دبي تفوز بالسباق العالمي لجذب مديري الأصول ومحترفي التمويل

مركز دبي المالي يحتضن أكبر البنوك الاستثمارية وصناديق التحوط
مركز دبي المالي يحتضن أكبر البنوك الاستثمارية وصناديق التحوط

 لعبت الكفاءات والمواهب والخبراء المحترفون دوراً حيوياً في تطور المراكز المالية التقليدية تاريخياً حول العالم، خاصة عند الحديث عن مدن مثل نيويورك ولندن وهونغ كونغ وسنغافورة وجنيف. وتعتبر المؤسسات العاملة في هذه المراكز أن جذب المواهب والاحتفاظ بها له أولوية استراتيجية قصوى، لكونها عاملاً رئيسياً حاسماً في تعزيز النمو والابتكار والإبداع وبناء الثروات وإدارتها.

وقبل 20 عاماً وضعت دبي حجر الأساس لمركز دبي المالي العالمي، واليوم بعد مرور عقدين من العمل الدؤوب والطموحات العالية والأداء المتميز، يتجاوز عدد الشركات المسجلة في المركز حاجز الـ 6 آلاف شركة، فيما يصل عدد القوى العاملة إلى43,787 موظفاً، فيما تسعى الشركات جاهدة لاستقطاب المواهب والمهنيين من جميع أنحاء العالم.

ومن الواضح أن أزمة جائحة كورونا التي شكلت تحدياً كبيراً لجميع الحكومات حول العام، كانت بمثابة فرصة ذهبية لدبي، حيث استطاعت أن ترسخ مكانتها عالمياً على مستوى القطاع المالي، وبات نخبة المال والمواهب الاستثمارية من مديري الأصول والصناديق وكبار الاستراتيجيين ومديري المحافظ ومتخصصي الأبحاث والاستشاريين والخبراء المصرفيين يتوافدون إلى الإمارة بوتيرة متسارعة. ومن الواضح أن دبي حسمت الأمور وباتت الفائزة في ذلك السباق العالمي المحموم لاستقطاب كبار مديري الأصول ومحترفي التمويل.

وعلى مدار السنوات الماضية لا يمر أسبوع دون أن يعلن أحد البنوك الاستثمارية الكبرى أو صناديق التحوط أو إحدى المؤسسات المالية العاملة في مركز دبي المالي العالمي، عن استقطاب أحد الخبراء الماليين البارزين من أحد المراكز المالية حول العالم، أو تعلن عن خطط لتوسيع فريقها الإداري في دبي ليلبي تطلعات الأعمال المتنامية في المنطقة.

ويقول المصرفي البريطاني المخضرم ديفيد غيبسون مور، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة «غولف أناليتيكا»: «شهدنا انتقال العديد من المحترفين ذوي الخبرة في التمويل العالمي والخدمات المصرفية الاستثمارية وإدارة الأصول وغيرها من المجالات ذات الصلة إلى دبي في السنوات الأخيرة من مراكز مالية رئيسية أخرى بما في ذلك لندن ونيويورك وهونغ كونغ وسنغافورة».

ويؤكد مور أن دبي تنجح أيضاً في جذب المواهب والمهنيين من آسيا وأفريقيا والدول العربية، والتي تتحلى بمعرفة ثقافية مواتية، قائلاً: «يجذب مركز دبي المالي العالمي أيضاً عدداً كبيراً من المحترفين من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ تعد لبنان ومصر بالإضافة إلى دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى مثل السعودية والبحرين من المصادر الرئيسية للمواهب مع الأفراد القادرين على المساهمة بمعرفة التمويل الإسلامي والتنظيم الإقليمي، بالإضافة إلى المعرفة المهمة للغاية بالسوق المحلية والديناميكيات الثقافية».

