في صباح اليوم الثاني من شهر نوفمبر سنة 1952 كانت بلدة «فان نويس» الصغيرة، التابعة لإحدى مقاطعات ولاية إنديانا الأمريكية، على موعد مع إضافة مولود جديد إلى سكانها، الذين كان عددهم آنذاك أقل من 100 ألف نسمة.
كانت الأم أستاذة في اللغة الإنجليزية بجامعة نورث ريدج بكاليفورنيا، أما الأب فكان يملك محلاً لبيع الأحذية، وقد اختارا له اسم لورانس، الذي سيلقب فيما بعد باسم لاري فينك، ويصبح رئيس مجلس إدارة والرئيس التنفيذي لشركة «بلاك روك» لإدارة الاستثمارات، وهي أكبر شركة لإدارة الأموال في العالم من حيث الأصول الواقعة تحت إدارتها، والبالغة حتى نهاية السنة الماضية 10 تريليونات دولار، وتعد أكبر «مصارف الظل» في العالم، نظراً إلى نفوذها القوي، ليس في مجال الاقتصاد فحسب، بل في عالم السياسة أيضاً بالتبعية؛ حيث تدير استثمارات مؤسسات عملاقة وأفراد بارزين؛ ما أهل لورانس دوجلاس فينك ليكون سياسياً نشطاً في الحزب الديمقراطي، و«ملك وول ستريت بلا منافس»، حسب وصف صحيفة «فايننشال تايمز».
100 مليون دولار
في طفولته لم يكن مستواه التعليمي جيداً، على العكس من مستوى شقيقه، لذلك أعفى الأب شقيقه من العمل معه في بيع الأحذية، وأسند إلى لورانس هذا العمل «الروتيني الممل» حسب وصف لاري نفسه، لكن ذلك لم يثبط من عزيمته، فأكمل دراسته، حتى حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة كاليفورنيا سنة 1974، ثم درجة الماجستير في إدارة الأعمال من كلية أندرسون للإدارة في سنة 1976؛ ليتلقى عروضاً من بنوك استثمارية كبيرة، كان منها بنك «جولدمان ساكس»، لكنه رسب في المقابلة النهائية المؤهلة للوظيفة، فلم ييأس، وتوجه مباشرة إلى بنك «فرست بوسطن» في نيويورك، ليبدأ العمل به في السنة نفسها بقسم تداول السندات، وبدأ التداول بشكل أساس في سندات الرهن العقاري، حتى صار أصغر مدير إداري في تاريخ فرست بوسطن، وأصغر عضو بمجلس إدارته، وكان سنه آنذاك 31 سنة فقط، وكان له دور كبير في إنشاء وتطوير سوق الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري في أمريكا كلها، كما حقق للبنك نحو مليار دولار دخلاً صافياً، لكن بعد أكثر من 10 سنوات من النجاح، وفي 1986، حين كان مرشحاً بقوة لمنصب الرئيس التنفيذي للبنك، تسبب في خسارة 100 مليون دولار، بسبب توقعاته غير الصائبة لأسعار الفائدة.
وبادر لاري فينك بعد تلك المحنة إلى الاتصال بصديقه رالف شلوسشتاين، وهو مصرفي استثماري كان مسؤولاً في وزارة الخزانة الأمريكية في عهد الرئيس الأسبق جيمي كارتر، قبل أن يوجه نشاطه إلى وول ستريت، وبدأ الاثنان وضع نواة لشركة تقوم على صوغ الأوراق المالية وتجميعها في محفظة واحدة، مع تحليل دقيق للمخاطر التي يمكن التعرض لها، وهكذا كان ميلاد «إمبراطورية» بلاك روك، أو «الصخرة السوداء» في سنة 1988، تحت مظلة مجموعة «بلاك ستون»، أو «الحجر الأسود».
وبعد سنوات قليلة تم إدراج بلاك روك رسمياً في سوق الأسهم، وتم تقييمها بنحو 900 مليون دولار، وكانت الشركة قد صارت مستقلة تماماً بعد انفصالها عن مجموعة بلاك ستون، وتولى لاري منصب المدير والرئيس التنفيذي للشركة.
صفقات تاريخية
في سنة 2006 استطاع لورانس فينك إبرام صفقة اندماج مع بنك «ميريل لينش»؛ ما ضاعف حجم محفظة أصول «بلاك روك»، وفي السنة نفسها أيضاً نجح في عقد صفقة وُصفت بأنها «أكبر صفقة في القطاع السكني في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية كلها»؛ حين استحوذ على مشروع «ستويفيسانت تاون بيتر كوبر»، وهو مجمع سكني في مانهاتن، وكانت قيمته تقدر بـ 5.4 مليارات دولار، وبعدها بثلاث سنوات فقط استحوذ على شركة «باركليز جلوبال إنفستورز» التابعة لبنك «باركليز»، لتصبح «بلاك روك» أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم، وقُدّرت العلاوات، التي حصل عليها فينك آنذاك بـ 23.6 مليون دولار.
وفي سنة 2016 بلغ عدد العاملين في الشركة أكثر من 12 ألف موظف موزعين على 27 بلداً في جميع أنحاء العالم.
وحسب صحيفة «فايننشال تايمز» بلغ إجمالي أجر لورانس فينك في السنة الماضية 26.9 مليون دولار، في حين بلغت الأصول، التي تديرها «بلاك روك» 10 تريليونات دولار، حسب آخر تقييم أعلن في شهر ديسمبر الماضي.