معركة «التسوق القضائي» تتجه إلى المحكمة العليا الأمريكية

ستيفانيا بالما - بروك ماسترز

توشك المحكمة العليا الأمريكية على النظر في قانونية «التسوق القضائي»، وهو تكتيك يلجأ إليه قطاع الخدمات المالية والشركات الكبرى الأخرى في تحدياتهم للوائح الاتحادية، حيث يسعون إلى المثول أمام قضاة يمكن أن يميلوا إلى الاقتناع بقضيتهم.

وتركز القضية المعنية، المقرر أن تعقد في منتصف يناير الجاري، على تحدي شركة «آر جي رينولدز للتبغ» لحظر إدارة الغذاء والدواء للسجائر الإلكترونية ذات النكهة. ويقول المحامون والمحللون إن هذه القضية قد تجبر المحكمة العليا على مواجهة قضية ساهمت في تقويض احترام النظام القضائي الأمريكي في السنوات الأخيرة، ودفعت إلى بذل جهود للإصلاح.

وقال بول جريم، أستاذ القانون بجامعة دوك والقاضي الفيدرالي السابق: «ليس من غير الأخلاقي أن يحاول الأطراف التقدم بطلب في المحكمة الأكثر ملاءمة». لكن إذا كان لدى الجمهور «تصور بأن القضاء لا يتصرف بشكل متسق مع الحقائق والقوانين خلال البت في القضايا، أو إن القضاة سياسيون بطبيعتهم... فإن ذلك يقلل ثقتهم في حياد المحاكم، وهذا يقوض سيادة القانون».

وعلى عكس معظم الدول الأوروبية، يتيح النظام القانوني الأمريكي مرونة كبيرة بشأن مكان نظر الدعوى القضائية، ما يسمح للمدعين والمدعى عليهم بالقيام بمناورة لاختيار ما إذا كان ينبغي للقضية أن تنظر أمام قضاة فيدراليين أو قضاة محليين، وما إذا كانت تندرج ضمن محكمة معينة داخل أي من النظامين.

وتاريخياً، انتقدت مجموعات الأعمال محامي المدعين لسعيهم إلى اختيار قضاة وهيئات محلفين متعاطفين للحصول على تعويضات مالية ضخمة. كما لجأت الجماعات الليبرالية ذات الاهتمام العام إلى تقديم طعونها ضد إدارة ترامب الأولى في ولايات ومحاكم لديها المزيد من المعينين الديمقراطيين.

لكن في السنوات الأخيرة، كانت هناك مناورات واضحة من قبل مجموعات صناعية قوية، حيث وجدت طرقاً للطعن في اللوائح الحكومية أمام محاكم تضم نسبة أكبر من القضاة المحافظين، خصوصاً الدائرة الخامسة، التي تشمل تكساس والولايات المجاورة.

على سبيل المثال، بينما كانت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية تدرس وضع قواعد إفصاح جديدة لصناديق الأسهم الخاصة وصناديق التحوط، قامت بعض أقوى الجهات في هذا القطاع بتأسيس مجموعة ضغط في تكساس. وعندما تم تمرير اللوائح استغلت المجموعة موقعها لتقديم الطعن أمام الدائرة الخامسة بدلاً من واشنطن، حيث كانت ترفع مثل هذه الطعون تقليدياً.

واستخدم القطاع المالي تكتيكات مماثلة للطعن في قواعد لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية المتعلقة بالبيع على المكشوف والمتطلبات الجديدة للمشاركين في سوق سندات الخزانة.

وقال سكوت دودسون، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو: «هذا النهج يستخدم من كلا الجانبين، لكنه لا يجعله صحيحاً أو مقبولاً».

ووفقاً لاستطلاعات «جالوب»، انخفضت نسبة الأمريكيين الذين يقولون إنهم يثقون في النظام القضائي بمقدار 24 نقطة مئوية خلال السنوات الأربع الماضية، لتصل إلى مستوى قياسي منخفض بلغ 35%. ويشمل هذا التراجع جميع الانتماءات الحزبية، وهو أكثر حدة مقارنة بالمؤسسات الوطنية الأخرى.