ويتابع مور: «كما انتقل عدد كبير من المتخصصين الماليين إلى دبي من الهند وباكستان نظراً للعلاقات الاقتصادية والثقافية القوية بين دبي وجنوب آسيا، ويساهم العديد منهم عبر خبراتهم المصرفية، كما يمتلك آخرون مهارات دعم قوية في مجالات مثل تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا المالية وعمليات المكاتب الخلفية والمحاسبة».

ويرى غاري دوجان، الرئيس التنفيذي لشركة The Global CIO Officer والذي يمتلك خبرة طويلة في بنوك عالمية مثل جي بي مورغان وباركليز أننا «نشهد المزيد من المواهب القادمة من أوروبا وسنغافورة، والوافدون الأوروبيون إيجابيون بشكل خاص، لأننا نشهد المزيد من المواهب الاستثمارية القادمة إلى المنطقة».

ويضيف: «في الماضي كان مركز دبي المالي العالمي يُنظر إليه باعتباره المكتب الأمامي للعديد من الشركات المالية، أي فرق المبيعات، ومع ذلك، فمن الواضح أن الكثير من الخبرات الاستثمارية تتحول إلى دبي، يجد مديرو صناديق التحوط الناجحون أن دبي جذابة بسبب الضرائب المنخفضة، ولكن أيضاً لأنهم يجدون المزيد من المواهب الاستثمارية للتفاعل معها مقارنة بالماضي».

ويتفق باس كويمان، الرئيس التنفيذي ومدير الأصول في شركة «دي إتش إف كابيتال» مع هذا الرأي قائلاً: «تبدأ كل شركة في مركز دبي المالي العالمي بحد أدنى هو ثلاثة موظفين مسؤولين عن الشؤون الإدارية والامتثال للقوانين المحلية، لكن مع مرور الوقت ونجاح الشركة، يرتفع العدد إلى خمسة أو سبعة موظفين، ما يزيد من تعداد القوة العاملة، وأسهم هذا النمو في تحقيق المركز إنجازاً مهماً بتجاوزه 40 ألف موظف، ليرسخ مكانته كواحد من المراكز المالية الرائدة في العالم».

مواهب محلية

ويرى غيبسون مور أن الخبرات والكوادر التي يستقطبها مركز دبي المالي العالمي لا تقتصر على الأجانب من جميع أنحاء العالم والمنطقة، حيث تسعى دبي إلى تطوير كوادرها المحلية في القطاع المالي أيضاً، مؤكداً أن مبادرات حكومة دبي لتطوير المواهب المحلية تؤتي ثمارها أيضاً، مع زيادة عدد الإماراتيين الذين يتولون أدواراً عليا في المناصب المالية والقانونية والتنظيمية داخل مركز دبي المالي العالمي.

لماذا دبي؟

وتخوض المراكز المالية حول العالم سباقاً محموماً لجذب المواهب والكوادر المحترفة في القطاع المالي، ولكن يبقى السؤال: لماذا يفضل هؤلاء دبي على مراكز مالية تاريخية منافسة؟

يقول الرئيس والمدير التنفيذي لشركة «غولف أناليتيكا» إن موقع دبي الاستراتيجي عند مفترق الطرق بين أوروبا وآسيا وأفريقيا يوفر وصولاً لا مثيل له إلى الأسواق الناشئة والراسخة على حد سواء، وهذا، إلى جانب البنية التحتية للنقل من الطراز العالمي، يجعل من مركز دبي المالي العالمي قاعدة مثالية للمهنيين والشركات التي تتطلع إلى العمل على مستوى العالم.

ويرى باس كويمان أن تدفق الأثرياء إلى دبي أدى إلى زيادة ملحوظة في عدد الصناديق والشركات المرخصة الجديدة في مركز دبي المالي العالمي، كما أن الخبرات التي تقصد مركز دبي المالي العالمي للاستفادة من ميزاته الاستراتيجية وبيئته المواتية للأعمال، تأتي من مراكز مالية عالمية مرموقة.

