مايكل سكوت
تروي صورتان حديثتان تطورات الصراع على الصدارة بين الولايات المتحدة والصين في إحدى أكثر مناطق العالم ثراءً بالموارد. في كلتا الصورتين، يظهر الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في المقدمة والوسط، إلى جانب زعيم الدولة الأمريكية اللاتينية المستضيفة، بينما يتراجع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى الصفوف الخلفية في إحداهما، ويغيب تماماً عن الأخرى.
وعادة ما تقدم تفسيرات رسمية لمثل هذه المواقف. ففي الصورة الأولى، الملتقطة خلال قمة زعماء منطقة آسيا والمحيط الهادي (آبيك) في بيرو، اصطف القادة وفقاً للترتيب الأبجدي لأسماء بلدانهم.
مما وضع الصين في مقدمة الصف على حساب الولايات المتحدة الأمريكية التي يبدأ اسمها بحرف «يو». أما في الصورة الثانية، والتي التقطت على هامش قمة مجموعة العشرين هذا الأسبوع في ريو دي جانيرو، فأشار دبلوماسيون أمريكيون إلى أن الصورة الجماعية قد التقطت قبل وصول بايدن.
ومع ذلك، تنضح صور القمة بتعبيرات مجازية عن اكتساح الصين للولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية، وهي المنطقة التي اعتادت واشنطن الإشارة إليها باعتبارها ساحتها الخلفية.
وتعد منافسة القوى العظمى على المنطقة مهمة للغاية، بسبب وفرة الموارد على المحك، فأمريكا اللاتينية تختزن حوالي 57% من احتياطات الليثيوم العالمية، و37% من احتياطات النحاس، وقرابة خمس احتياطي النفط، علاوة على ثلث المحتوى العالمي من المياه العذبة والغابات.
وانطلاقاً من إدراكه للأهمية الكبيرة للمنطقة، أضاف الرئيس الصيني زيارة رسمية إلى بيرو لجدول أعماله خلال الأسبوع الماضي، فترأس وفداً ضم مئات من أصحاب الأعمال الصينيين ودشن المرحلة الأولى مما سيكون ميناءً عملاقاً في بيرو بقيمة 3.5 مليارات دولار، بهدف إحداث طفرة في مجال الشحن البحري من ساحل المحيط الهادئ لأمريكا اللاتينية إلى الصين.
في المقابل، كان كل ما قام به بايدن هو الإعلان عن تسليم الولايات المتحدة، بيرو 9 مروحيات من طراز «بلاك هوك» بقيمة 65 مليون دولار لغرض برنامج مكافحة المخدرات، وتبرع بلاده بقطارات مستعملة في كاليفورنيا إلى نظام مترو ليما.
وعلق مايكل شيفتر، الأستاذ المتفرغ بجامعة جورج تاون قائلاً: «كان تناقضاً صارخاً، فمن ناحية، هناك هذا المشروع الصيني الضخم لإنشاء ميناء استحضر تاريخ بيرو الذي يعود إلى الإنكا وسعيها إلى المجد.
في المقابل، لدينا ما قدمه بايدن وكان عبارة عن مزيد من المروحيات بهدف استئصال الكوكا. وهو أمر بدا عتيقاً وغير ذي معنى».
وشهدت البرازيل، أكبر اقتصاد في المنطقة، قصة مشابهة. فقد استقبلت برازيليا الرئيس الصيني، بحفاوة تامة في سياق زيارة رسمية بعد انقضاء قمة مجموعة العشرين، بينما كان بايدن في رحلته عائداً إلى بلاده.
وزار الزعيم الأمريكي غابات الأمازون في طريقه إلى ريو دي جانيرو وأعلن تبرع بلاده بقيمة 50 مليون دولار لصالح صندوق للحفاظ على البيئة، بينما يتوقع إعلان شي جين بينغ عن استثمارات صينية بمليارات الدولارات.
لذلك، فقد تضخمت تجارة الصين مع دول أمريكا اللاتينية على مدى العقدين المنصرمين، من 12 مليار دولار في عام 2000 إلى 450 مليار دولار في عام 2023. وتعد بكين حالياً الشريك التجاري الرئيسي لغالبية البلدان بالمنطقة، وتحظى بأسرع وتيرة لنمو للاستثمارات هناك.
وتبقى المكسيك، التي تتمتع بخصوصية في الوصول إلى السوق الأمريكية بموجب الاتفاقية بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، لذلك، فهي تعد الاستثناء في هذه المعادلة.
وصرفت بكين تركيزها خلال الأعوام الأخيرة إلى الاستثمار بقطاعات مهمة في أمريكا الجنوبية، مثل التنقيب عن المعادن الضرورية، وتوليد الكهرباء ونقلها، والبنية التحتية الرقمية ووسائل النقل.
وقالت مارغريت مايرز، الخبيرة في العلاقات بين الصين ودول أمريكا اللاتينية في مركز الحوار بين الأمريكتين البحثي في واشنطن، إن 60% من الاستثمارات الصينية في أمريكا اللاتينية تركز على قطاعات التكنولوجيا العالية التي تمثل أولوية لكلا الجانبين.
وأوضحت: «هناك اهتمام حقيقي بالعمل مع الصين، خصوصاً في مثل هذه المجالات من الاستثمارات».
وصرح ألكس كونتريراس، الذي عمل وزيراً لمالية بيرو عند بدء تشييد ميناء تشانكاي العملاق في البلاد، لصحيفة «فاينانشال تايمز»، بأن «أي استثمارات مرحب بها في منطقة تعاني عجزاً هائلاً في الاستثمارات». وأضاف: «إذا كان لزاماً عليك الاختيار بين عدم الاستثمار والاستثمارات الصينية، فستفضل دائماً الاستثمار الصيني».
ورغم تكرار إعراب الكثيرين في الولايات المتحدة عن القلق بشأن التوغل الصيني في أمريكا اللاتينية – ومن ذلك تحذير الجنرال لورا ريتشاردسون، القائدة الأمريكية السابقة للقوات التي تغطي المنطقة، من أن الاستثمارات الصينية «على بُعد 20 ياردة من حدودنا» - إلا أن استجابة واشنطن ظلت مخيبة للآمال.
وذكر مايكل شيفتر أن الشراكة للدول الأمريكية من أجل الازدهار الاقتصادي، وهي المبادرة التي روج لها بايدن باعتبارها رداً على مساعي بكين، كانت «مصصمة بصورة جيدة للغاية لكن مثل هذه المبادرات لا تفيد بشيء لأن الأمر يتعلق بالالتزام بتكريس موارد حقيقية».
ويبدو من المرجح أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ستمنح الصين دوراً أكثر هيمنة في المشهد الاقتصادي للمنطقة. ولا يعتقد ماتياس سبيكتور، مؤسس «مؤسسة جيتوليو فارغاس» في ساو باولو، بوجود احتمالات كبيرة لتعزيز ترامب التجارة والاستثمارات في المنطقة خلال فترته الثانية.
وقال: «من المتصور أن ترامب سيسلك الاتجاه المعاكس»، ودفع بحجة أن الخطاب المتشدد من شأنه مراكمة الضغوط على دول أمريكا اللاتينية لكبح التواجد الصيني، في الوقت الذي سيكون فيه لدى الصين مبررات لتعزيز تواجدها في المنطقة، مما سيسفر عن انقسام عميق في السياسات المحلية بالمنطقة. وأضاف: «سيكون ذلك أسوأ سيناريو عالمي محتمل».