لا تعاقبوا النساء على ترويج أفكارهن وأعمالهن

أنجلي رافال

تسلط تجربة روث هاندكوك، الرئيسة التنفيذية لشركة «أوكتوبس موني» في بريطانيا، الضوء على تحد خفي يواجه المرأة في عالم الأعمال.

فعند لقائها بمعارفها القدامى، غالباً ما تواجه مواقف محرجة عندما يقول لها من يقابلها من معارفها القدامى، أنا ألاحظ نشاطك على منصة التواصل «لينكد إن».

هذه التجربة ليست حالة معزولة، بل تعكس ظاهرة أوسع نطاقاً تؤثر على القيادات النسائية، حيث يجدن أنفسهن في مأزق بين ضرورة ترويج أعمالهن وأفكارهن من جهة، والتعرض لانتقادات محتملة بالتباهي من جهة أخرى.

وتشير هاندكوك إلى أن هذه المواقف، رغم أنها غير مقصودة، تولد حاجزاً نفسياً يمنع الكثيرات من النساء في المناصب القيادية من المشاركة الفعالة في المجال العام، خوفاً من اتهامهن بحب الظهور.

ويكشف واقع العمل الصحافي عن ظاهرة لافتة في عالم الأعمال، وهي تردد القيادات النسائية في الظهور الإعلامي. فمن خلال تجربتي كصحافية، لاحظت أن إقناع امرأة في منصب قيادي بإجراء مقابلة صحافية يمثل تحدياً أكبر بكثير من إقناع رجل في منصب مماثل.

وتتعدد أسباب هذا التردد. فبالإضافة إلى توجيه الطلبات الإعلامية إلى القلة القليلة من النساء في المناصب العليا، هناك عامل نفسي عميق يتمثل في الخوف من التعرض لانتقادات غير متوازنة. فالواقع يؤكد أن المرأة في المنصب القيادي تخضع لتدقيق أشد وتتعرض لمحاسبة أقسى من نظيرها الرجل، سواء من الجمهور أم الزملاء أم المستثمرين. وعادة ما يتم النظر إلى النساء في المناصب العليا على أنهن أكثر مجازفة، مما يجعل مدة بقائهن في مناصبهن أقصر من المدراء التنفيذيين الرجال.

وقد تجلى هذا الواقع في موقفين واجهتهما: الأول مع سيدة أعمال رفضت إجراء مقابلة بسبب تجربة سابقة مع انتقادات صحافية اعتبرتها ظالمة، والثاني مع قيادية أخرى اختارت المماطلة في تحديد موعد المقابلة، لتجنب الظهور الإعلامي.

وتكشف دراسة واقع المرأة في بيئة العمل عن معضلة عميقة تتمثل في المعايير المزدوجة التي تواجهها. فهي محكومة بمعادلة صعبة: إن اهتمت بمظهرها كثيراً اتهمت بالسطحية، وإن أهملته اتهمت بالتقصير. وإن أظهرت تعاطفاً كبيراً مع موظفيها قيل إنها عاطفية، وإن كانت حازمة قيل إنها تفتقد للمسة الأنثوية. وإن أظهرت طموحاً كبيراً وصفت بالأنانية، وإن اعتدلت في طموحها اتهمت بضعف الدافعية المهنية.

هذه الضغوط النفسية المتراكمة تدفع الكثير من النساء إما إلى الانسحاب المبكر من المناصب القيادية أو الإحجام عن قبولها أصلاً. وحتى مسألة ترويج الإنجازات المهنية تتحول إلى مصدر قلق إضافي.

في هذا السياق، تقدم تجربة روث هاندكوك نموذجاً إيجابياً للتغيير، إذ تحولت من التردد في الحديث عن نفسها إلى تبني موقف أكثر انفتاحاً، مؤكدة أن أهمية العمل تستحق التحدث عنه، وأن زيادة التمثيل النسائي في المناصب القيادية تستحق المجازفة بالظهور الإعلامي.

وأشارت هاندكوك إلى محدودية القيادات النسائية في القطاع المالي، خصوصاً من خريجات المدارس الحكومية، معتبرة أن مسؤوليتها الأخلاقية تحتم عليها أن تكون نموذجاً ملهماً للجيل القادم من النساء، لتثبت لهن أن رؤية النماذج الناجحة هي الخطوة الأولى نحو تحقيق النجاح.

غير أن هذه الرؤية لا تحظى بإجماع القيادات النسائية، حيث أوضحت أليزا ليخت، المختصة في مجال العلامات التجارية الشخصية، أن معظم القياديات تترددن في الظهور الإعلامي أو التفاعل عبر منصات التواصل الاجتماعي. ويعود هذا التردد إلى مخاوف عميقة من التعرض لتصورات سلبية أو فقدان المصداقية المهنية، إذ لا تزال هناك وصمة اجتماعية تربط الظهور الإعلامي بالسطحية.

ويكشف تحليل هذه الظاهرة عن بُعد ثقافي مهم. ففي حين تشجع الثقافة الأمريكية الإعلان عن الإنجازات المهنية والنجاحات المالية، تميل المجتمعات الأخرى، وخصوصاً البريطانية، إلى اعتبار ذلك نوعاً من التباهي غير المستحب. بل إن بعض المجتمعات تعاني ما يعرف بـ «متلازمة الخشخاش الطويل»، حيث يتعرض المتميزون والناجحون لمحاولات تقليل شأنهم من قبل المجتمع. ووفقاً لدراسة أجريت عام 2019، تميل النساء بشكل ممنهج إلى التقليل من قيمة إنجازاتهن وقدراتهن المستقبلية، حتى عندما يكون أداؤهن مساوياً لأداء زملائهن الرجال. وتزداد المشكلة تعقيداً لأن غياب الترويج الذاتي يؤدي إلى تهميش الفرص، إذ تميل المؤسسات تلقائياً إلى تفضيل الخيارات التقليدية المتمثلة في الرجال. وقد أكدت دراسة حديثة هذا التحيز في المجال الأكاديمي، حيث تقل فرص توصية النساء والأقليات للمناصب المرموقة.

وفي هذا السياق، تؤكد أليزا ليخت أن المطلوب ليس «الصراخ بالإنجازات من أعلى أسطح المباني»، بل اتباع استراتيجية تدريجية تبدأ بخطوات صغيرة مدروسة، مثل المشاركة في نقاشات متخصصة والظهور المحسوب في مناسبات مهنية مناسبة. فالحديث المتوازن عن الخبرات والتحديات المهنية والرؤى المتعلقة بالقطاع يمكن أن يؤسس لصورة قيادية مقنعة دون الوقوع في فخ التباهي المفرط.

وتضيف ليخت: «الأمر يتعلق بصياغة سردية أنيقة ومناسبة.. تحدثي عن المشكلات التي تحاولين حلها، تحدثي عن العمل، وليس بالضرورة عن نفسك».

واختتمت بقولها إن الترويج الذاتي قد يكون تحدياً للجميع، وخصوصاً لمن لا يمتلكون هذه المهارة بشكل طبيعي، إلا أن المجتمع مطالب بإعادة النظر في موقفه السلبي من القيادات النسائية اللاتي يعبرن عن آرائهن وإنجازاتهن.