ويشير غيبسون مور إلى أن هناك عاملاً مهماً آخر وهو الإطار التنظيمي لمركز دبي المالي العالمي، والذي يستند إلى القانون العام الإنجليزي، وهذا يوفر مستوى من الشفافية والموثوقية جذاباً للغاية للشركات والمهنيين العالميين، مضيفاً أن المزايا الضريبية المقدمة مهمة للغاية، مع عدم وجود ضريبة دخل شخصية، وضريبة شركات على الأرباح لمدة تصل إلى 50 عاماً، يوفر مركز دبي المالي العالمي بيئة مالية مواتية للغاية، وهذا جذاب بشكل خاص للمهنيين الذين ينتقلون من ولايات قضائية عالية الضرائب، فهو يسمح لهم بزيادة أرباحهم إلى أقصى حد أثناء العمل في سوق ديناميكية ومتنامية.

وفيما يتعلق بالمزايا الضريبية يشير الرئيس التنفيذي ومدير الأصول في شركة دي إتش إف كابيتال إلى أن دبي تستقطب الأشخاص الراغبين بالحصول على دخل صافٍ يعادل رواتبهم الإجمالية في دول أخرى.

وضرب كويمان مثلاً بالقول: «يتم فرض ضريبة على رواتب فريق مكتب الدعم الليتواني قدرها 43 % من الراتب الإجمالي، أما في دبي، فيحققون دخلاً أعلى بنسبة 43 % في نفس العمل مع الاستمتاع بطقس أفضل طوال العام».

ويضيف كويمان أن جاذبية الانتقال إلى دبي تزداد مع فرصة كبيرة للانضمام إلى مجتمع متنوع من الوافدين ممن يتشاركون نفس الأفكار، ويسعون لتحقيق إنجازات كبيرة يصعب تحقيقها في دولهم الأصلية، وبناءً على هذه المعطيات، يتوقع كويمان أن يرتفع معدل توافد المواهب والكفاءات إلى دبي في المستقبل المنظور.

ويرى غاري دوغان أن أسلوب الحياة مهم، جودة الحياة، والأمن داخل الدولة، وسهولة الوصول إلى المراكز المالية الأخرى كلها أمور إيجابية، والطريقة التي تربط بها الإمارات بين المناطق الزمنية للسوق الأمريكية والآسيوية تشكل اقتراحاً جذاباً للمتداولين النشطين، متوقعاً أن يستمر التدفق بل ويتسارع بالفعل مع نقل الوافدين الجدد لقصصهم الإيجابية إلى زملائهم السابقين في العمل.

التحول الكبير

يستطيع أي مراقب أن يرى مدى التحول الاستثنائي الذي شهده مركز دبي المالي العالمي، سيكون لهذا التحول صدى وتأثير كبير على المنافسين، حيث تتغير الموازين وتنقلب الأدوار، يقول الرئيس التنفيذي لشركة The Global CIO Officer «بدلاً من أن يكون مجرد سلسلة من مكاتب المبيعات لمديري الأصول وقطاع مصرفي خاص، حيث يتم إرسال الأموال فقط إلى سنغافورة أو سويسرا، يتطور مركز دبي المالي العالمي ليصبح مركزاً مهماً لإدارة الأموال في حد ذاته».

وتابع دوغان: «يريد العملاء المحليون أن يشعروا بأن القرارات المتعلقة بمحافظهم المالية تتخذها مواهب استثمارية تعيش في الإمارات وتفهم ثقافة واحتياجات المقيمين في الدولة»، مؤكداً: «يجب أن يكون مركز دبي المالي العالمي مركزاً استثمارياً في حد ذاته مع وجود فرق إدارة أصول كبيرة تعمل في المركز محاطة بمواهب متشابهة التفكير».

