بيليتا كلارك
حجم الأخبار التافهة الذي يتدفق لصناديق البريد الإلكتروني للصحافيين بشكل أسبوعي أمر يدعو حقاً للعجب. لكن الأسبوع الماضي، ووسط رسائل التنبيه المعتادة عن تعيين مديرين مغمورين في وظائف غير مهمة بشركات غير معروفة، وعن تأثير الذكاء الاصطناعي الضار بالأسواق، كان هناك خبر مذهل. فقد كتبت إلينا شركة مختصة في كتابة السير الذاتية لتقول أولاً إن تحليلاً لأكثر من 20 صناعة في المملكة المتحدة أظهر أن أسعد الموظفين في المملكة المتحدة يعملون في قطاعي التمويل والتأمين، وثانياً أن هؤلاء الموظفين يحصلون على أعلى الرواتب بمتوسط 85538 جنيهاً استرلينياً سنوياً.
ومن المثير للدهشة أن هذا الراتب يعادل ثلاثة أضعاف ما يتقاضاه العاملون في قطاعي الضيافة والخدمات الغذائية، والذين صنفوا كأقل الموظفين سعادة، كما أنه يفوق بأكثر من الضعف رواتب العاملين في قطاعات الزراعة والصيد والغابات، والذين احتلوا المرتبة الثانية من حيث عدم الرضا الوظيفي.
وبينما كنت أتأمل هذه النتائج، تمتمت لنفسي بسخرية «يا للدهشة، أعلى العاملين أجراً هم الأكثر سعادة، يا له من شيء غير متوقع!»، وكنت لا أزال أفكر في هذا الأمر عندما التقيت بصديقة ذكرتني بأن الأمور في الواقع ليست بهذه البساطة.
وكشفت صديقتي عن ظاهرة لافتة في مجموعتها المالية، حيث استقال عدد من المديرين التنفيذيين أصحاب الرواتب السخية للانتقال إلى شركات منافسة، وذلك لأسباب تتجاوز المال. وأوضحت أن السبب الرئيسي هو افتقادهم للتقدير، مستشهدة بحالة أحد الزملاء الذي قرر المغادرة بعد أن اعتاد مديره على الإشادة بزملائه متجاهلاً إسهاماته المتميزة.
وبصراحة، أعتقد أنني سأجد طرقاً لتحمل الأمر إذا كنت أتقاضى نصف ما يتقاضاه هذا الرجل. أيضاً، بما أن موسم المكافآت قد حل علينا، يجب القول إن المال لا يزال حافزاً قوياً، خصوصاً في مجال التمويل.
إلا أن صديقتي كان لديها ملاحظة مهمة، وهي أنه بمجرد أن يجني الشخص ما يكفي من المال لتلبية ما يعتبره الاحتياجات الأساسية، فإنه يميل بشكل أكبر لتقدير الجوانب غير المادية في العمل، مثل الثناء والتقدير.
بمعنى آخر، يمكن للأشخاص البقاء في وظائف تدفع أقل من متوسط سعر السوق إذا شعروا أن عملهم يتم تقديره بانتظام وعلى النحو الصحيح. ولنكون أكثر تحديداً، إذا تم تقديرهم مرة شهرياً على الأقل، فمن المرجح بنسبة 33 % ألا يبحثوا عن عمل في العام المقبل، حسبما كشفت بعض الأبحاث.
رغم ذلك هناك مؤشرات مثيرة للقلق، فقد انخفضت نسبة العاملين في الولايات المتحدة الذين يقولون إنهم تلقوا الثناء أو التقدير في الأيام السبعة الماضية على قيامهم بعمل جيد إلى أدنى مستوى لها منذ 15 عاماً في 2024، ما يعكس انخفاضاً في النسبة المئوية لمن يقولون إنهم سعداء للغاية بمكان عملهم.
وهذا يثير سؤالاً مهماً: لماذا لا يستخدم المديرون الثناء بمهارة أكبر؟ فمن الصعب التفكير في أي شيء آخر لا يكلفهم شيئاً من المال، ويستهلك قدراً تافهاً من الوقت، رغم ذلك يحقق الكثير، مثل بريد إلكتروني قصير أو دردشة موجزة للثناء على شخص ما. لماذا يتجاهلون أداة إدارية بهذه الفاعلية والتكلفة المنخفضة، خصوصاً للموظفين الذين لا تتم ملاحظة جهودهم إلا عندما يقعون في خطأ.
قد يبدو الأمر عاطفياً، لكن ذاكرتي ما زالت تحتفظ بذلك الموقف عندما كنت أعمل محررة للأخبار، وجاء أحد كبار المسؤولين التنفيذيين ليعبر عن إعجابه بقدرة فريقنا على تحويل نصوص غير مفهومة إلى تقارير واضحة وبسرعة. صحيح أن هذا كان في صميم عملنا، لكنه عمل غير مرئي بشكل كبير إلا عندما يقع خطأ يستدعي التصحيح.
والمفارقة أنه حتى الموظفين ذوي المناصب البارزة والرواتب المرتفعة يحتاجون للثناء، كما أن للتقدير من الزملاء قيمة خاصة. ودعوني أشارككم سراً: أحد أسباب تميز «فايننشال تايمز» كبيئة عمل رائعة، رغم حدة التنافس بين الموظفين، أن عدداً كبيراً منهم يحرص على إرسال رسائل شكر وتقدير لزملائهم حين يرون عملاً يستحق الإشادة.
يتميز هذا السلوك في «فايننشال تايمز» بتلقائيته، في حين تسعى شركات أكبر لتأسيس برامج رسمية لتشجيع التقدير، مثل تجربة شركة الطيران الأمريكية «جيت بلو» التي تحفز موظفيها على الإشادة بزملائهم المتميزين مقابل نقاط يمكن استبدالها بمكافآت متنوعة.
وتكشف دراسة لهذه المبادرة عن نتائج لافتة: فكل زيادة بنسبة 10% في معدلات التقدير تقابلها زيادة 3% في معدل استبقاء الموظفين. وهذه النتائج ليست بسيطة، خصوصاً إذا علمنا أن تكلفة استبدال موظف قد تصل إلى ضعف راتبه السنوي، ناهيك عن العمل الإضافي الذي يتحمله الفريق وتراجع المعنويات.
في النهاية، قد تكون خمس كلمات بسيطة مثل «شكراً على هذا العمل الرائع» كافية لإحداث كل هذا الفرق.