جوشوا اوليفر
في تحول كبير بسوق العقارات البريطاني تراهن شركات الاستثمار الخاص وصناديق المعاشات التقاعدية على الاستثمار المكثف في قطاع المساكن المخصصة للإيجار.
وتُظهر أحدث البيانات الصادرة عن وكالة العقارات «سافيلز» إنفاقاً قياسياً في هذا القطاع، حيث بلغت قيمة صفقات شراء وبناء المنازل المستقلة المخصصة للإيجار 1.5 مليار جنيه إسترليني حتى سبتمبر الماضي.
ويمثل هذا الرقم أكثر من ثلاثة أضعاف ما تم استثماره في عامي 2021 و2022، ويأتي بعد عام قياسي آخر شهد صفقات بقيمة 1.9 مليار جنيه إسترليني.
ويعزى هذا التوجه إلى تزايد الطلب على المنازل المؤجرة في ظل عدم القدرة على تحمل تكاليف شراء المنازل في المملكة المتحدة.
كما يشهد سوق العقارات البريطاني تحولاً لافتاً في توجهات المستثمرين، الذين باتوا يفضلون الاستثمار في المنازل المنفردة المخصصة للعائلات بدلاً من مجمعات الشقق السكنية الكبيرة.
ويأتي هذا التحول مدفوعاً برغبتهم في استقطاب مستأجرين أكثر استقراراً يبقون لفترات أطول، إضافة إلى أن بناء المنازل المنفردة يواجه عقبات أقل في ظل قيود التخطيط العمراني البريطانية الصارمة.
وفي هذا السياق، أكد جيمس ستيفنز، المسؤول عن الاستثمار العقاري العالمي في شركة التأمين والاستثمار البريطانية «أفيفا»، التي ضخت استثمارات بقيمة 600 مليون جنيه إسترليني في هذا القطاع منذ 2020، أن المنازل العائلية في طريقها لتصبح أكبر فئة استثمارية رئيسية في القطاع السكني.
وبحسب تقرير «سافيلز»، ارتفعت نسبة الاستثمارات الجديدة في المنازل العائلية المنفردة بالمملكة المتحدة إلى 54 % حتى سبتمبر الماضي، مقارنة بـ32 % في العام السابق و5 % فقط في 2019. واشترى المستثمرون نحو 5000 منزل في الأشهر التسعة الأولى من العام، بزيادة 20 % عن العام الماضي.
وانضمت شركات عالمية إلى المؤسسات البريطانية «أفيفا»، و«إل آند جي»، و«لويدز»، حيث استحوذت «بلاكستون»، أكبر مستثمر عقاري في العالم، على ما يقرب من 4500 منزل من «فيستري» منذ أواخر 2023 بقيمة 1.4 مليار جنيه إسترليني.
وقامت «بلاكستون»، التي تعد لاعباً رئيسياً في سوق الإسكان الأمريكي، بتوسيع أعمالها إلى أوروبا، مستحوذة على عشرات الآلاف المنازل.
وفي المملكة المتحدة، ركزت الشركة جهودها على تمويل مشروعات البناء الجديدة، وتمتلك حالياً محفظة تضم 17 ألف منزل بأسعار معقولة، وتتوسع الآن في إيجارات السوق المفتوح.
وأطلق «مجلس الاستثمار في خطة المعاشات التقاعدية الكندية» مشروعاً مشتركاً مع مدير العقارات «كينيدي ويلسون» في أكتوبر بقيمة مليار جنيه إسترليني للاستثمار في المنازل العائلية المنفردة، باستثمار أولي قدره 500 مليون جنيه إسترليني.
وفي مؤشر جديد على تزايد شهية المستثمرين في سوق العقارات البريطاني، شهد نوفمبر الماضي إطلاق شراكة استراتيجية بقيمة 750 مليون جنيه إسترليني بين شركة إدارة رأس المال الخاص «جريكايت» ومجموعة «جيتهاوس» العقارية، التي تمتلك بالفعل شراكة قائمة مع «كارلايل جروب».
وفي السياق ذاته، عززت «سيجما كابيتال جروب»، إحدى الشركات الرائدة في هذا القطاع، حضورها بتوسيع محفظتها إلى أكثر من 8500 منزل.
غير أن هذا التدفق الكبير لرؤوس الأموال الخاصة نحو سوق العقارات المؤجرة في مختلف البلدان يثير انتقادات واسعة، إذ يراه البعض دليلاً دامغاً على عمق أزمة الإسكان التي حرمت الكثير من العائلات من فرصة امتلاك منازلهم، وأجبرتهم على البقاء في سوق الإيجارات لفترات أطول، عرضةً للزيادات الكبيرة في الأسعار التي تفرضها الشركات المالكة.
ولا يزال الاستثمار المؤسسي في منازل الإيجار في المملكة المتحدة عند مستوى منخفض مقارنة بالدول الأخرى، حيث يمتلك كبار المستثمرين 3 % فقط من منازل الإيجار - مقارنة بـ37 % في ألمانيا و41 % في الولايات المتحدة.
ويشير المستثمرون إلى أن المنازل الإيجارية المملوكة للمؤسسات توفر استقراراً ومعايير أعلى مقارنة بتلك التي تُدار من قبل ملاك أفراد، ويؤكدون أن استثماراتهم ستُسهم في زيادة المعروض من المنازل الجديدة وسط انخفاض مبيعات شركات البناء.
ويقول جيمس سيبالا، المسؤول عن العقارات الأوروبية في شركة بلاكستون: «يمكن للاستثمار المؤسسي أن يساعد في توفير المزيد من المنازل الجديدة، مع ضمان عوائد مستقرة للمستثمرين تواكب معدلات التضخم».
وشهد العام الماضي فرصة ذهبية للمستثمرين في السوق العقاري البريطاني، حيث قدم كبار مطورو العقارات خصومات سخية تراوحت بين 15 و20 % على المنازل غير المباعة.
وجاء ذلك في أعقاب أزمة الطلب التي ضربت السوق بعد أن تسببت خطة «الميزانية المصغرة» المثيرة للجدل، التي طرحتها رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس في 2022، في ارتفاع حاد بمعدلات الرهن العقاري.
وقال بيرز دي وينتون، المسؤول عن الاستثمار السكني في شركة سافيلز العقارية: «معظم صفقات 2023 كانت نتيجة مباشرة لصعوبات البيع التي واجهها المطورون العقاريون.
لكن المشهد تغير هذا العام، حيث أصبح التفكير الاستراتيجي أكثر وضوحاً لدى المطورين».
ومع تقليص شركات التطوير العقاري لمعدلات البناء، تراجعت الخصومات الكبيرة التي كانت متاحة في السوق، ما وضع المستثمرين أمام تحديات جديدة، حيث لجأ بعضهم إلى شراء الأراضي والتعاقد المباشر مع شركات المقاولات لبناء عقارات جديدة.
وفي تطور لافت، يتجه مديرو صناديق الأسهم الخاصة نحو بناء محافظ عقارية ضخمة، بهدف بيعها لاحقاً لصناديق المعاشات التقاعدية.
وتفضل هذه الصناديق الاستثمار في العقارات المؤجرة لما توفره من دخل منتظم ومستقر.
وقد نجحت شركة بلاكستون في تنفيذ صفقة رائدة في هذا المجال، حيث باعت 3000 وحدة سكنية بنظام الملكية المشتركة، بقيمة إجمالية بلغت 405 ملايين جنيه إسترليني، إلى خطة معاشات التقاعد للجامعات، وهو أكبر صندوق معاشات خاص في المملكة المتحدة.