جيليان تيت
هذا الشهر، غزت الروبوتات الذكية عالم بابا نويل، وأصبحت الهدايا المدعومة بالذكاء الاصطناعي أكثر انتشاراً. وقد لمست ذلك بنفسي بعد أن تلقيت هدية رائعة: جهاز إملاء يعمل بالذكاء الاصطناعي ولديه قدرات مذهلة!
في الوقت نفسه، تقدم متاجر كبرى مثل «وول مارت» أدوات ذكاء اصطناعي لمساعدة المتسوقين المرهقين خلال موسم الأعياد. تعمل هذه الأدوات كمساعد شخصي رقمي، لتسهيل البحث عن الهدايا وتبسيط عملية التسوق. ووفقاً لآخر التقييمات، يبدو أن هذه التجربة ناجحة جداً.
تتمثل المفارقة في أن الذكاء الاصطناعي، على الرغم من انتشاره المتزايد في حياتنا — وحتى في هدايا عيد الميلاد — لا يزال يواجه عداءً واسع النطاق. على سبيل المثال، أظهر استطلاع أجرته الحكومة البريطانية هذا الشهر أن 40% من الناس يتوقعون فوائد من الذكاء الاصطناعي، بينما يخشى 30% من آثاره السلبية بسبب «تهديدات أمن البيانات»، و«انتشار المعلومات المضللة»، و«التأثير على الوظائف».
ورغم أن هذه المخاوف ليست مفاجئة، نظراً لأنها معروفة ومعلن عنها، إلا أنه مع اقتراب عام 2025، قد يكون من المفيد التركيز على ثلاث نقاط مهملة لفهم الأنثروبولوجيا الحالية للذكاء الاصطناعي بشكل أعمق، ما قد يساهم في رؤية أكثر إيجابية لهذه المفارقة.
في البداية، يجب أن نعيد النظر في معنى كلمة «الاصطناعي» في عبارة الذكاء الاصطناعي كما تستخدم اليوم. صحيح أن أنظمة التعلم الآلي «اصطناعية»، لكن الروبوتات لا تهدف عادةً إلى استبدال الإدراك البشري بشكل كامل، فهي أدوات تمكننا من العمل بسرعة أكبر وبكفاءة أعلى في المهام المختلفة. التسوق هو مجرد أحد هذه الأمثلة.
ربما ينبغي علينا إعادة تسمية الذكاء الاصطناعي ليصبح «الذكاء المعزز» أو «الذكاء المسرَّع» — أو حتى «الوكلاء الأذكياء»، وهو مصطلح صاغته مدونة «إنفيديا» لوصف «الحدود المقبلة» للذكاء الاصطناعي، وهو يشير إلى الروبوتات القادرة على تنفيذ مهام مستقلة بتوجيه من البشر. ومن المتوقع أن يكون هذا من أبرز المواضيع في عام 2025. وكما قالت «جوجل» عند الكشف عن نموذج «جيميني» الجديد: «عصر الوكلاء الأذكياء قد بدأ».
ثانياً، علينا تجاوز المنظور الثقافي لوادي السيليكون. فقد «سيطرت الأطراف الناطقة بالإنجليزية» على «النقاش» حول الذكاء الاصطناعي عالمياً حتى الآن، وفق ما ذكره الأكاديميان ستيفن كيف وكانتا ديهال في مقدمة كتابهما «تخيل الذكاء الاصطناعي»، وهو ما يعكس الهيمنة التقنية الأمريكية.
لكن الثقافات الأخرى لديها رؤية مختلفة للذكاء الاصطناعي. فبحسب ما صرح به جيمس مانييكا، المشارك في رئاسة الهيئة الاستشارية للأمم المتحدة للذكاء الاصطناعي والمسؤول الكبير في «جوجل»، أخيراً لتشاتام هاوس، فإن مواقف الدول النامية تميل إلى الإيجابية بشكل أكبر مقارنة بالدول المتقدمة.
واليابان أيضاً تختلف في موقفها. فالملفت أن الشعب الياباني يبدي منذ فترة طويلة مشاعر إيجابية تجاه الروبوتات تفوق بكثير ما يبديه نظراؤهم المتحدثون بالإنجليزية. وهذا ينعكس الآن على مواقفهم من أنظمة الذكاء الاصطناعي أيضاً.
