أضفى إكسبو 2020 دبي، طابعاً  أممياً على الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية الذي يصادف 18 ديسمبر من كل عام، حيث حضر الحفل نخبة من ألمع العقول والمتخصصين والمهتمين بلغة الضاد، ضمن فعاليات "مستقبل اللغة العربية - جسر بين الحضارات" التي تحتفي باللغة والثقافة والتراث العربي.

ويشارك إكسبو الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في 18 ديسمبر، حيث أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 في ديسمبر عام 1973، اعتمدت بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة،  

وعبر أحمد ابو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية خلال كلمته بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في إكسبو 2020 دبي، عن امتنانه لحكومة دولة الإمارات التي لم تدّخر جهداً لدعم الجامعة العربية، وتيسير مشاركتها في إكسبو 2020 دبي، موضحاً أن اللغة العربية كانت أداة رئيسية لصناعة واحدة من أكبر شبكات التواصل التي عرفها التاريخ البشري.

وقال: "إننا نحتفل اليوم باللغة العربية في يومها العالمي تحت عنوان: "اللغة العربية: جسر للتواصل الحضاري" وهو شعار ينسجم مع رسالة إكسبو 2020 دبي "تواصل العقول وصنع المستقبل"، فالتواصل هو غاية اللغة ووظيفتها ويرتبط مستوى التواصل، الحضاري والفكري، بمدى قدرة اللغة على تحقيقه، وما تقدمه من إمكانات للتكيف مع نظم ثقافية مختلفة".

وأعلن أبو الغيط عن إطلاق الأمانة العامة لجامعة الدول العربية شهر اللغة العربية ابتداء من يوم 21 فبراير المقبل المصادف لليوم العالمي للغة الأم وحتى 22 مارس 2022 الموافق تاريخ تأسيس جامعة الدول العربية، بالتعاون مع المجلس الدولي للغة العربية.

وتحدث أبو الغيط، عن الحضارة العربية في عصرها الذهبي، قائلاً: "منذ القرن الثامن الميلادي، ونحن نتحدث في الحقيقة عن شبكة واسعة من حدود المحيط الأطلسي، وحتى حدود الصين، التي احتضنت ثقافات شتى، وأدياناً وأعراقاً متنوعة، وكان العنصر الرئيسي فيها اللغة العربية".

وأشار إلى أن "اللغة العربية هي التي جعلت كلاً من الخوارزمي، وابن سينا، وابن رشد، جزءاً من عالم عقلي واحد ومشاركين في ثقافة واحدة تمثل اللغة العربية نواتها الأساسية، والرابط الجامع بين أوصالها".

وأضاف: إن "الشبكة الإنسانية التي نسجتها الحضارة العربية الإسلامية كانت أعظم منجزاتها وأهم اسهاماتها في مسار الحضارة البشرية كما نعرفها، إذ كانت تلك الشبكة مجالاً لتبادل السلع والبضائع من المحيط الهندي وبحر الصين، إلى البحر المتوسط، وكانت أيضاً فضاء لتلاقي الأفكار وتدفق المعلومات وإثراء الخبرات في كافة مناحي الحياة".

واستذكر أبو الغيط العصر الذهبي للثقافة العربية وهي الترجمة، قائلاً: إن "الترجمة كانت الرافعة المهمة للثقافة العربية، غير أنها لم تكتفِ بها بل أخذت بعد النقل تضيف ابداعاً ذاتياً، وبعد التعريب تُفرز منتجاً أصيلاً، إذ شهدنا نهضة غير مسبوقة في الآداب والعلوم والفنون على حدٍ سواء، وأنتجت العربية في كافة المجالات وأضافت للتراث الإنساني حتى في جانبه الفني، كما نرى مثلاً في التأثير العميق والممتد لقصص ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة والسندباد وغيرها".

