لماذا لا يراهن كثيرون على فكرة «الوظائف الخضراء»؟

سارة أوكونور
في الصيف الماضي، سافرت عبر غابات الصنوبر في شمال السويد إلى بلدة تدعى «سكيليفتيا» على أطراف الدائرة القطبية الشمالية. وقد تمكنت من حجز آخر غرفة متاحة في فندق بسيط يقع بجانب طريق مزدحم، وكان سعرها لليلة الواحدة أعلى من سعر غرفة في فندق فاخر في وسط ستوكهولم.

أخبرني موظف الاستقبال أن سكيليفتيا تعج بالناس، بفضل شركة «نورثفولت» التي تصنع بطاريات السيارات الكهربائية، التي حولت المدينة من مكان يعتبر «منسياً» إلى «مدينة مزدهرة» تقريباً بين عشية وضحاها.

وعندما تقدمت «نورثفولت» أخيراً بطلب للإفلاس، لم تكن هذه مجرد ضربة لآمال أوروبا في تطوير سلسلة إمداد محلية لبطاريات السيارات الكهربائية، بل كانت أيضاً ضربة للرواية المفضلة لدى العديد من السياسيين بأن الطريق للوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية سيكون مفروشاً بوظائف «خضراء» آمنة في الأماكن التي تحتاج إليها.

في الحقيقة، لم يجد الجمهور هذه الرواية مقنعة كما كان السياسيون يعتقدون؛ فقد اختبر ستيف آكهيرست، من شركة «بيرسويشن» البريطانية، فعالية الرسائل السياسية، عدداً من الحجج «الوظائف الخضراء» كوسيلة للترويج للعمل المناخي، فوجد أنها فشلت جميعاً في جذب الجمهور.

من ناحية أخرى، يبدو أن السياسيين يفضلون هذه الحجج، حيث قال آكهيرست: «تعمل هذه الحجج بشكل جيد جداً مع النخب.

إذا أجريت استطلاعاً لآراء أعضاء البرلمان، خاصة أعضاء البرلمان من حزب العمال، فإن أفضل حجة هي الوظائف. أما عندما تجري استطلاعاً للجمهور، فإنها تكون في منتصف القائمة في أفضل الأحوال».

وما قاله آكهيرست ليس سخرية بريطانية، فعندما قامت شركة بوتينشل إنرجي، وهي شركة تسويق غير ربحية عالمية تركز على المناخ، باستطلاع آراء 60 ألف شخص في 23 دولة.

وجدت أن الحجة المباشرة حول «حماية كوكب الأرض للأجيال القادمة» كانت في المتوسط أكثر شعبية بمقدار 12 مرة في المتوسط مقارنة بحجة «خلق فرص العمل».

ما السبب في ذلك؟ السياق يلعب دوراً مهماً. كانت مستويات التوظيف مرتفعة جداً في معظم دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في السنوات الأخيرة، لذا فإن «المزيد من الوظائف» ليس مهماً في الوقت الحالي.

وفي الولايات المتحدة، حيث نجحت إدارة بايدن في تحفيز نمو الوظائف الخضراء، التي تم تركيزها بذكاء (أو هكذا كانت إدارته تعتقد) في المناطق التي يهيمن عليها الجمهوريون، لم تجنِ الإدارة المكاسب السياسية المتوقعة.

كان من الأسباب الرئيسية لذلك أن قضايا أخرى، مثل التضخم والهجرة، كانت أكثر إلحاحاً. بالطبع، هناك مجتمعات تشهد معدلات بطالة مرتفعة، لكن العديد منها، بحكم الواقع، يشكك في وعود السياسيين بتوفير وظائف جديدة، لأنهم شعروا بخيبة أمل من قبل.

كما أظهرت تجربة شركة نورثفولت، فإنه من الصعب إقامة مصانع ضخمة من الصفر في مناطق كانت تعاني من التدهور سابقاً. وهذه المشاريع ليست محصنة ضد المشاكل، مثل سوء الإدارة المتغطرسة أو معايير السلامة والصحة السيئة لمجرد أنها «وظائف خضراء».

وفي مثال نادر على الكفاءة البريطانية، وفرت شركة بريتيشفولت، النسخة البريطانية من «نورثفولت»، الوقت على الجميع من خلال إعلان إفلاسها قبل أن يتم بناؤها أصلاً.

وإذا لم يكن للوظائف «الخضراء» الكثير من التأثير في الجمهور، فهل يعني ذلك أن فقدان الوظائف «البنية» سيقابل بالتجاهل أيضاً؟ ربما! لكن الناس يميلون إلى الخوف من الخسائر أكثر من تقديرهم للمكاسب، وبعض المجتمعات لديها الكثير لتخسره.

في المتوسط، يواجه العمال الذين يفقدون وظائفهم في الصناعات عالية الانبعاثات في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية انخفاضاً في دخلهم السنوي بنسبة 24% خلال السنوات الست التي تلي فقدان وظائفهم، مقارنة بمن يفقدون وظائفهم في الصناعات منخفضة الانبعاثات.

وتظهر بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن الصناعات عالية الانبعاثات تتركز بشكل كبير في مناطق معينة، غالباً ما تكون ريفية، في حين أن أسرع الوظائف نمواً المدعومة بالتحول إلى الحياد الكربوني هي «وظائف كثيفة المهارات وتقع أساساً في المناطق الحضرية».

وتبدو الخطط التكنوقراطية لإعادة تدريب الأشخاص وانتقالهم من الصناعات «البنية» إلى الصناعات «الخضراء» جيدة على الورق، لكنها قد تنهار عندما يحين وقت الالتزام بالتمويل والضمانات.

وعلى سبيل المثال، الشهر الماضي، انسحبت صناعة الغاز الأوروبية من خطط تنفيذ اتفاق «الانتقال العادل» مع النقابات الذي كان يتضمن إعادة تدريب للعمال في قطاع الطاقة.

لا أعني أن أنصح باليأس، فالوظائف «الخضراء» ليست سراباً، حيث يتم إيجادها بعشرات الآلاف، وليس من المستحيل إدارة الانتقال بطريقة تقلل الخسائر وتزيد المكاسب، ولكن هذا يتطلب تركيزاً عملياً على الممكن، وعيناً حادة على الأماكن الجغرافية.

وقد أخبرني سام ألفيس، مدير الطاقة في وكالة الأبحاث السياسية البريطانية «ببلك فيرست»، أن قرار حكومة حزب العمال في المملكة المتحدة بإطلاق تقنية التقاط وتخزين واستخدام الكربون كان مثالاً جيداً.

فالتقنية، التي تلتقط وتخزن الكربون الذي ينبعث من مواقع مثل محطات الطاقة أو مصانع الأسمنت، ستخلق تجمعات من الوظائف في المجتمعات التي لا تزال تهيمن عليها الصناعة مثل منطقة «تيزايد»، كما ستسمح أيضاً باستمرار وجود المزيد من الوظائف الصناعية.

إن التحولات صعبة، لكن الجمهور يعرف ذلك بالفعل، لذلك فقد حان الوقت للسياسيين لترك البيانات الصحافية المتفائلة غير الواقعية والبدء في العمل الجاد.