في قضية السجائر الإلكترونية، تشير قواعد الاختصاص عادة إلى أن الدعاوى التي ترفعها الشركات المصنعة ضد إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تنظر في الدائرة الرابعة في واشنطن العاصمة، التي تنظر في القضايا من ولاية كارولينا الشمالية، حيث يقع مقر شركة «آر جي رينولدز». رغم ذلك، تعاونت الشركة مع بائعي السجائر الإلكترونية بالتجزئة في تكساس ما أتاح لها رفع القضية أمام الدائرة الخامسة.

وقالت كريستين تشين زينر، المستشارة السياسية البارزة في منظمة «الأمريكيون من أجل إصلاح القطاع المالي»، وهي مجموعة تدافع عن حقوق المستثمرين: «إن الدائرة الخامسة ليست مجرد منتدى يعارض اللوائح التنظيمية، بل هي المكان الذي تلجأ إليه جماعات الضغط الصناعية للحصول على أحكام مواتية، سواء لإلغاء قواعد حماية المستهلك، أم تدابير مكافحة التمييز، أم ممارسات داعمة للمستثمرين». وأضافت: «هذه الدائرة مليئة بالساسة في عباءات القضاة، وليس قضاة».

ورغم أن غرفة التجارة الأمريكية عارضت في السابق جهود المحامين المدافعين عن الدعاوى الجماعية لاختيار القضاة عند مقاضاة الشركات، إلا أنها قدمت مذكرة لدعم السماح لبائعي السجائر الإلكترونية بمقاضاة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في مكان تواجدهم.

وقالت جينيفر ديكي، محامية بارزة لدى الغرفة: «الدعاوى ضد مؤسسات الحكومة الفيدرالية الولايات المتحدة مختلفة. بالنسبة للمواطنين العاديين، هناك عبء حقيقي، سواء كان مالياً أم غير ذلك، لمواجهة دعوى قضائية بعيداً عن مقرها أو عن المكان الذي نشأت فيه القضية. أما بالنسبة للحكومة، فإن هذا العبء يكاد يكون معدوماً».

وفي عام 2017، عندما تناولت المحكمة العليا الأمريكية قضية تتعلق بقواعد الاختصاص، شددت القواعد الخاصة بقضايا انتهاك براءات الاختراع، ما أدى لكبح ظاهرة شائعة آنذاك برفع هذه القضايا أمام القضاة في شرق تكساس. لكن خبراء قانونيين أشاروا إلى أن الحكم كان قائماً بالإجماع على صياغة قانون براءات الاختراع. ويتوقع العديد منهم أن تصدر المحكمة هذه المرة حكماً محدوداً ومماثلاً.

وأصدرت الهيئة القضائية الأمريكية، التي تقدم المشورة للقضاة الفيدراليين بشأن أفضل الممارسات، توجيهات جديدة بشأن التعيينات في القضايا بشهر مارس من العام الماضي، تهدف إلى التصدي للمدعين الذين يسعون لاختيار قضاة معينين. رغم ذلك، أكد محامون أن هذه التوصيات كانت استشارية، وأن بعض المحاكم رغم تعرضها لأشد الانتقادات اختارت عدم تغيير ممارساتها.

وقد يتم حسم هذه القضية في نهاية المطاف داخل الكونجرس، حيث قدم الجمهوريون والديمقراطيون سلسلة مشاريع قوانين تهدف إلى قمع هذه الممارسة، التي تسارعت خلال العقد الماضي مع تزايد الاستقطاب السياسي. ورغم أن أياً من هذه القوانين لم يتم إقراره بعد، فإن بعضها قد يعاد طرحه عندما يعقد الكونغرس الجديد جلساته.

وقالت زوي لوفغرين، عضوة مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي: «الانتقاء القضائي يسمح للشركات باختيار محاكم متعاطفة معها، ما يجعل من الصعب سماع أصوات الأمريكيين. هذه الممارسة تقوض الثقة في النظام وتخلق ميلاً لصالح الأقوياء».