مارتن ساندبو
يتحتم على القادة اتخاذ إجراءات طويلة المدى بشأن السياسة الصناعية والمالية والنقدية ودعم أوكرانيا
يواجه الاتحاد الأوروبي صعوبة في الالتزام. ففي حين يظهر الاتحاد قوته وتماسكه في أوقات الأزمات - وكما قال جون مونيه، «تتشكل أوروبا في أتون الأزمات» - إلا أن الاتحاد يميل إلى اتباع نهج سلبي في القضايا طويلة المدى. ويتجلى ذلك في شغفه بوضع قيود قانونية تحد من قدرته على المناورة، مثل القواعد المالية الجديدة التي تهدف إلى توحيد الموازنة في وقت يحتاج فيه الاتحاد إلى استثمارات عامة جديدة هائلة.
وفيما يتعلق بتحديد أهداف إيجابية طويلة المدى والسعي الجاد لتحقيقها، لا تبدو أوروبا بارعة في ذلك. من هنا، يصعب تخيل تنفيذ مشروع ضخم مثل برنامج أبوللو في الاتحاد الأوروبي. ويبدو أن هيكل اتخاذ القرار في الاتحاد، وتكوّنه من دول متعددة ذات مصالح متباينة، يجعل التكتل متردداً في تبني التزامات طويلة الأمد. لكن تكلفة هذا الخوف من الالتزام تتزايد يوماً بعد يوم. وفي ضوء التحديات التحويلية واسعة النطاق، والتي تتراوح ما بين إزالة الكربون والدفاع والإنتاجية وإصلاحات الابتكار، يحتاج القطاعان العام والخاص إلى معرفة الاتجاه الذي تصير إليه الأمور ووتيرة التغيير الطارئ بحيث يتمكنان من اتخاذ القرارات طويلة المدى وفق ذلك.
وفي روما، انضمت الحكومة إلى التحركات الألمانية المعارضة لحظر الاتحاد الأوروبي المفروض على الانبعاثات من السيارات الجديدة اعتباراً من عام 2035. تأتي هذه التحركات رغم تحذيرات «ستيلانتيس»، وهي المجموعة التي تهيمن على تصنيع السيارات الإيطالية، من أن إرجاء التحوّل نحو المركبات الكهربائية سوف يضر بربحية شركات تصنيع السيارات، لأن التأخير سيطيل الأمد الذي سيتعين فيه على هذه الشركات ضخ استثمارات في تقنيات موازية.
ولا عجب أن المستهلكين يترددون في التغيير، خاصة أن الحكومات تفتقر إلى القناعة بهدفها الظاهري، ناهيك عن السياسات الداعمة له. والنتيجة هي تأخر الطلب، وازدياد التحديات التي تواجه قطاع السيارات، وكذلك القطاعات المرتبطة، مثل مصنعي البطاريات الناشئين المحليين في أوروبا.
وبعبارة أخرى، فإن الخوف من الالتزام يقوّض الثقة في مستقبل الطلب على السلع الجديدة والخدمات التي تأمل أوروبا في إنتاجهم. وكان مما جعل قانونيّ الرقائق الإلكترونية والحد من التضخم في الولايات المتحدة فعالين في تعزيز بناء المصانع هو خلق واشنطن للتوقعات بأنهما سيسفران عن أسواق مربحة.
لذا، فإن كان القادة الأوروبيين جادين بشأن ما يدّعون بأنهم يرغبون فيه، فإنهم بحاجة إلى أن إظهار الرغبة في إثبات جديتهم في هذا الصدد. فعلى صعيد السياسة الصناعية، يعني هذا اتخاذ إجراءات تهدف إلى خلق أسواق بحجم كاف في القطاعات التي يتفق القادة على ضرورة سعتها الإنتاجية المحلية. وبالنسبة للسياسة المالية، يعني ذلك التفاوض على مقدار الاستثمارات العامة في السلع العامة الأوروبية في موازنة الاتحاد الأوروبي التالية لمدة سبعة أعوام، سواء كانت مُموّلة عن طريق مزيد من الاقتراض المُشترك، أو ضخ إسهامات أكبر، أو من خلال الموازنات الوطنية.
وبالنسبة لأوكرانيا، يجب ضمان توفير التمويل اللازم لعدة أعوام بشكل عاجل. كما ينبغي العمل على تخصيص احتياطات المصرف المركزي الروسي المُجمّدة كتعويضات لأوكرانيا. ويجب بذل المزيد من الجهود ليكون الاتحاد الأوروبي مستعداً لانضمام أوكرانيا في المستقبل.
وفيما يخص السياسة النقدية، فقد حان الوقت لتسليط الضوء بصورة أكبر على المسار التنازلي لأسعار الفائدة لكي تتمكن الشركات والأسر من الالتزام بنفقات طويلة المدى وبثقة. وقد قال فابيو بانيتا، محافظ المركزي الإيطالي: «نحتاج إلى أن نكون أكثر قابلية للتوقع». وفي كلمة ألقاها مؤخراً، حذّر بانيتا من خطر «الاعتماد على البيانات»، إذ يُنظر إلى المصارف المركزية، وكذلك صانعي السياسات الذين يحددون قراراتهم بناء عليها، بأنهم يغالون في ردود أفعالهم إزاء المُستجدات قصيرة المدى ولا يركزون بما يكفي على الأمور الأطول أجلاً.
وكان بانيتا محقاً في دعوته إلى «توجيهات اتجاهية» فيما يتعلق باحتمالية استمرار انخفاض تكاليف التمويل في الوقت الراهن. ومن وجهة نظري، يتوجب على المصرف المركزي الأوروبي الذهاب إلى ما هو أبعد والنظر في إجراء عمليات مُستهدفة للاستثمارات الخضراء. من شأن هذا ترسيخ الثقة، حتى لو كانت السياسة النقدية بحاجة إلى أن تكون أكثر تشدداً للاقتصاد بصفة عامة، إلا أن تمويل الاستثمارات التي أفاد الساسة المُنتخبون بأنها ضرورية سيكون أكثر يسراً.
ولأنه يجب علينا إعطاء كل ذي حق حقه، فإنه لا بد من الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي يحقق النتائج المرجوة في الكثير من طموحاته. فعلى صعيد السياسة المناخية، انخفضت الانبعاثات الكربونية للتكتّل بنسبة مذهلة قدرها 8 % خلال عام 2023. لكن الدليل على قدرة الاتحاد الأوروبي على تحديد أهداف وتحقيقها يعود إلى جيل مضى.
وكانت السوق المُوحدة أطلقت بعد سبعة أعوام من توقيع القانون الأوروبي الواحد في عام 1986. وصار اليورو واقعاً في غضون عقد من صدور تقرير ديلور بشأن الاتحاد النقدي. واستغرق بدء مفاوضات العضوية مع الدول الشيوعية السابقة في عام 1994 وانضمام الدول الثماني الأولى في عام 2004 أي في غضون عشرة أعوام فقط.
صحيح أن الاتحاد الأوروبي كان أصغر حجماً حينها، وكانت الدول الأعضاء تثق في بعضها بعضاً. لكن الطريق ممهد لتشكّل «تحالفات الراغبين» مستقبلاً. كما أن الثقة تُعد شكلاً من أشكال الالتزام. وتنطبق المقولة المنسوبة إلى بنيامين فرانكلين على دول الاتحاد الأوروبي اليوم: عليهم التكاتف معاً وإلا سيواجهون مصائرهم منفردين. لذلك، القرار بيد هذه الدول الأعضاء.