«عملات الميم» الرقمية تشير إلى تغيرات كبيرة في الأسواق

جيليان تيت

نادراً ما يتطرق التاريخ المالي إلى حوادث مثل نفوق سنجاب ما. لكن لأننا نعيش في زمن غير عادي، فقد ثارت جماعات «أمريكا أولاً» على وسائل التواصل الاجتماعي أخيراً، بعدما أجرى مسؤولو الصحة في نيويورك عملية قتل رحيم لسنجاب أليف يدعى «بينات» للاشتباه بإصابته بداء الكلب. ونظراً لشعبية «بينات» على الإنترنت، فقد استنكر إيلون ماسك قتله، معلقاً: «بات بإمكان الحكومة اقتحام منزلك، وأخذ حيواناتك الأليفة، وإعدامها».

وفي أعقاب ذلك، ومع انتشار المعنويات الغاضبة، فقد قفز سعر «ميم كوين»، أول أصل رقمي سمي تيمناً بالسنجاب «بينت»، من 0.1 دولار أمريكي إلى 2.27 دولار في غضون أيام، مما دفع بالقيمة السوقية للعملة إلى ما يربو على ملياري دولار.

وبذلك، أصبحت عملة «بينت» الرقمية أسرع عملة ميم نمواً على الإطلاق، وتغلبت حتى على عملة «دوج كوين» الأثيرة لماسك. وتجدر الإشارة إلى أن «بينت» ليست وحدها في ذلك، فقد ارتفعت قيمة مجموعة أخرى من عملات الميم بعد إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة. وتشمل هذه العملات «موو دينغ»، المسماة تيمناً بفرس نهر قزم، وكذلك عملة «888» التي تعكس رمز الحظ الصيني، و«بوب كات» و«دوغ ويفهات»، و«تشيل غاي» المرتبطة بصورة كرتونية على شبكة الإنترنت لكلب مسترخ يشيع استخدامها على منصة «تيك توك».

فما الذي يمكن أن يستشفه المؤرخون الماليون من هذا؟ يمكن تفسير الأمر بأن إعادة انتخاب ترامب أتاحت مجالاً للأصول الرقمية لكي تكون أكثر انتشاراً. واخترق سعر «بيتكوين» هذا الأسبوع مستوى 100.000 دولار للمرة الأولى على الإطلاق بعد ترشيح ترامب لبول أتكنز رئيساً لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية. ويعرف عن أتكنز كونه أحد المدافعين عن العملات المشفرة، خلافاً للرئيس الحالي للهيئة، غاري غينسلر.

وثمة تفسير ثانٍ، وهو أن صعود عملة «بينت» وما شابهها من العملات إنما يشي بأن نظامنا المالي ما زال يموج بالسيولة إلى درجة أنه واقع تحت براثن «أوهام شعبية غير عادية وجنون الحشود»، بحسب ما شدد عليه تشارلز ماكاي في كتابه الشهير حول هذا الأمر الصادر في القرن التاسع عشر.

إن المتحمسين للعملات المشفرة يعترفون بأن «الميم كوينز» ليست لها استخدامات عملية كثيرة أو قيمة أساسية. ومع ذلك، تعكس أسعار هذه العملات قدرتها على أن تكون بمثابة «مذهب» مربح. وبحسب مراد محمودوف، المتحمس للعملات المشفرة والذي يتمتع بحضور طاغٍ على الإنترنت، فإن هذه العملات «تمنح الأشخاص عائلة، وهوية، ومجتمعاً، وصداقة». لكن المستثمرين التقليديين قد يرتعدون خوفاً من هذا.

ومع ذلك، هناك تفسير ثالث أكثر وجودية لهذا الأمر، وهو أن هذه العملات تظهر مدى تغير نظام المعلومات في عالم المال، كما هو الحال في المجال السياسي. والأكثر أهمية هو أن البروز الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي غيّر بالفعل آليات عمل السياسة والديمقراطية. ونشهد في الوقت الراهن كيف يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تحرك أسعار الأصول أيضاً، سواء الأصول الرقمية أم في قطاعات أخرى في بعض الأحيان.

