تشتهر نيو أورلينز بكونها مدينة للاحتفالات كما لو كانت تعيش في عالم موازٍ، لكن ما يحدث في الاحتفالات عادة ما يبقى هناك، مهما كان جامحاً، فيما ليست هذه هي الحال في عالم رأس المال الخاص سريع النمو في الولايات المتحدة.
فمنذ أيام، قضت محكمة الاستئناف الأمريكية بالدائرة الخامسة، ومقرها نيو أورلينز، لصالح 6 مجموعات من شركات الأسهم الخاصة وصناديق التحوط بإلغاء قانون الشفافية المقدم من لجنة الأوراق المالية والبورصات العام الماضي. وكان القانون يلزم شركات الأسهم الخاصة وصناديق التحوط والمجموعات العقارية بإصدار تقارير ربع سنوية عن الأداء والرسوم، إلى جانب إجراء عمليات تدقيق سنوية، والتوقف عن منح بعض المستثمرين أفضلية في المعاملة وإتاحة وصول خاص إلى حيازات المحافظ الاستثمارية.
ولطالما اعتبرت هذه المفاهيم معياراً في الأسواق العامة، لكنها مفاهيم ينبذها العديد من الجهات الفاعلة القوية في رأس المال الخاص. ونتيجة ذلك، أثار الحكم فرحة عارمة بين العديد من الممولين، بينما أثار استياء التقدميين وجماعات حماية المستهلك. لكن ما الذي ينبغي للمستثمرين استنتاجه؟ هناك 3 نقاط رئيسية يجب مراعاتها.
أولاً، ستؤكد هذه القصة الانطباع أن القضاء الأمريكي بات متحزباً أكثر من أي وقت مضى. فبعد كل شيء، كان السبب وراء رفع القضية في نيو أورلينز هو أن لويزيانا ولاية حمراء وقادتها الجمهوريون يميلون إلى كراهية ومعارضة تصرفات إدارة واشنطن التي يسيطر عليها الديمقراطيون. بالإضافة إلى ذلك، عين اثنان من القضاة الثلاثة المشاركين في القضية من قبل دونالد ترامب، بينما تم تعيين الآخر من قبل جورج دبليو بوش. ويعزز ذلك الضجة حيال التحيز السياسي في الولايات المتحدة في الوقت الراهن. وبما أن حكم نيو أورلينز يعزز فكرة السلطة القضائية المتحزبة، فهو أمر مؤسف للغاية.
النقطة الثانية هي أنه نظراً لانخراط الجمهوريين في اختيار المحاكم، قد يتم الآن إلغاء المزيد من مبادرات هيئة الأوراق المالية والبورصات. وعلى سبيل المثال، يبدو أن الإصلاحات المقترحة أخيراً لتداول سوق سندات الخزانة والتقارير المرتبطة بالمناخ، عرضة للخطر بشكل خاص.
وهذه النتيجة مؤسفة كذلك، فتعديل وتغيير هذه القواعد من شأنه أن يزعزع الثقة في قابلية التنبؤ بعملية صنع السياسات الأمريكية. كذلك، فإن الإصلاحات المقترحة لسوق السندات وتقارير تغير المناخ منطقية، إذ يسعى الأول إلى تقليل الخطر (الحقيقي) المتمثل في إحداث خلل بسوق سندات الخزانة، والأخير من شأنه أن يعكس الاتجاه الذي تتخذه معظم البلدان الكبرى الأخرى.
وربما يكون الدرس الرئيس المستفاد من نيو أورلينز هو الأكثر أهمية؛ إذ يجب أن يصبح المستثمرون من مختلف القطاعات أكثر حذراً بشأن المخاطر الكامنة في عالم رأس المال الخاص. وبينما تميل الأخبار «التجارية والمالية» إلى التركيز على الشركات العامة التي، بطبيعتها، يسهل تتبعها، لكن واحدة من الحقائق التي غالباً ما يتم تجاهلها في الرأسمالية الأمريكية هي أن الشركات الخاصة لعبت دائماً دوراً مهماً في الاقتصاد، كما أن بصمة رأس المال الخاص زاد تأثيرها خلال العقدين الماضيين.
