روبرت أرمسترونغ - إيدن ريتر
إنه موسم التوقعات.. هذا هو الوقت الذي ينشر فيه الاستراتيجيون في «وول ستريت» توقعات البيع والشراء لعام 2025. وينظر البعض إلى الأوراق الخاصة بالتوقعات على أنها أداة تسويقية، صممت في المقام الأول للترويج للأعمال التجارية الآن بدلاً من الظهور بمظهر الذكي بعد 12 شهراً.
رغم ذلك، فهي تعطي لمحة عن المزاج السائد في وول ستريت.
وحالياً، يتألف هذا المزاج من مكونين رئيسيين.
الأول: الاستمرار في الاستثمار طويل الأجل في الأسهم الأمريكية ذات النمو المرتفع. والثاني، والأقل إجماعاً إلى حد ما، وهو تجنب الاستثمار في منحنى سندات الخزانة الأمريكية طويلة الأجل.
والركائز التي تدعم المزاج الثاني معقولة بالقدر الكافي. فالعجز في الميزانية الأمريكية سيئ ومن المتوقع أن يزداد سوءاً.
وعلى هذا الكائن النائم منذ فترة طويلة، أو حارس السندات، أن يستيقظ في مرحلة ما. في الوقت نفسه، فإن علاوة المخاطر، أي العائد الإضافي فوق أسعار الفائدة القصيرة الأجل المتوقعة في المستقبل، الذي يتقاضاه المستثمرون مقابل امتلاك سندات الخزانة الطويلة الأجل، وصلت إلى مستويات منخفضة تاريخياً. وأخيراً، ربما لا يكون وحش التضخم قد مات بعد، بل يتغذى على مقترحات دونالد ترامب السياسية.
وفي هذا السياق، قال مارك سيدنر وبرامول داوان، الخبيران الاستراتيجيان لدى «بيمكو» لإدارة السندات:
«من الصعب التنبؤ بالاستجابات المفاجئة للسوق للاتجاهات طويلة الأجل. كما لا توجد مجموعة منظمة من حراس السندات التي ستتحرك عند بلوغ الديون مستوى محدد، لكننا نجري بالفعل تعديلات تدريجية استجابة لارتفاع العجز الأمريكي. وتحديداً، فنحن أقل ميلاً لإقراض الحكومة الأمريكية عن طريق سندات الخزانة طويلة الأجل، فهناك أخطار هيكلية، وعلاوات منخفضة، وتقلبات تضخمية، وانحسار للتنوع، وهناك احتمال بفائض في طرح السندات مقارنة بالطلب عليها».
وقال معهد بلاك روك للاستثمار: «من المستبعد أن يمتد تفوق الأداء الأمريكي إلى السندات الحكومية. نحن نعمل على تقليل وزن سندات الخزانة طويلة الأجل بصورة تكتيكية، لأننا نتوقع مطالبة المستثمرين بمزيد من التعويضات لقاء خطر الاحتفاظ بهذه السندات في ضوء استمرار عجز الموازنة، واستمرار ارتفاع التضخم، والتقلبات الأكبر في سوق السندات».
كل هذا معقول. فمع عائدات السندات لأجل 10 و30 سنة التي لا يمكن التمييز تقريباً بينها وبين عائد الـ 4 % المتوفر على النقد، يجب أن تكون واثقاً جداً من انخفاض أسعار الفائدة. وفي أعقاب أكبر حادث تضخمي منذ عقود، والتوجه نحو إدارة جديدة أرسلت رسائل مختلطة حول السياسة، أصبح هناك نقص في مصادر الثقة. علاوة على ذلك، من الصعب نسيان الأداء الضعيف الأخير للسندات طويلة الأمد. لكن إذا كنت تخليت عن السندات لصالح الأسهم قبل خمس سنوات، فلن تشعر بالندم:
رغم ذلك، تتبنى «جيه بي مورجان أسيت مانجمنت» رأياً يخالف التيار السائد قليلاً، إذ تشير إلى وجود مجال أمام انخفاض عوائد السندات لأجل 10 أعوام بجانب النمو والتضخم، فقد تراجعت عوائد السندات لأجل 10 أعوام بنسبة 1 % منذ بلوغها قمتها عند 5 % منتصف أكتوبر الماضي، لكننا نعتقد أن هناك مجالاً أمام انخفاض أسعار الفائدة طويلة الأجل بشكل أكبر بينما يواصل مجلس الاحتياطي الفيدرالي تثبيته للفائدة، خصوصاً إن واصل التضخم انحساره.
