آلان بيتي
عندما يتعلق الأمر بالهدايا الثمينة، فإن زيت الزيتون والغاليوم وسفن الحاويات لا تحمل الرمزية الاحتفالية نفسها التي يحملها الذهب واللبان والمر. ومع اقتراب عيد الميلاد، دعونا نقدر الأبطال الحقيقيين للعولمة في عام 2024: نشطاء حقوق المستهلك في إسبانيا، وتجار المعادن باليابان، وبناة السفن في الصين.
وشهد هذا العام التدفق المعتاد من المقالات التي تحذر من الانهيار الوشيك للتجارة، ومتابعات أقل عدداً تفسر كيف تكيفت الأنظمة واستجابت الأسواق، وكيف تمت إدارة المشكلات أو كيف اختفت. ورغم تكرار الحديث عن هذا الموضوع، تظل مواجهة النظرة التشاؤمية تجاه العولمة ضرورة ملحة.
لنستعرض الأزمات التي لم تحدث أو التي تراجعت حدتها هذا العام. البداية كانت بالارتفاع الكبير لأسعار زيت الزيتون عالمياً، التي تضاعفت بين منتصف 2022 ومنتصف 2023 بسبب موجة جفاف ضربت أوروبا. وكانت إسبانيا، التي تعد أكبر مصدر ومستهلك لزيت الزيتون، والتي تطلق عليه اسم «الذهب السائل»، واجهت ضغوطاً كبيرة. فكيف تم التعامل مع الأزمة؟
زادت الواردات الإسبانية من زيت الزيتون التونسي. وفي الوقت نفسه، غيّر المستهلكون عاداتهم بشراء أنواع أقل تكلفة، مثل الزيوت المخلوطة أو زيت عباد الشمس.
كما قادت مجموعة «فاكوا» حملة لمراقبة الأسعار والضغط على المتاجر، ما دفع سلسلة «ميركادونا» إلى خفض الأسعار بشكل متكرر منذ يوليو. نتيجة لذلك، تراجع سعر اللتر القياسي من 8 يورو إلى أقل من 6 يورو. ودعمت الحكومة هذه الجهود عبر خفض ضريبة القيمة المضافة على زيت الزيتون.
ورغم ارتفاع تكاليف الغذاء الذي دفع التضخم الاستهلاكي في إسبانيا إلى مستويات أعلى من بعض الدول الأوروبية الأخرى، إلا أن إسبانيا، باعتبارها دولة غنية، لم تواجه موجة واسعة من الفقر المدقع بسبب أسعار الزيت المرتفعة.
والإنتاج الإسباني من زيت الزيتون يتعافى تدريجياً من آثار الجفاف، ومن المتوقع أن يرتفع بمقدار الثلث في موسم حصاد 2024-2025. ولحسن الحظ، يبدو أن المطبخ الإسباني قد صمد بقوة ونجاح.
على الصعيد العالمي، يشكل تغير المناخ تهديداً خطيراً لإنتاج المحاصيل. ورغم الفشل في معالجة هذه الأزمة بفعالية، ساهمت الأسواق المفتوحة والتقدم العلمي في تقليل آثارها.
إضافة إلى ذلك، فقد انحسرت المخاوف من حدوث أزمة غذاء عالمية جراء اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا عام 2022، بفضل تحسن الإنتاج الزراعي، وارتفاع كفاءة المحاصيل، والابتكارات الزراعية المميزة.
ما هي الكوارث الأخرى التي تم تفاديها؟ كان العام الماضي اختتم بحالة من الارتباك بين خبراء التجارة، الذين لجأوا إلى محركات البحث للتعرف على «الحوثيين» بعد تسببهم في إغلاق قناة السويس وارتفاع تكاليف الشحن.
ورغم انخفاض تكاليف الشحن في بداية العام، إلا أنها عاودت الارتفاع بشكل مفاجئ خلال الصيف، ما أثار قلقاً بشأن تأثر حركة الشحن العالمية على المدى الطويل .
كما حدث خلال جائحة كوفيد. لكن خبراء القطاع يرون أن هذه الزيادة لم تكن سوى ظاهرة مؤقتة ناجمة عن إعادة الشركات ملء مخزوناتها. وحالياً، تشهد الأسعار انخفاضاً تدريجياً، في حين يستمر حجم الحاويات المشحونة عالمياً في النمو.
في السياق نفسه، تستعد صناعة الشحن لتداعيات محتملة إذا فرض الرئيس المنتخب دونالد ترامب تعريفات جمركية مرتفعة على الواردات الصينية، ما قد يؤدي إلى انخفاض كبير في حركة التجارة بين الصين والولايات المتحدة.
لكن تجربة ولايته الأولى أظهرت أن هذه الواردات غالباً ما تستبدل بسلع من جنوب شرق آسيا مثل فيتنام، ما يضيف حلقة جديدة إلى سلسلة القيمة العالمية. وتعديل مسارات الشحن لزيادة الرحلات من فيتنام لن يكون سوى إعادة توزيع للسفن الحالية، وليس تحولاً جذرياً في أنماط التجارة.
كما بدأت سفن الحاويات الجديدة، التي طلبتها الشركات في السنوات الأخيرة من أحواض بناء السفن الصينية، دخول الخدمة.
على صعيد آخر، أضافت الصين فصلاً جديداً إلى قصة المعادن الحيوية المستمرة بإعلانها حظر تصدير الأنتيمون، والجرمانيوم، والجاليوم إلى الولايات المتحدة. وتهدف هذه الخطوة، التي جاءت بعد قيود سابقة فرضتها العام الماضي، إلى إضعاف المنافسين الاستراتيجيين بحرمانهم من المواد الخام الأساسية.
وعند النظر إلى البيانات الجمركية، يتضح أن التهديد الذي يمثله حظر الصين لتصدير الجرمانيوم والجاليوم أقل تأثيراً مما يبدو، فالولايات المتحدة توقفت بالفعل عن استيراد هذه المعادن من الصين هذا العام، ومع ذلك، لم تتوقف صناعة أشباه الموصلات الأمريكية عن العمل.
بينما تواصل الصين تصدير هذه المعادن إلى دول أخرى، بما في ذلك ألمانيا واليابان، ما يشير إلى وصول الجاليوم إلى الولايات المتحدة بطرق غير مباشرة.
كذلك، فإن الجرمانيوم والجاليوم ليسا حكراً على الصين، إذ يتم استخراجهما من خامات الزنك والألمنيوم. وإذا ارتفعت الأسعار، ستظهر مصادر جديدة للإنتاج، وقد أعلنت شركة التعدين «ريو تينتو» بالفعل اعتزامها إنشاء خط إنتاج للجاليوم في كندا.
لا شك أن العام المقبل سيشهد المزيد من التحذيرات بشأن العولمة، وبعضها له أساس قوي. لكن من المؤكد أن وصول ترامب إلى البيت الأبيض يزيد بشكل كبير من المخاطر الحقيقية لتدخل الحكومات في نظام التجارة.
رغم ذلك، تميل القوى الاقتصادية إلى كفة التوازن، فالأسعار المرتفعة تحفز الإنتاج، والعوائق التجارية تدفع للابتكار، والمستهلكون في الدول الغنية لديهم القدرة على التكيف مع الصدمات، والاقتصادات المرنة يمكنها التأقلم. وعموماً، فإن الأمور لم تنته بعد.