وتبدت إشارة على هذا قبل ثلاثة أعوام، حينما ارتفعت أسعار أسهم شركات مثل «غيم ستوب» و«إيه إم سي»، في خضم ضجة على الإنترنت. وشهدنا إشارة أخرى أيضاً هذا العام، حينما شهدت أسهم «غيم ستوب» تقلبات من جديد وأثرت صيحة أسهم الميم على شركات أكثر شهرة مثل «بالانتير». ومن المحتمل أن يتزايد ذلك في أثناء فترة الإدارة الأمريكية التالية. فبعد كلٍ، فاز فريق ترامب بالانتخابات الأمريكية على أساس تفويض حرية التعبير الذي يعارض «الرقابة»، أو كبح تدفق المعلومات بعبارة أخرى. وقد أسفر فوز ترامب عن إطلاق العنان للحماس بالأسواق، إلى درجة أن الكثير من المستثمرين يخشون ضياع الفرصة.

علاوة على ذلك، فإنه إذا تأكد ترشيح أتكنز لمنصب رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، فمن المرجح تبنيه لسياسة «مسؤولية المشتري» فيما يتعلق بالشائعات التي تعصف بالسوق، بدلاً من إتاحة مزيد من الحماية للمستثمرين. ناهيك عن الأدلة المتزايدة على أن قدراً من الضجة المثارة على الإنترنت إما منسقة أو يقف وراءها روبوتات يشغلها الذكاء الاصطناعي. ولا تتوقع أن يكبح جماح ماسك، إذا كتب، على سبيل المثال، منشورات محركة لأسعار الأصول على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن عملات «دوج» أو «بينت» أو عن شركة «تسلا».

إذن، ما يمكن للمستثمرين التقليديين فعله، عوضاً عن اقتناء الأسهم الشهيرة المملة؟ ستكون الاستجابة المنطقية الوحيدة متمثلة في البدء بالتدقيق في تدفقات المعلومات هذه بدلاً من تجاهلها، أو احتقارهم لها وكأنها من بين خزعبلات «الجيل زد». لكن المتابعة ليست سهلة. ومع ذلك، تستخدم صناديق التحوط بصورة متزايدة التحليل الرقمي لقياس التغيرات التي تطرأ على المعنويات على الإنترنت. وهناك مؤسسات مثل «بلومبرغ» التي تطور أدوات لمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي دليل مهم على تغير الزمن، ينضم رواد أعمال بدورهم إلى هذا التوجه. لنتأمل، على سبيل المثال، مجموعة تدعى «نارافانس» التي أسستها مجموعة من المحللين السيبرانيين. وأخبرني المؤسسون أنه فيما كانوا يتابعون انتشار المعلومات المضللة سياسياً من عدد من البلدان، فإن لديهم حالياً منتج يدعى «تشاتر فلو»، ويطلع المستخدمين الأفراد والمؤسساتيين حينما تبرز ضجة على الإنترنت حول أسهم بعينها.

وذكروا أن هذا ساعد بالفعل على التنبؤ بالتقلبات الأخيرة التي طرأت على أسعار أسهم مثل «برايت مايندز بيو ساينسز»، ويأملون حالياً في التركيز على الأصول الرقمية. ومن المؤكد أن شركات ناشئة أخرى ستظهر في هذا المجال. الأخبار الجيدة وسط كل هذا هي أن مثل هذه الابتكارات تعكس قدرة القوى السوقية الحرة في بعض الأحيان على معالجة أوجه الإخفاق التي تنتاب السوق. لكن الأنباء غير السارة هي أن احتمالات التلاعب في السوق تظل هائلة. وعلى أي حال، فالنقطة المهمة هي أن الإنترنت لا يعيد تشكيل المجال السياسي فحسب، وإنما الأسواق المالية أيضاً، وسيحتدم هذا الأمر على مدى الأعوام الأربعة المقبلة. يجب أن يستعد المستثمرون والمنظمون، فعملات السناجب تبين أنها أكثر بكثير من مجرد نكتة.