ولفت إلى أن "اللغة العربية كانت الوسيط في الترجمة والنقل أو التأليف والابتكار، فلم تكن لغتنا قاصرة عن استيعاب ثقافة الآخر وهضم المنتج الحضاري القادم إليها من خارجها، بل كانت لغة علمٍ وأدب وفن في آنٍ معاً، وظلت اللغة العربية لوقتٍ طويل لغة العلوم التي نهل منها الغرب ليصنع نهضته في حركة ترجمة عكسية منذ القرن الثاني عشر".

وأضاء أبو الغيط على عصر اليقظة العربية، منذ القرن التاسع عشر، الذي عرف بعصر النهضة اللغوية، "حيث كانت الترجمة سبيلاً ضرورياً لبث الحيوية في لغتنا العربية، وتعزيز مكانتها كوسيط فعّال لنقل المنتج الحضاري، علماً كان أو أدباً أو فناً، من اللغات المختلفة".
وأشاد أبو الغيط بالمبادرات التي أطلقت لدعم الترجمة من وإلى العربية، وذكر منها مشروع "كلمة" لمركز أبوظبي للغة العربية، وجائزة خادم الحرمين الشريفين العالمية للترجمة، وبرنامج "ترجم" لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، وغيرها من المبادرات التي نفتخر بها ونتطلع إلى المزيد منها.

ورأى أنه من غير الممكن "الحديث عن نهضة جديدة للغة العربية دون معالجة مشكلة الإنتاج العلمي والإبداع والابتكار العربي، إذ يؤدي ضعف المحتوى العربي، على الوسائط المختلفة من الكتاب إلى الانترنت إلى وضع يكون فيه اتقان اللغات الأخرى البوابة الوحيدة المتاحة أمام الشباب للوقوف على آخر مستجدات المنتج الحضاري الإنساني، وبخاصة المنتج العلمي".

وأضاف: أن "اللغة العربية، لديها العديد من الإمكانات وسعة الألفاظ والاشتقاقات، ما يجعل منها لغة علمٍ بامتياز".
 واختتم كلمته قائلاً: إن "العربية بخير ما دام الناطقون بها مؤمنين بها وبإمكاناتها، وحافظين لتراثها ورسالتها ومقتنعين بأهمية تجديدها وتعزيز انفتاحها على الثقافة العالمية".

تحديات وحلول

من جانبه، تحدث الدكتور علي عبد الله موسى الأمين العام للمجلس الدولي للغة العربية، عن مواجهة لغة الضاد لحروب خارجية، بالإضافة إلى الكثير من التحديات على أيدي أبنائها، وأبرزها: تمرد بعض العقول والألسنة العربية عليها، وضعف القدرة اللغوية لدى الطلبة، وعدد من الهيئات التدريسية في تدريسها.

 ولمعالجة ذلك ودعا موسى إلى مواجهة التمرد على اللغة العربية بشجاعة وحكمة لوقف تحولها إلى مشاريع لتفكيك المجتمعات والدول العربية، وضرب وحدتها الوطنية،
كما شدد على ضرورة الاقتداء باللغات الاوروبية التي لا تسمح دولها بإضعافها او أقصائها بالرغم من وجود لغات متعددة فيها.

وحذر موسى من خطوة إقفال أقسام العربية في الجامعات العربية، بحجة عدم إقبال الطلاب عليها، نتيجة عدم معرفة المسؤولين بدورها ووظائفها ومسؤوليتها كلغة وطنية موحدة، وطالب وزراء الثقافة بدعم مسابقة "شهر العربية" بالإمكانات المادية والمعنوية، وإدراجها ضمن توصيات مؤتمر وزراء الثقافة في دورتك الثانية والعشرين، ‏ودعا إلى فتح فروع للجميع العربية في دول العالم أسوة بجامعتهم الموجودة في دولنا.

إرث تاريخي عميق

من جهتها، بدأت معالي نورة الكعبي وزيرة الثقافة والشباب كلمتها بعرض تجربة شخصية لها مع اللغة العربية، حيث نقلتها والدتها من مدرسة خاصة إلى أخرى حكومية في الصف الثالث الابتدائي لأنها كانت تكتب اللغة العربية من اليسار إلى اليمن بهدف تقويتها في اللغة، وتقدمت بالشكر لوالدتها على هذا القرار.