ووفقاً لمجلس الاستثمار الأمريكي، لدى الولايات المتحدة حالياً 32 ألف شركة مدعومة بالأسهم الخاصة، توظف 12 مليون شخص، بينما 34 مليون أمريكي يستثمرون معاشاتهم التقاعدية في هذا القطاع. وفي الوقت نفسه، تقدر شركة «إف تي آي كونسلتنغ» أن متوسط العائدات على مدى السنوات العشرين الماضية بلغ 15%، أي أعلى بنسبة 50% من مؤشر «ستاندرد آند بورز 500»
وترى الأطراف الفاعلة في رأس المال الخاص أن فرض تنظيمات أكثر صرامة من شأنه أن يكبح هذه العائدات العالية، ويصرون على أنها غير ضرورية؛ لأن المستثمرين يتمتعون بقدر عالٍ من البراعة. وثمة حقيقة في كلتا النقطتين: فالأفراد ذوي الثروات العالية الذين اعتادوا الهيمنة على القطاع يمكنهم، بل ينبغي عليهم، فهم مبدأ «مسؤولية المشتري»، كما أن أعباء الإبلاغ التي تتحملها الشركات العامة مكلفة ومعقدة.
وفي الواقع، تشير شركة «إف تي آي» إلى أن مقترحات الإفصاح المقدمة من هيئة الأوراق المالية والبورصات تصل إلى 650 صفحة، وتسلط الضوء على أنه «على عكس نظيراتها الكبيرة المتداولة علناً.. تفتقر معظم شركات الأسهم الخاصة والصناديق العقارية عادة إلى أقسام امتثال داخلية واسعة النطاق» للتعامل مع هذا الأمر.
عموماً، فإن القطاع لم يعد حكراً على الأفراد الأثرياء المحنكين؛ والسبب وراء قيام 34 مليون أمريكي باستثمار معاشات تقاعدية في الأسهم الخاصة هو أن العديد من الصناديق والمنح السائدة سارعت أخيراً بالدخول للسوق. وفي ضوء ذلك، تبدو رغبة هيئة الأوراق المالية والبورصات لتعزيز الشفافية والحماية معقولة تماماً وجديرة بالثناء، لا سيما أن ارتفاع أسعار الفائدة سيقلل من العائدات في السنوات المقبلة.
وبطبيعة الحال، ثمة طريقة أخرى لحل هذه المشكلة، فمن الممكن أن يطالب أصحاب الأصول بمزيد من الإفصاح - أو سحب استثماراتهم بالكامل. وآمل بشدة أن يختار المزيد من مالكي الأصول القيام بذلك الآن؛ لإنه الرد العقلاني الوحيد على حكم يوم الأربعاء.
ومع ذلك، هناك مشكلة مع هذا السيناريو – الثقة في قوة عوامل السوق – تتمثل في أن صناديق رأس المال الخاص عادة ما تكون لديها فترات إغلاق طويلة. وتتمثل المشكلة الأخرى في أن التاريخ المالي يظهر أن أصحاب الأصول يميلون إلى طلب أبسط مستويات الشفافية بعد حدوث الأزمة، وليس قبلها.
فهل سيكون مستثمرو رأس المال الخاص أكثر حكمة هذه المرة؟ فبعد كل شيء، بات تأثير ارتفاع أسعار الفائدة على نموذج عمل رأس المال الخاص واضحاً. لكن ما لم يستيقظ أصحاب الأصول ويطالبون بالشفافية والمعاملة العادلة التي لم تعد هيئة الأوراق المالية والبورصات قادرة على فرضها، فقد يتعرض البعض إلى صدمات شديدة في المستقبل. وعواقب ذلك، ستكون مزعجة دائماً، خصوصاً عندما تكون غير متوقعة.