البحث يتواصل عن بدائل إحصائية أكثر دقة من المؤشرات التقليدية

كريس جايلز
في الوقت الذي كانت فيه أوروبا ترتجف من شدة البرد وارتفاع تكاليف الطاقة في شتاء 2022-2023، كانت بريطانيا تشهد أخباراً سارة تشير إلى زيادة صافي الدخل الشامل للفرد.

ليس ذلك فحسب، بل إن الادعاءات المتعلقة بتدهور الخدمات العامة غير صحيحة، فقد شهدت جودة الخدمات العامة تحسناً ملحوظاً.

فمنذ عام 2005، لم تتجاوز نسبة التغير في المقياس الشامل لرأس المال (الثروة الوطنية التي تشمل رأس المال البشري والطبيعي والثابت) 2.1% مقارنة بمستواه في 2005، على الرغم من الأزمات المالية العالمية وفترات التقشف والجائحة.

إذا كنت تعتقد أن هذه الإحصاءات تفتقر إلى المنطق أو الأهمية أو حتى محض هراء، فلا توجه اللوم إليّ أو إلى مكتب الإحصاء الوطني في المملكة المتحدة، الذي نشر هذه البيانات الرسمية هذا الشهر.

فالمسؤولية تقع على عاتق من يروجون لفكرة التخلي عن المؤشرات التقليدية مثل الناتج المحلي الإجمالي، ومحاولة إصلاح عيوبه التي طال الحديث عنها.

ومنذ أن وجّه روبرت كينيدي الأب في عام 1968 انتقاداً للناتج المحلي الإجمالي بقوله: «إنه يقيس كل شيء... باستثناء ما يجعل الحياة جديرة بالعيش»، بدأ الإحصائيون في البحث عن طرق لابتكار مؤشرات أكثر شمولية تعكس بدقة أكبر رفاهية الأفراد.

وتشمل هذه المؤشرات نتائج الأسواق المادية، وجودة الخدمات العامة، والأعمال المنزلية غير مدفوعة الأجر، ومستويات التلوث، والأنظمة البيئية والثقافية، والملكية الفكرية، وتأثير انبعاثات الغازات الدفيئة على الغلاف الجوي.

ويعتقد المؤيدون لهذه الفكرة أنها ستُجبر السياسيين على تبني الأولويات الصحيحة والعمل على بناء مجتمع أفضل.

حسناً، في المملكة المتحدة، ظهرت النتائج بالفعل، وكانت مربكة إلى حد كبير، فقد حاول مكتب الإحصاء الوطني قياس هذه الجوانب جميعها، ومنحها قيماً مالية، وابتكار مؤشرات جديدة مثل الدخل الشامل الإجمالي والصافي، ورأس المال الشامل.

وفي بيان يتضمن أرقاماً تبدو عشوائية، أشبه بما يُعرض في برنامج مسابقات الرياضيات «نمبر وانج»، أوضح المكتب كيف ارتفعت بعض المؤشرات، وانخفضت أخرى، بينما بقيت بعض المؤشرات (مثل رأس المال الشامل) دون تغيير. وبالنظر في التفاصيل، تبرز أمور مثل التحسن المزعوم في جودة الخدمات العامة بشكل سنوي بين عامي 2005 و2020.

شخصياً، لا أجد ما يستدعي انتقاد مكتب الإحصاء الوطني أو محاولته القيام بهذا العمل، فالمهمة معقدة وشاقة، وتتطلب قرارات تبدو أحياناً عشوائية لتحديد وزن السلع غير السوقية داخل حسابات الثروة والدخل الشاملة.

ومن الجدير بالذكر أن المقاييس الحالية للدخل والثروة الوطنية تحتوي بالفعل على قدر كبير من البيانات المقدرة التي قد يصعب تفسيرها.

وفعلياً، تكمن المشكلة في أولئك الذين يعتقدون أن العالم سيتغير، وأن أولوياتهم الخاصة ستصبح أولويات وطنية، بمجرد التخلي عن الناتج المحلي الإجمالي واعتماد مقياس آخر بديل. وتتمثل الأولوية الكبرى للوكالات الإحصائية الوطنية في تقديم أرقام دقيقة، وملموسة، وسهلة الفهم.

وهذا يجعل الناتج المحلي الإجمالي، ومقاييس النشاط الاقتصادي المدفوع الأخرى، أدوات أساسية لتحديد كيفية تدفق الأموال، والموارد المتاحة للاستهلاك والاستثمار من قبل الأسر والحكومة.

ويعني هذا أيضاً الحفاظ على جودة البيانات الإحصائية لتجنب تدهورها إلى درجة تُفقد فيها الثقة، كما حدث مع بعض بيانات سوق العمل في المملكة المتحدة.

بالإضافة إلى ذلك، يجب بذل مزيد من الجهود لقياس وفهم قضايا مثل التلوث، والقيمة الثقافية، وجودة الخدمات العامة، والشعور بالعزلة، والأعمال المنزلية غير المدفوعة، وغيرها من الجوانب المؤثرة في حياتنا.

وينظر إلى مسألة إعطاء الأولوية لتقدير قيم كل هذه العناصر وإنشاء مؤشر شامل لكل شيء، على أنها أقل أهمية بكثير. فمثل هذا النهج غالباً ما يؤدي إلى خلق مؤشر لا يعبر عن شيء، أو إحصائيات معقدة يصعب فهمها، مما يجعلها عديمة الجدوى تقريباً. وفي نهاية الأمر، ليست مهمة الوكالات الإحصائية الوطنية أن تزن الخير والشر في المجتمع، فذلك الدور يقع على عاتق الديمقراطية.