شبح قاتم يلوح في أفق العملات المشفرة

جيميما كيلي

هل تتذكرون عندما كانت العملات المشفرة خاضعة لتنظيم صارم ومضنٍ، وخضعت لتدقيق مشدد من قبل السلطات، حينها انهار السوق بأكمله بشكل مذهل لتسقط منصات العملات المشفرة الخاضعة للتنظيم الصارم الواحدة تلو الأخرى في غياهب النسيان؟

الأمر ليس بهذه الطريقة تماماً، أليس كذلك؟ في المرة الأخيرة التي انهارت فيها سوق العملات المشفرة، في عامي 2021 و2022، لم يكن الأمر يتعلق بخضوع الصناعة لسيطرة صارمة من قبل الجهات التنظيمية، بل على العكس. كان ذلك على وجه التحديد بسبب الافتقار إلى الرقابة التنظيمية في ما يسمى «فضاء العملات المشفرة» الذي اعتقد بارونات عالم العملات المشفرة أنهم يحق لهم العبث بأموال الآخرين كما لو كانوا يلعبون «المونوبولي».

كانت الفجوات الضخمة في القواعد المتعلقة بالمخاطرة والرافعة المالية والشفافية هي التي تم استغلالها والتي انتهى بها الأمر إلى انهيار العديد من مشاريع العملات المشفرة حيث انقلبت السوق ضدها.

وكان الافتقار إلى حماية المستهلك - وفهم المخاطر التي تنطوي عليها - هو الذي قاد العديد من المستثمرين الأفراد إلى خسارة مدخرات حياتهم (أما معظم أباطرة العملات المشفرة فكانوا آمنين، بالطبع، لأنهم كانوا يعرفون أنه من الأفضل عدم وضع كل أموالهم في العملات المشفرة).

ولكن الفكرة القائلة إن ما نحتاج إليه هو تنظيم أقل، وأن العملات المشفرة عوملت بشكل غير عادل، وأنه ينبغي ببساطة قبولها كجزء غير ضار من النظام المالي، فهي التي يتم الدفع بها الآن بقوة من قبل صناعة العملات المشفرة وأتباعها.

«ألغوا مكتب حماية المستهلك المالي، فهناك الكثير من الهيئات التنظيمية المكررة»، هكذا، كتب إيلون ماسك - وهو رجل مؤلم للغاية على الإنترنت لدرجة أن يفكر في «حذف» وكالة حكومية. وهنا ماسك يشير إلى هيئة الرقابة الأمريكية التي تسعى إلى حماية الأمريكيين من ذلك النوع من السلوك المفترس الذي أدى إلى الانهيار الأخير للعملات المشفرة.

ولم يكن من المستغرب أن يكون عالم العملات المشفرة في حالة من النشوة منذ فوز دونالد ترامب في الانتخابات، فبعد أن ندد ذات يوم بعالم العملات المشفرة باعتباره «عملية احتيال»، عاد وقدم نفسه لاحقاً باعتباره «رئيس العملات المشفرة» ووعد بجعل أمريكا «عاصمة العملات المشفرة على هذا الكوكب». لذلك، ارتفعت أسعار العملات المشفرة بشكل حاد على خلفية التوقعات بفوز ترامب، ثم ارتفعت أكثر عندما تأكد فوزه.

والمحصلة أن البيتكوين قفزت بنحو الثلثين منذ الانتخابات، لتبلغ أعلى مستوياتها على الإطلاق عند حدود 100 ألف دولار. وبلغت القيمة السوقية المقدرة لجميع العملات المشفرة ــ وهو مقياس مشكوك فيه ولكنه الوحيد المتاح للأسف ــ أكثر من تريليون دولار.

كذلك، تفوقت العملة المفضلة لدى ماسك، وهي الدوجكوين، على البيتكوين من حيث المكاسب، حيث ارتفعت بنسبة 150 % منذ الانتخابات. لماذا؟ لأن دوجكوين هو اختصار لـ«وزارة كفاءة الحكومة» الجديدة التي من المقرر أن يرأسها ماسك. هل هذا مضحك تماماً أم قاتم للغاية؟ أعتقد أن الأمر يعتمد على مدى حس الفكاهة لديك.

ويبدو أن ترامب سيفي بوعوده لعالم العملات المشفرة، فإنفاق أكثر من 100 مليون دولار من جانب جماعات الضغط في مجال العملات المشفرة على الانتخابات الأمريكية – وهو ما شكل ما يقرب من نصف إجمالي الإنفاق المؤسسي - آتى ثماره بشكل كبير.

وأشير أخيراً إلى أن ترامب يستشير صناعة العملات المشفرة بشأن من يجب أن يعينه كرئيس جديد لهيئة الأوراق المالية والبورصة. (قال الرئيس الحالي، جاري جينسلر، الناقد للعملات المشفرة، إنه سيتنحى، بعد أن قال ترامب في مؤتمر بيتكوين إنه سيطرده في اليوم الأول من رئاسته).

وبصرف النظر عن الدعم الهائل الذي يقدمه له عمالقة المليارديرات في صناعة العملات المشفرة، فإن ترامب لديه مصالح مالية شخصية في العملات المشفرة أيضاً، مثل مشروع أبنائه «ورلد ليبرتي فاينانشال».

لا ينبغي لأي من هذا أن يدفعنا إلى الاعتقاد بالتزام ترامب الشديد بالوفاء بوعوده. ولكن ينبغي أن يقلقنا كثيراً. وكنت قد ابتعدت عن الحديث عن العملات المشفرة باعتبارها «خطراً نظامياً» في الماضي لأنها كانت صغيرة نسبياً ومنفصلة عن بقية النظام المالي. لكن هذا يتغير الآن.

وبعد موافقة لجنة الأوراق المالية والبورصات على صناديق تداول البيتكوين في البورصة في وقت سابق من هذا العام، أصبحت العملات المشفرة مرتبطة بشكل أوثق ببقية النظام المالي. والأرقام هائلة: فقد اجتذب صندوق تداول البيتكوين الذي أطلقته شركة بلاك روك أخيراً 48 مليار دولار.

ويشعر مارتن ووكر، زميل الأبحاث الفخري في كلية وارويك للأعمال وناقد العملات المشفرة منذ فترة طويلة، بالقلق من عدم قدرة الجهات التنظيمية على مواكبة ذلك. وقال لي: «هناك شيء واحد يعلمنا إياه التاريخ عن الأزمات المالية، وهو أن المخاطر تتراكم دائماً ثم تنفجر في مناطق لا يبدو أن الجهات التنظيمية تتوقعها أبداً.

وخطوط الصدع في النظام المالي ليست واضحة دائماً... وقد أصبح التمويل بالعملات المشفرة ضخماً للغاية الآن، ومن المؤكد أن هناك مخاطر كلية... خطيرة وغير مفهومة إلى حد كبير». ومن عجيب المفارقات أن أولئك الذين يدفعون نحو تحرير العملات المشفرة هم الأكثر احتمالاً لإحداث انهيارها التالي. ولكن في المرة المقبلة، قد لا تكون العملات المشفرة هي الوحيدة التي تتعرض للاحتراق.