ويشر هذا إلى وجوب تفكير المستثمرين في التخلي عن الحيازات النقدية والسندات طويلة الأجل، لأن انخفاض العوائد قد يؤدي إلى ارتفاع قوي لأسعار السندات الأطول أجلاً»، لكن قولهم «يشير هذا إلى وجوب تفكير المستثمرين» ليست توصية المعنى الدقيق، إلا أن هذا ما يعرب عنه المتفائلون بشأن السندات في البيئة الحالية.
ويشير، إدوارد الحسيني، الخبير الاستراتيجي في أسعار الفائدة العالمية لدى «كولومبيا ثريدنيدل»، إلى نقطة تتعلق أكثر بالسندات، حيث يعتبرها وسيلة لحماية المكاسب الكبيرة التي حققتها الأسهم. وتعد إعادة موازنة المحفظة بعيداً عن الأسهم والاتجاه نحو السندات رهاناً على أن عوائد السندات ستتفوق على عوائد النقد، ما يعني أن الفائدة ستواصل تراجعها أو لن ترتفع كثيراً على الأقل. والأكثر أهمية من ذلك هو أن الأمر رهان على أن أسعار السندات سترتفع إذا ما انخفضت الأسهم. ومن المرجح أن يكون هذا صحيحاً بفرض انخفاض التضخم واستقراره.
وطرحت سؤالاً على الحسيني حول ما إذا كان المستثمرون تعجبهم الفكرة. فأجاب: «لا أحد يحب السندات». وتابع: «إنها محادثة صعبة نخوضها مع العملاء الذين حققوا أرباحاً جيدة، ليس فقط من خلال الأسهم، وإنما عن طريق أسواق النقد والذهب أيضاً».
على الجانب الآخر، أعلن المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، وهو أعلى هيئة سياسية في البلاد، تغيير السياسة النقدية من «الحذرة» إلى «تيسيرية بشكل معتدل». وشعر المستثمرون بالحماس، وقفز مؤشر «هانغ سينغ» بنسبة 3%، وصعد مؤشرا شنغهاي وشنتشن «سي إس آي 300» بنسبة 1.3 %، ليعكسا التراجع المتقطع الذي شهده المؤشران منذ مكاسب شهر سبتمبر.
وهناك سبب للاعتقاد في أن الأمر مهم بشكل كبير، حيث تعد السياسة النقدية متشددة، وفقاً لبعض المقاييس. وذكر آرثر كروبيه وفريقه لدى «جافيكال دراجونوميكس»، أن أسعار الفائدة الحقيقية مرتفعة بشكل طفيف مقارنة بمعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، وهو أمر غير طبيعي، بالنظر إلى مواجهة الصين لانكماش مالي ونمو بطيء.
وكثيراً ما تمثل إعلانات المكتب السياسي للحزب الشيوعي أفضل الرؤى عن تفكير الرئيس الصيني، شي جين بينغ. وإذا كان الرئيس يلمح إلى الحاجة لفعل المزيد على صعيد السياسة النقدية، فهذا يشير إلى أن المحفزات المالية التي طال انتظارها يمكن أخيراً أن تلبي توقعات المستثمرين المرتفعة. وتجدر الإشارة إلى أن موقف السياسة النقدية نفسه سبق إعلان محفزات في الماضي. وتبنت الحكومة موقفاً «تيسيرياً بصورة معتدلة» بعد الأزمة المالية العالمية، التي رافقتها محفزات بقيمة 4 تريليونات يوان صيني (ما يعادل 568 مليار دولار).
لكن، في ضوء خطر أن يكون هذا مجرد جهد سيذهب سدى، فربما يكون هذا كثيراً من الضجيج حول لا شيء، خصوصاً على صعيد السياسة النقدية. وخفض مصرف الشعب الصيني (المصرف المركزي) أسعار الفائدة الثلاث الرئيسة هذا العام، ويبدو أنه لا يوجد أمامه خيار سوى مواصلة الخفض، في ضوء ازدياد المخاوف بشأن الانكماش المالي. ومع ضعف الطلب على الائتمان والاقتراض سيكون انتقال تأثير السياسة النقدية إلى الاقتصاد ضعيفاً نسبياً. وفي النهاية، فإن المشكلات الصينية هيكلية، وليست دورية. وسنصدق أنها محفزات صينية ذات مغزى عندما نرى ذلك فعلاً.