ويرجع هذا التوجه الياباني إلى عاملين رئيسيين، أولهما نقص الأيدي العاملة، وبما أن المجتمع الياباني يميل إلى التحفظ على استقبال المهاجرين لحل هذه المشكلة، فإن الاعتماد على الروبوتات يبدو خياراً أكثر قبولاً. أما العامل الثاني فيرتبط بالموروث الثقافي الشعبي، ففي حين كانت أفلام هوليوود في النصف الثاني من القرن العشرين مثل «ذا ترمنايتور»، و«ملحمة الفضاء:2001» تعمق الخوف من الآلات الذكية لدى الجمهور الناطق بالإنجليزية، كان اليابانيون مفتونين بقصة فيلم «الولد الخارق» والتي صورت الروبوتات كشخصيات إيجابية ومحبوبة.
يرى مبدع هذه القصة، أوسامو تيزوكا، أن هذه النظرة متجذرة في تأثير العقيدة الشنتوية التي تتميز بنظرتها الشمولية للوجود، إذ لا تفرض حدوداً فاصلة بين الكيانات الحية وغير الحية. وقد عبر عن هذا المفهوم في ملاحظة سابقة بقوله: «اليابانيون لا يضعون فاصلاً بين الإنسان، باعتباره مخلوقاً متفوقاً، والعالم المحيط به. فنحن نتقبل الروبوتات بسهولة كجزء من المنظومة الكونية الواسعة التي تشمل الحشرات والصخور - الكل في وحدة متكاملة».
وتتجلى هذه الفلسفة اليوم في نهج شركات يابانية عملاقة مثل سوني، وسوفت بنك في تطوير منتجات الذكاء الاصطناعي، وفقاً لما يشير إليه أحد المقالات في كتاب «تخيل الذكاء الاصطناعي»، إذ تسعى هذه الشركات إلى تطوير «روبوتات ذات قلب»، وهو توجه قد يثير استغراب وانزعاج المستهلكين الأمريكيين.
وهناك درس ثالث نستخلصه هنا، إذ يوضح هذا التنوع الثقافي أن مواقفنا من الذكاء الاصطناعي يمكن أن تتغير وتتطور مع الزمن، تحت تأثير التطورات التقنية والتفاعل بين الثقافات المختلفة. ولعل تقنيات التعرف على الوجه خير مثال على ذلك. ففي عام 2017، أجرى كين أندرسون، عالم الأنثروبولوجيا في شركة إنتل، وزملاؤه دراسة حول موقف المستهلكين الصينيين والأمريكيين من هذه التقنية. وكشفت النتائج أن الصينيين تقبلوا استخدامها في حياتهم اليومية، مثل المعاملات البنكية، في حين رفضها الأمريكيون.
وربط الباحثون هذا الرفض الأمريكي بالمخاوف المتعلقة بالخصوصية. لكن المفاجأة أنه في العام نفسه، عندما أطلقت شركة آبل ميزة التعرف على الوجه في هواتف آيفون، تقبلها المستهلكون الأمريكيون بسرعة غير متوقعة. هذا التحول في المواقف يؤكد فكرة مهمة وهي أن «الثقافات» ليست كعلب بلاستيكية محكمة الإغلاق لا يتغير ما بداخلها، بل هي أشبه بأنهار تجري ببطء، تختلط مياهها بمياه جديدة، وتتشكل ضفافها الطينية باستمرار مع كل تدفق جديد.
وهكذا، وبغض النظر عما سيحمله عام 2025 من تطورات، ثمة أمر واحد يمكن التنبؤ به بثقة: ستتغير نظرتنا للذكاء الاصطناعي بشكل تدريجي كلما أصبحت هذه التقنية جزءاً طبيعياً من حياتنا. وفي حين قد يثير هذا المسار قلق البعض، لكنه قد يساعدنا في الوقت نفسه على إعادة النظر في نقاشاتنا حول التكنولوجيا بطريقة أكثر إيجابية، والتركيز على النقطة الأهم: كيف نضمن أن يبقى البشر متحكمين في «مساعديهم» الرقميين - وليس العكس. وفي حين يتسابق المستثمرون اليوم للدخول في مجال الذكاء الاصطناعي، عليهم التوقف لحظة ليسألوا أنفسهم: ما نوع «الاصطناعي» الذي نريده حقاً في هذه التقنية؟