لي هاريس
تمحورت فترة الإدارة الأولى لرئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، حول السياسات المناخية؛ حيث أصدرت سلسلة لوائح بيئية للشركات، ومجموعة من تدابير الدعم المالي للاستثمار في الاقتصاد منخفض الكربون. إلا أنه مع بداية ولايتها الثانية، أصبحت أجندتها الصناعية الخضراء محل نقاش كبير، ما قد يؤثر على المستثمرين والشركات داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه.
ومنذ انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو، التي شهدت تأرجحاً للناخبين نحو اليمين، تعهدت فون دير لاين بإعادة تعزيز القدرة التنافسية للقطاع الصناعي وتقليص البيروقراطية، التي يقول منتقدون إنها تقيد الاقتصاد الأوروبي. وفي وقت سابق من الشهر الجاري، دعت الدول الأعضاء إلى «ثورة تبسيط»، لتخفيف الأعباء التنظيمية، كما أصبحت قواعد تقارير الاستدامة للشركات هدفاً كبيراً. ويصر أعضاء المفوضية الجديدة على أن إزالة الكربون يمكن أن يتماشى مع الديناميكية الاقتصادية. رغم ذلك، يختلف المراقبون حول ما إذا كانت مفوضية أكثر يمينية ستوفر الاستثمارات اللازمة لجعل الهدفين متوافقين بدلاً من أن يكونا متنافسين. وإذا قررت بروكسل إعادة فتح النقاش حول الإفصاح البيئي، الذي تحقق بشق الأنفس، وأهداف الحياد الكربوني للشركات، فقد يختار البرلمان الأوروبي المحافظ إلغاء بعض اللوائح بالكامل.
كل ذلك يثير حالة من عدم اليقين في إدارات الامتثال بشأن مصير قواعد المناخ التاريخية، إضافة إلى تأثيره على الدعم العام للاستثمار في الصناعات الخضراء. وتأتي في صدارة أجندة فون دير لاين خطة لتبسيط لوائح الاستدامة بما في ذلك معايير الاستثمار الأخضر في الاتحاد، والمعروفة باسم التصنيف، وقانون العناية الواجبة، الذي يسمح للمدعين بمحاسبة الشركات عن الفشل في اتخاذ إجراءات بشأن الأضرار البيئية والاجتماعية.
ومع انضمام مفوضين مثل فالديس دومبروفسكيس، الذي سيتولى الإشراف على جهود تحسين الإنتاجية، إلى النقاش، يبقى السؤال: هل ستؤدي هذه الخطط إلى تسهيل الاستثمارات الخضراء وتعزيز النمو؟ أم أنها ستكون خطوة نحو تقليص التنظيم بشكل قد يعيق التحول الأخضر في أوروبا؟
لقد أعربت جوري يادا، مديرة مشاركة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لدى مركز الأبحاث المناخية «إي 3 جي» عن قلقها إزاء إعادة فتح النقاش حول تشريعات مثل التوجيه الخاص بالعناية الواجبة، مشيرة إلى أن «هناك ديناميكيات سياسية لا يمكننا التنبؤ بها أو التحكم فيها» في البرلمان الجديد.
وواجه العديد من اللوائح الحالية معارضة قوية في مراحلها الأخيرة حتى قبل أن يكتسب اليمين نفوذاً أكبر. على سبيل المثال، حذرت ماري توسان، النائبة الفرنسية عن حزب الخضر في البرلمان الأوروبي، من إعادة التشريعات البيئية إلى طاولة النقاش، مستشهدة بالنزاع الأخير حول تعديل قانون إزالة الغابات المثير للجدل في أوروبا.
وعندما اقترحت المفوضية تأجيل تنفيذ القانون لمدة عام لمنح الشركاء التجاريين مزيداً من الوقت للاستعداد، دفعت مجموعة من حزب الشعب الأوروبي الوسطي اليميني وبعض الأحزاب اليمينية المتطرفة باتجاه إنشاء فئة من الدول «منخفضة المخاطر» من حيث إزالة الغابات. لكن هذا الجهد قوبل بمعارضة شديدة، حيث حذر المنتقدون من أنه سيسمح للشركات بالتحايل على متطلبات التتبع البيئي. وفي الصفقة التي أبرمت أخيراً، أعلنت المفوضية أنها ستعمل على «استكشاف المزيد من تبسيط» القانون. لكن توسان علقت على هذا التوجه العام للمفوضية قائلة: «رغم أنهم يقولون إن التبسيط لن يعني إلغاء القيود التنظيمية، إلا أنني أخشى حقاً أن يكون هذا هو بالضبط ما هو مطروح على الطاولة».
وقد حذر خبراء من الإفراط في الثقة في قدرة المفوضية الأوروبية على تقليص البيروقراطية. وأعرب جوناثان بينسون، محامٍ مختص بالامتثال التجاري في شركة المحاماة سكادن أربس عن شكوكه في إمكانية تبسيط اللوائح التنظيمية في المستقبل القريب، قائلاً: «بغض النظر عما تقوله المفوضية بشأن تعزيز التنافسية». كما، أوضح غيوم كرويسانت، المحامي في شركة لينكليترز ببروكسل، أنه استمع إلى كثير من «التفاؤل المفرط» حول مدى عملية التبسيط التي تخطط لها المفوضية.
وتأتي هذه الشكوك في وقت تطرح فيه هذه الأهداف للنقاش في البرلمان الأوروبي، وهو ما قال كرويسانت إنه «قد يفتح صندوق باندورا ويؤدي إلى تداعيات غير متوقعة». والواقع أن بعض الأعضاء الجدد في البرلمان الأوروبي يركزون على تعزيز الاستثمار العام لدعم النمو الأخضر. وقد يكون هؤلاء أكثر استعداداً لقبول تبسيط اللوائح، وربما حتى تقليصها. ورغم أن تنفيذ حزمة إنفاق خضراء على الطراز الأمريكي لا يزال احتمالاً بعيد المنال، إلا أنه «قابل للتحقيق سياسياً» وفقاً لتوماس بيليرين كارلين، عضو البرلمان الأوروبي الفرنسي. وقال: «إذا قللنا اللوائح وزدنا الاستثمارات، فقد ينجح ذلك نظرياً. لكن المشكلة حالياً هي أننا نستثمر قليلاً جداً في المشاريع الخضراء. وإذا أضفنا إلى ذلك تخفيف اللوائح، فهذا يعني الاستسلام».
وأضاف إن خطة الاستثمار العام للاتحاد الأوروبي لا يمكن أن تعتمد على الإعانات بشكل مكثف كما هي الحال في قانون خفض التضخم الأمريكي؛ بسبب قواعد الاتحاد الأوروبي المالية، مستشهداً بحزمة الإنفاق المناخي الأمريكية كمصدر للإلهام. لكنه أكد أن الاتحاد يمتلك مجموعة واسعة من أدوات الاستثمار التي يمكن استخدامها لتعزيز التحول الأخضر، بدءاً من الاستثمارات في شبكات الكهرباء، إلى قروض لبناء أجهزة ضخ الحرارة الموفرة للطاقة، إلى بنك الهيدروجين الأوروبي البالغ 3 مليارات يورو. وأكد أن هذه الجهود تحتاج إلى التنسيق «في خطة فعلية، حيث يمكننا أن نقول للشركات والأسر، إن هذا هو نوع الدعم الذي ستحصلون عليه في السنوات العشر المقبلة».