وتحدثت معالي نورة الكعبي، عن اللغة العربية تحمل إرث تاريخي عميق وباعتبارها عنصراً أساسيا في مسيرتنا نحو المستقبل، ووجودنا في إكسبو 2020 دبي للاحتفاء بلغة الضاد يعكس مدي اهتمامنا بلغتنا، لأنها جسر تواصل وتلاقي الثقافات مع من حولنا، ولطالما كانت دولة الامارات وجهة لتلاقي الثقافات ومنصة للفكر والمعرفة وحاضنة للإبداع والابتكار.

وقالت: "تولي دولة الإمارات اهتماماً كبيراً باللغة العربية وأطلقت العشرات من المبادرات الهادفة لدعم لغتنا ونشرها وتطوير كنوزها فكراً وعلماً على الصعيد المحلي والعالمي ومن ‏أبرزها تحدي القراءة وجائزة محمد بن راشد للغة العربية وتأسيس مركز أبوظبي للغة العربية و مجمع اللغة العربية في الشارقة".

وأضافت:" شهدنا قبل شهر ‏صدور الأجزاء الخمسة الأولى من المعجم التاريخي للغة العربية والذي جاء ثمرة جهده مستمرة الأربعين عاما من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، إضافة نوعية للمكتبة العربية يؤرخ للمرة الأولى في مفردات لغة الضاد وتحولات استخدمها عبر السبعة عشر قرنا الماضية، ودعت ‏الباحثين والعلماء إلى دراسته والاستفادة منه في مؤلفاتهم وأبحاثهم".

‏وخلصت إلى أن "لغتنا تواجه ‏اليوم العديد من التحديات ولكن الحلول دائما متاحة وتحتاج إلى تضافر الجهود من أجل استعادة اللغة العربية في مجالها وفي إطار التزام دولة الإمارات بالنهوض اللغة العربية وتعزيز مكانتها عالمية قمنا بالشراكة مع العديد من الجهات المتخصصة بإصدار تقرير حالة اللغة العربية ومستقبلها وذلك لرصد واقعها ‏والتحديات التي تواجهها، و بدورها تتولي وزارة الثقافة مناقشة ‏توصيات التقرير ونتائجه بالشراكة مع مركز أبوظبي للغة العربية، وقمة اللغة العربية التي انعقدت اليوم للمرة الأولى ‏لبحث سبل التعاون لإطلاق مشاريع جديدة في مجال اللغة العربية ودعمها، كما تناقش القمة أهم قضايا اللغة العربية بالموضوعات المختلفة مثل التعليم والسياسات الوطنية وعلاقة الشباب العرب بلغتهم والمحتوى الرقمي والعربية في العوالم الجديدة".

شكراً دولة الإمارات
بدوره، تقدم الدكتور محمد ولد أعمر، المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، بالشكر لدولة الإمارات قيادة وشعباً على حفاوة الاستقبال واتاحة الفرصة له لمشاركة العالم الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية.

وقال: ‏إن "الاحتفال باللغة العربية يتجدد سنوياً، ‏عندما أقرت اليونيسكو بأن يكون 18 ديسمبر من كل عام هو اليوم العالمي للغة العربية، ‏وذلك إقراره بما كانتهاء وخاصة أنها من أبرز اللغات العالم انتشارا وتداول بين ملايين البشر في أنحاء العالم، كما انها ‏مناسبة ‏تؤكد فيها اعتزازنا باللغة في ‏في بناء المعرفة ونشرها واستخدامها في ترسيخ قيم الجمال ومد جسور التعايش والتحاور بين الشعوب وعبر الأزمنة".

‏وأضاف: أن "اللغة العربية كانت على مدى قرون من الزمن لغة التواصل الحضاري والثقافي بها كانت الفلسفة والعلوم والفنون والأدب وبها أبدع علمائنا في استخدامها، كما ‏كانت لغة الاقتصاد والتجارة والمعاملات الإدارية والمالية وأحبها الكثيرون من غير أبنائها وأطلعوا على آدابها وفنونها وعلومها".