التأثيرات الإيجابية للتضخم الكلي المعتدل على مطالبات الأجور المستقبلية ومؤشرات استمرار تضخم الخدمات.

ومع اقتراب الانتخابات، فمن المرجح أن يتجنب بنك إنجلترا خفض سعر الفائدة في يونيو الذي خطط له، وينتظر لفترة أطول قليلاً، وهذا أمر مفهوم تماماً.

وبحلول أغسطس، سيرغب بنك إنجلترا في رؤية القضايا الموسمية المتبقية قد تم احتواؤها بانخفاض معدلات التضخم وتراجع ضغوط الأجور؛ بالتالي ستعود روايته حول استقرار التضخم إلى المسار الصحيح. ومن المرجح أن الأمور ستكون على ما يرام، لكن الأرقام الأخيرة كانت صعبة للغاية.