الأدمغة المهاجرة

حلت دبي في المركز السابع عالمياً على قائمة أكثر المدن جذباً للعقول المهاجرة، بحسب أحدث تقرير أصدرته مجموعة بوسطن الاستشارية، محددة ثلاثة من الأسباب الأكثر شيوعاً التي تدفع أصحاب المواهب للانتقال إلى الخارج تشمل الفرص الاقتصادية والتقدم الوظيفي وإمكانية تحسين نوعية الحياة.

وتساهم هذه العقول المهاجرة بشكل رئيسي في تطور المركز ورفع مستوى الخبرة والاحترافية لدى كوادره، فضلاً عن مساهمتها في الابتكارات والإبداعات التي تنطلق من دبي إلى العالم، يرى ديفيد مور أن من الطرق الرئيسية التي يساهم بها هؤلاء المهنيون في رفع مستوى الخبرة داخل مركز دبي المالي العالمي أنهم يأتون من مراكز مالية راسخة مثل لندن ونيويورك وهونغ كونغ حاملين معهم الخبرة والفهم للأسواق المالية العالمية. وهذا يضمن أن الخدمات المالية المقدمة داخل المركز تلبي (وتتجاوز في كثير من الأحيان) المعايير الدولية المتنافسة.

ويضيف: «يساعد هؤلاء المهنيون مركز دبي المالي العالمي على تطوير تحالفات دولية استراتيجية تعزز من نطاقه ونفوذه في جميع أنحاء العالم، كما أن الابتكار هو مجال آخر بالغ الأهمية، حيث تحدث هذه الكوادر المتخصصة تأثيراً كبيراً، ومع التطور السريع للصناعة المالية العالمية، وخاصة في مجالات مثل التكنولوجيا المالية، والتمويل الأخضر، والأصول الرقمية، وضع مركز دبي المالي العالمي نفسه كقائد في هذه القطاعات الناشئة».

ويؤكد مور أن المواهب الأجنبية ساهمت بدور حيوي في تطور المركز وتنافسيته عالمياً قائلاً: «إن العديد من المبادرات المؤسسية الأخيرة التي أطلقها مركز دبي المالي العالمي كان للمواهب والخبرات دور كبير فيها، بدءاً من FinTech Hive، ومحكمة الاقتصاد الرقمي ولوائح الأصول الرقمية، وشراكتها الطويلة الأمد مع مقدمي خدمات البلوك تشين العالميين، ومبادرات التمويل المستدام».

ويرجح مور أن يستمر تدفق المواهب إلى مركز دبي المالي العالمي، ومن المرجح أن يزداد في السنوات القادمة، مؤكداً أن النمو الاقتصادي المستمر في دبي، وتركيز المركز على القطاعات الناشئة، والتحولات في أنماط العمل بعد الوباء، كلها تشير إلى الاهتمام المستمر من قبل المهنيين العالميين.

يذكر أنه من أهم المعاملات المالية المبتكرة التي كشف عنها مركز دبي المالي العالمي على مدى السنوات الثلاث الماضية عبر قطاعات مختلفة، وساهمت فيها الخبرات والمواهب والكوادر المحترفة:

- إصدار أول صكوك مرتبطة بالاستدامة من ماجد الفطيم بقيمة 1.5 مليار دولار (2021).

- معاملة تمويل التجارة «القائمة على تقنية البلوك تشين» من بنك إتش إس بي سي باستخدام منصة Digital Vault، حيث سهلت الصفقة تجارة السلع بين الإمارات والبحرين (2021).

- صكوك إعمار العقارية بقيمة 500 مليون دولار، وكانت من أوائل الصكوك في المنطقة التي تم هيكلتها باستخدام نموذج مرابحة هجين يجمع بين تقنيات تمويل مختلفة متوافقة مع الشريعة الإسلامية (2021).

- أول صفقة عقارية مرمزة في دبي (2022): حيث تم تحويل أصول العقارات إلى رموز وبيعها على منصة بلوك تشين، تضمنت هذه الصفقة المبتكرة الملكية الجزئية لعقار فاخر، مما مكن المستثمرين من شراء رموز تمثل أسهماً في العقار.