ما مدى التأثير المناخي على النمو الاقتصادي الهندي؟

هناك إجماع واسع على أن الهند ستكون صاحبة الاقتصاد الأسرع نمواً في العالم خلال العقد المقبل وربما لفترة أطول

باراج خانا

الكاتب هو مؤسس شركة «ألفا جيو» ورئيسها التنفيذي، وهو أيضاً مؤلف كتاب «المستقبل آسيوي».

اختتمت قمة «كوب 29» المناخية كما كان متوقعاً، بتعهد مخفف في اللحظات الأخيرة لدعم جهود التكيف المناخي في البلدان النامية.

تبعت ذلك انتقادات حادة من الوفد الهندي، الذي شجب قلة الأموال الموعود بها.

ويحق للهند أن تشعر بالقلق، فهي تواجه مزيجاً خطراً من التغيرات المناخية والضغوط السكانية، كونها دولة مكتظة بالسكان وفقيرة.

هناك إجماع واسع على أن الهند ستكون صاحبة الاقتصاد الأسرع نمواً في العالم خلال العقد المقبل، وربما لفترة أطول. وقد رفع البنك الدولي مؤخراً توقعاته لنمو الهند من 6.6% إلى 7% في السنة المالية المنتهية في 31 مارس القادم.

ومع ذلك، لا تزال الهند تواجه تحديات اقتصادية كبيرة، مثل بطء الإصلاحات الهيكلية، والحواجز التجارية، والتنظيم المفرط للقطاع المصرفي، إضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب.

وأغفلت التوقعات المتفائلة إزاء النمو، إلى حد شبه تام دور التغير المناخي، رغم التحوّلات البيئية التي بدأت تؤثّر على قطاع الشركات في الهند.

فأشارت شركة «زوماتو» الرائدة في توصيل الأطعمة إلى الإجهاد الحراري في معرض تفسيرها للأرباح الأقل من المُتوقعة في الربع الأول. أما عملاقة البنية التحتية «لارسن آند توبرو»، فقد قررت تغيير ساعات العمل بحيث تتكيّف مع الحرارة اللافحة.

ومن المفارقات أن تلوث الهواء في الهند، خلال انعقاد قمة «كوب 29»، سجّل مستويات قياسية، فأغلقت المدارس أبوابها وأُلغيت الرحلات الجوية. وتنوء آسيا ككل، وجنوب شرق القارة على وجه الخصوص، بالعبء الأكبر للتقلبات المناخية العالمية.

وتصدر عن الهند أكثر من نصف انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية، التي أدت بدورها إلى موجات حارة قياسية، وجفاف، وفيضانات، وأعاصير، وارتفاع لمستويات البحر.

ويقطن أكثر من 80% من التعداد السكاني للهند في مناطق تواجه خطر الكوارث الناجمة عن عوامل مناخية، بحسب ما أفصح عنه البنك الدولي.

وفي أكتوبر المنصرم، حذر مصرف التنمية الآسيوي من أن التغير المناخي سيتسبب في خسارة الهند ما يصل إلى 25% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2070. لكن هذا التقدير ليس واقعياً، لأن ثلث الناتج المحلي الإجمالي للهند مرتبط بالفعل بقطاعات متصلة بالطبيعة. وموجات الجفاف المتكررة تهدد الإنتاج الزراعي بشكل متزايد.

والحدث المائي الذي أطلق عليه «اليوم صفر» ضرب بالفعل تشيناي، وهو اليوم الذي تجف فيه كل مصادر المياه. كما أن موجات الحرارة تجهد شبكة الكهرباء المحلية. وزعم آخر استطلاعات الهند الاقتصادية الرسمية أن البلاد تنفق أكثر من 5% من الناتج المحلي الإجمالي على التكيّف المناخي.

من الجدير بالذكر أيضاً أن واحدة من أبرز الصادرات الهندية هي العمالة.

ولن تسرّع الضغوط المناخية إلا من هجرة العقول إلى بلدان تتسم بمناخ أكثر اعتدالاً ونقصاً بالأيدي العاملة، ما ستكون له هو أيضاً تداعيات اقتصادية.

أصبح من الواضح إذن أن التوقعات الاقتصادية للهند بنمو محايد مناخياً تحتاج إلى تصحيح في المنهجية.

وفي هذا الصدد، يحرز المجال الناشئ المسمى الاقتصاد القياسي المناخي تقدماً جيداً.

وأصدرت شركة «سويس ري» لإعادة التأمين تحذيرات بشأن التأثير الإجمالي الذي سيصيب الناتج المحلي الإجمالي العالمي جراء الضغوط المناخية المتزايدة.

وتضع مؤسسة «إس آند بي» في اعتبارها الأخطار المناخية، مثل ارتفاع مستوى البحر، والحرارة الشديدة، والفيضانات، في حساب الناتج المحلي الإجمالي الذي يواجه الخطر، وكذلك قدرة الدول على تفادي بعض من هذه الخسائر والاستجابة لها، استناداً إلى قواها الاقتصادية والمؤسسية.

لكن تأثير التغير المناخي على آفاق النمو للهند بحاجة أيضاً لإعادة النظر بصورة تامة.

وفي «ألفا جيو»، أجرينا حسابات للتوقعات المُنقّحة للناتج المحلي الإجمالي لكل ولاية على حدة، ووضعنا في اعتبارنا عوامل مثل الكثافة السكانية، وتركيب القطاعات الاقتصادية في الولاية، والانكشاف على الخطر المناخي، ومؤشرات مُركّبة مثل موثوقية شبكات الطاقة وتدابير السيطرة على الفيضانات.

وتشير تقديراتنا إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للهند سيرتفع من 3.97 تريليونات دولار في يومنا الحاضر إلى 7.75 تريليونات دولار بحلول عام 2030. ويقل هذا الرقم، بعد إضافة عنصر التغير المناخي بنحو 500 مليار دولار، عن توقعات وزارة المالية الهندية، التي تشير إلى نمو إجمالي إلى 8.26 تريليونات دولار بنهاية العقد الجاري.

وتُعد هذه خسارة هائلة لدولة نامية، ناهيك عن الخسارة البشرية التي يشكّلها هذا.

وتحتاج الهند إذن إلى اقتصاد قياسي مناخي يستند إلى بيانات أكثر تفصيلاً عن تأثير الكوارث الطبيعية على سلاسل التوريد والنشاط التجاري في الوقت الفعلي.

وسيكون هذا ممكناً بواسطة أساليب، مثل جمع صور الأقمار الصناعية للأضواء الليلية، وبيانات فورية للمعاملات التجارية.

لكن الصورة الرقمية للاقتصاد، مهما كانت دقتها، ستكون أقل فائدة مقارنة بالتدابير العملية، مثل السيطرة على الفيضانات، وتحلية المياه المالحة، ومراكز تبريد مجتمعية تضمن صحة السكان ومرونة البنية التحتية.

لن يتطلب تحقيق أحلام الهند بأن تكون قوة عظمى أقل مما أشرنا إليه.

ومع ذلك، فقد تظل الهند الاقتصاد الكبير الأسرع نمواً، بيد أن هذا لن يتحقق إلا إذا أصبح التكيّف المناخي أولوية استراتيجية للحكومة، والشركات، والمستثمرين أيضاً.