ليو لويس
مثّل إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية، الذي استمر ست ساعات، صدمة للجميع، داخل البلاد وخارجها، ولم يكن في الحسبان حتى لأكثر المراقبين خبرة. ففي الوقت الذي كان فيه الرئيس يون سوك يول يقدم على هذه الخطوة المتهورة، التي يبدو أنها ستسقطه، كان أكاديميون مرموقون ودبلوماسيون بارزون وضباط من كوريا الجنوبية وحلفائها يعقدون اجتماعاً في سيول لمناقشة الأوضاع الجيوسياسية. وقد أكد أحد المشاركين في هذا الاجتماع أنه لم يخطر ببال أي منهم أنه سيتم فرض الأحكام العرفية في البلاد بحلول نهاية ذلك اليوم.
إلا أن هناك علامات بارزة على وجهي كروت اللعبة الآن، فأحد الوجهين يحمل صعود الصين، والآخر عودة ترامب، وبطريقة تجعل الأمور تنحرف تحديداً نحو غير المتوقع. وربما تكون بعض الحوادث الفردية صادمة، لكن ينبغي التعامل مع الأمر على أنه حقيقة دائمة ومستمرة، وينطبق ذلك بطريقة خاصة على كوريا الجنوبية، مع العلم بأن العوامل التي تقف وراء ما حدث وتأثيراته السياسية، التي لم يتم قياسها بعد، سيتردد صداها في المنطقة وعبر العالم.
وفي واقع الأمر، فإن الصدمة الناجمة عن قرار يون إنما تصب في صالح كوريا الجنوبية، وينطبق ذلك أيضاً على السرعة التي أجبرته بها العملية الديمقراطية (عن طريق التصويت في البرلمان) على التراجع عن قراره. وخلال أكثر من أربعين عاماً، منذ أن فرضت الأحكام العرفية في البلاد للمرة الأخيرة، برز الاقتصاد الكوري الجنوبي باعتباره مثلاً نادراً، إذ ترقى رسمياً إلى درجة اقتصاد متقدم عام 2021.
ونتج عن هذا التقدم شركات عالمية شديدة التنافسية في مجالات نمو مهمة. ومن المقرر انضمام السندات السيادية الكورية الجنوبية إلى مؤشر «فوتسي راسل وورلد جفرنمنت بوند» اعتباراً من نوفمبر 2025. كما اعتبر انخفاض مؤشر «كوسبي» الكوري في تداولات الأربعاء بنسبة 1.44% تحركاً معتدلاً، بحسب مديري صناديق، لأن الحدث كان بمثابة فرصة لشراء أسهم ذات قيمة كبيرة، أو على الأقل في هذه الأوقات.
لكن كوريا أيضاً مثال قوي على تأثير المحصلة الصفرية لصعود الصين في كثير من الأحيان، وقدرتها على زعزعة المسلمات القديمة بقوة وبسرعة. لكن جنون العملية الديمقراطية التي أوصلت شخصاً من خارج المنظومة مثل يون إلى السلطة في المقام الأول، هو نتاج لزيادة اليأس العام من عجز السياسة عن حل المشكلات الكبرى، والصين من بين الأسباب التي تجعل كثيراً من هذه المشكلات تبدو مستعصية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تمثل الشركات الصينية وتقدمها المستمر في سلسلة القيمة تحدياً كبيراً في قطاعات حيوية مثل أشباه الموصلات، والأجهزة الكهربائية، والإلكترونيات الاستهلاكية، وصناعة السيارات. ورغم أن هذا التحدي يواجه الجميع، إلا أنه يشكل ضغطاً أكبر على كوريا الجنوبية، نظراً لاعتمادها الكبير على هذه القطاعات التي أسهمت بشكل رئيسي في تحقيق نهضتها الصناعية.
لذا، فإن المسار الجغرافي ـ الاقتصادي الذي يتحتم على كوريا الجنوبية السير فيه، والذي تبدو فيه الشركات التي تعد أيقونات التنافسية مثل «سامسونج» ضعيفة، هو طريق محفوف بالمخاطر. وكوريا، مثلها مثل اليابان، كانت مستفيدة للغاية من النظام العالمي القديم الداعم للعولمة. أما الآن، فقد تكون مجبرة ليس فقط على اختيار جانب دون الآخر، وإنما أيضاً إدراك أن أفضل آمالها يتوقف على تبني الولايات المتحدة موقفاً عدائياً للغاية تجاه الواردات الصينية.
ومن حيث الجانبين الجيوسياسي والأمني، فإن صعود الصين وردود الأفعال الأمريكية الصارمة بصورة متزايدة تجاهه يضعان كوريا الجنوبية في موقف صعب. ويزداد الانقسام المجتمعي عمقاً بين الذين يقربون البلاد من واشنطن وحلفائها، وأولئك الذين يفضّلون موقفاً أكثر مرونة. وتحوم حول ذلك كله مخاوف تشمل التورط في أي نزاع قد ينشب بشأن تايوان. وهناك قلق من أن نشر جنود مؤخراً من كوريا الشمالية في روسيا ينذر بإعادة حسابات التعاون بين موسكو وبيونغ يانغ، وربما بكين في نهاية المطاف.
وفي الوقت الراهن، يحوم فوق كافة هذه التشابكات الجيوسياسية والاقتصادية سؤال لا إجابة له، يتعلق بكيفية تحديد رئاسة ترامب لمسار كوريا في خضم كل هذه الأمور. وإذا تحقق التفسير الأكثر تشاؤماً والمتعلق بـ«أمريكا أولاً»، فسيسفر ذلك عن أن يصبح اليقين القديم بشأن الدعم الأمريكي هشاً.
إن افتقاد يون إلى الخبرة السياسية وصعوده إلى سدة الحكم من خارج الدائرة السياسية، التي كثر انتقادها، كان سبب فوزه، وربما كان أيضاً السبب وراء اعتقاده أن فرض الأحكام العرفية يعد خياراً مطروحاً. ورغم عدم الاستقرار السياسي الذي تسببت فيه كوريا الجنوبية لنفسها، إلا أن هذا مثال على دولة متقدمة تمر بوقت عصيب على نطاق واسع. ويعد بروز الصين واحداً فقط من عوامل عدة وراء ذلك، لكنه عامل ثابت لا تطيق كوريا الجنوبية التصادم معه، لا سيما أن الأزمات المحلية مثل السن والخصوبة تتطلب كثيراً من الاهتمام.
لقد كانت مقامرة يون وكأنها ظرف جوي قاسٍ، لكن التغير المناخي الأوسع نطاقاً هو ما يجب أن يثير الكثير من القلق.