كاتي مارتن
أدّى فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية إلى إحاطة عالم الاستثمار في أوروبا بضباب من التشاؤم، ربما يكون مبالغاً فيه. ويركز أصحاب النظرة السوداوية ممن يرصدون توجهات الاستثمار للعام المقبل في بنوك الاستثمار وشركات إدارة الأصول إجماعاً واسعاً على فكرة «الاستثنائية الأمريكية».
وهم يرون أن الولايات المتحدة تعمل بكفاءة عالية بينما تعاني أوروبا من حالة من الفوضى، وهو ما يجعل الاستثمار في الأسهم الأمريكية هو الخيار الأمثل. وهذا التوجه شبه مُسلّم به، وقليلون هم من يُعارضونه. وعلى سبيل المثال، يتوقع بنك «يو بي إس» السويسري أن تبقى الأسهم الأوروبية مستقرة في عام 2025، وهو أمر لا يُحفز على الاستثمار.
ومع ذلك، تبقى حقيقة واضحة وهي أن ألمانيا، من بين جميع الدول، كانت واحدة من أفضل الأسواق أداءً في العالم منذ الانتخابات الأمريكية، إذ سجل مؤشر «داكس 40» قفزة هائلة خلال الأسابيع القليلة الماضية، متجاوزاً حاجز 20,000 نقطة للمرة الأولى في تاريخه. وارتفع بنسبة 7 % منذ الانتخابات الأمريكية قبل ما يزيد على الشهر، مع تسارع ملحوظ في الأيام الأخيرة من شهر نوفمبر.
ورغم أن السوق الأمريكية خطفت الأنظار – بفضل قيمة مؤشر «إس أند بي 500» الضخمة التي تبلغ 51 تريليون دولار مقارنة بـ1.4 تريليون يورو لمؤشر «داكس» فإن السوق الألماني أثبت قدرته على تحقيق قفزة مماثلة لنظيره الأمريكي الأكبر حجماً، متفوقاً في الوقت نفسه على الأسواق الأوروبية الأخرى.
فما الذي يحدث إذن؟ يقول جيري فاولر، رئيس استراتيجية الأسهم الأوروبية في «يو بي إس» يصعب تحديد السبب الدقيق لذلك، لكنه أشار إلى أن عدداً قليلاً من الشركات في المؤشر لعب دوراً رئيسياً في هذا الأداء.
وهو محق في ذلك، ففي مقدمة الشركات تأتي سيمنس إنيرجي، التي ارتفعت أسهمها بنسبة 35 % خلال الشهر الماضي، تليها شركة الأسلحة راينميتال، التي سجلت صعوداً بنسبة 32 %. وتشمل القائمة أيضاً شركة التجارة الإلكترونية زالاندو، التي ارتفعت بنسبة 29 % ، وشركة قطع غيار السيارات كونتيننتال، التي ارتفعت بنسبة 17 %.
وفي هذا السياق، من المهم تسليط الضوء على بعض النقاط المهمة. أولها، أنه عندما يقرر المستثمرون بشكل جماعي الابتعاد عن قطاع معين، فإن أي حركة شراء طفيفة قد تكون كافية لدفع أسعار الأسهم الفردية أو المؤشرات الوطنية نحو الصعود. ويشير جيري فاولر إلى أن الأسهم المرتبطة بالصين في أوروبا أظهرت أداءً قوياً في الآونة الأخيرة. وربما وجد بعض المستثمرين الشجعان أن الاقتصاد الصيني قد يتحسن بعد عام مليء بالصعوبات، وأن أوروبا هي الساحة المثالية للتعبير عن هذا التفاؤل.
أما النقطة الأخرى فهي أن ألمانيا دخلت في دوامة سياسية بعد فترة قصيرة من الزخم الذي صاحب الانتخابات الأمريكية. فقد تم الإعلان عن انتخابات مبكرة في فبراير، واحتدم النقاش حول احتمال تراجع ألمانيا عن سياساتها المتشددة في الاقتراض والإنفاق المالي. يقول فاولر: هناك أمل بأن تؤدي الانتخابات الألمانية إلى تغييرات، ولا سيما في ما يتعلق بزيادة العجز المالي والاستراتيجيات المؤسسية، ولا سيما في قطاع السيارات.
وهناك عوامل أخرى، رغم كونها هامشية، لكنها تبدو مؤثرة في هذا الإطار، فخسائر فرنسا، على سبيل المثال، تُعد مكاسب لألمانيا، فقد أثرت الأوضاع السياسية غير المستقرة في فرنسا بشكل أكبر على أسهمها.
كذلك، هناك قصة الاستثنائية الأمريكية، إلى جانب خطط ترامب لفرض تعريفات جمركية جديدة، والتي تؤدي إلى تقوية الدولار، وهو ما يعني تراجع اليورو، وهو أمر يمثل فائدة كبيرة للمصدرين الأوروبيين، ويساعد في التخفيف من آثار التعريفات الإضافية.
كذلك، فقد أدى ذلك إلى ارتفاع سندات حكومات منطقة اليورو بسبب توقعات تباطؤ النمو في المنطقة. وعوائد السندات المنخفضة تقلل تكاليف الاقتراض، مما يدعم الطلب على الأسهم. وقد لا يكون هذا كافياً لإنقاذ المنطقة من الأداء الضعيف بالكامل، لكنه يظل عنصراً داعماً.
النقطة الأهم هنا هي أن عبارة أمريكا جيدة، أوروبا سيئة تفتقر إلى الدقة. فأوروبا لم تتراجع عن تحولها إلى الطاقة النظيفة – بل إنها تستثمر فيها بقوة. وهذا يعزز الطلب على بعض الشركات الألمانية الكبرى التي سجلت مكاسب كبيرة الشهر الماضي. كما أن الحاجة إلى زيادة الإنفاق الدفاعي في أوروبا، خاصة بعد إعادة انتخاب ترامب، تخلق فرصاً واعدة للمستثمرين الذين يعرفون كيفية اغتنامها.
وفي هذا السياق، تقول هيلين جويل، الرئيسة التنفيذية للاستثمارات في الأسهم الأساسية بشركة بلاك روك في أوروبا: من المهم أن يتذكر الناس أن الاقتصاد الأوروبي والشركات الأوروبية ليسا أمراً واحداً. وفكرة الاستثنائية الأمريكية لا تعني أن أوروبا سيئة أو أنه يجب استبعادها تماماً.
وأضافت: الواضح أن المسألة تتعلق بميل بين الناس للبحث عن أعذار للاستثمار في الولايات المتحدة بدلاً من أوروبا. وهذا الموقف ليس جديداً بين كبار مديري الأصول، الذين يرون أن العملاء يميلون إلى استغلال أي حالة من عدم الاستقرار السياسي، مهما كانت طفيفة، كذريعة لتجنب الاستثمار في أوروبا.
تحقيق الاستقرار السياسي في ألمانيا وفرنسا يمكن أن يكون عاملاً مهماً في إقناع المستثمرين المحليين بالبقاء في السوق الأوروبية، وجذب الاستثمارات من الخارج. ومع تزايد الآمال بأن تتخلى ألمانيا عن سياساتها التقليدية وتستخدم الإنفاق كأداة للخروج من الأزمات، يمكن أن تظهر فرصة لتحقيق مكاسب كبيرة في أسهم معينة، حتى وإن كان هذا أمراً لا يتوقعه الكثيرون.