أهم رجال المحاسبة يحذر من خفض المعايير

ستيفن فولي

أصدر باري ميلانكون، الملقب بـ«أهم رجل في مجال المحاسبة» بفضل خبرته الطويلة وترأسه للهيئة المهنية للمحاسبين في الولايات المتحدة، تحذيراً صارماً إلى خلفائه بعدم قبول المساومة على المعايير المهنية لاجتذاب مزيد من الأشخاص للعمل في هذا المجال.

وسيتقاعد ميلانكون هذا الشهر باعتباره أطول الرؤساء التنفيذيين للمعهد الأمريكي للمحاسبين العموميين المعتمدين «إيه آي سي بي إيه»، وهي الهيئة التي تشرف على مهنة المحاسبة التي شهدت تحولات كبيرة بفضل التكنولوجيا الجديدة والاستثمار في الأسهم الخاصة، لكنها تجد نفسها الآن في مواجهة أزمة توظيف.

وانخفضت أعداد المتقدمين لاختبار المحاسب القانوني المعتمد الذي يجريه المعهد على نحو حاد، مع انجذاب الشباب إلى الرواتب المرتفعة ومتطلبات القبول الدنيا في القطاعين المالي والتكنولوجيا، في التوقيت الذي تطالب فيه شركات المحاسبة بإجراء إصلاحات تجعل من الحصول على الرخصة أرخص وأسرع.

وفي حوار موسع أعرب ميلانكون عن شكوكه بشأن بعض ادعاءات الشركات، وقال إن السباق نحو «القاسم المشترك الأدنى» قد يعود من جديد ليطارد المهنة.

وقال: «نحن مهنة تحظى بثقة عالية في عالم لا يوجد فيه الكثير من المعايير التي تحوز على الثقة». وأضاف: «نحن نحتاج إلى أن نحترم الاحترام الذي نحظى به من الجمهور ومن مجتمع الأعمال ومن الجهات التنظيمية».

وألقت بعض الشركات باللوم على نقص المحاسبين في العيوب المحتملة التي تشوب بياناتها المالية، واشتكت بعض الحكومات المحلية الأمريكية والشركات من ازدياد الصعوبة في العثور على مدققي الحسابات.

وبعد مقاومته للضغوط من العاملين في المهنة بادئ الأمر، اقترح المعهد الأمريكي للمحاسبين العموميين المعتمدين في سبتمبر الماضي التخلي عن شرط حصول المحاسبين على ما يعادل خمسة أعوام من التعليم الجامعي، والمعروف باسم قاعدة 150 ساعة، أي عام إضافي فوق ساعات الدراسة الجامعية التي عادة ما تبلغ 120 ساعة.

وأوضح ميلانكون أنه كانت لديه شكوك في الحاجة إلى إجراء مثل هذا التغيير. وذكر: «رفعت قاعدة 150 ساعة مستوى مهنتنا، والتي كانت في سبعينيات القرن الماضي أقرب ما تكون إلى حرفة منها إلى مهنة. لقد رفعت هذه القاعدة جودة العاملين بالمهنة، وكذلك مكانة مهنتنا، وإنكار ذلك سيكون إنكاراً للتاريخ».

وكان ميلانكون أصغر رئيس للمعهد الأمريكي للمحاسبين العموميين المعتمدين حينما ترأسه عام 1995، وكان حينها يبلغ من العمر 37 عاماً، ولم يتردد في الماضي في الدفع نحو إجراء تغييرات. وأصر على حوسبة اختبار المحاسب القانوني المعتمد في وقت قاوم فيه بعض العاملين بالمهنة هذا الأمر، وجعل المؤهل متاحاً دولياً. كما دعم ميلانكون إنشاء أنظمة تدقيق وتقنيات أخرى يمكن مشاركتها مع شركات أخرى. وصنفته مجلة «أكاونتينج توداي» الشخصية الأكثر تأثيراً على المهنة، بشكل مستمر.

وتنطوي نقطة الخلاف الجديدة على تفاصيل التدريب أثناء ممارسة العمل، وهو الذي صممه المعهد الأمريكي للمحاسبين العموميين المعتمدين ليكون بديلاً عن الدراسة الجامعية لسنة خامسة للمرشحين لنيل شهادة المحاسبين القانونيين المعتمدين.

وكانت المجموعة التي تمثل أكبر شركات المحاسبة ترغب في اعتماد نظام أبسط اقترحته إحداها، والذي يطلب من المشرفين التصديق على أن المعينين حديثاً قد حصلوا على عشرات المهارات المحددة أو «الكفاءات».

ويقول المنتقدون إن خطة التدريب شديدة التعقيد، ومكلفة، وذاتية، لكن ميلانكون يرى أن ضمان تحلي المحاسبين الجدد بكفاءات بعينها كان ضرورياً لمنع وقوع «مشكلة القاسم المشترك الأدنى»، حيث قد يتسبب ممارس غير ماهر في الإضرار بسمعة المهنة. وأوضح: «الشركات لا تستخف باستثماراتها في الأفراد الذين يعملون لحسابها، لذا، فإن الأمر لن يشكل فرقاً كبيراً للسواد الأعظم من الشركات».

وتأتي التغييرات المقترحة على خلفية أماكن عمل تتطور بسرعة، وتقل فيها الحاجة إلى مجموعات كبيرة من الموظفين المبتدئين الذين ينجزون مهاماً متكررة، ووجود فرص جديدة للمحاسبين لاستخدام خبراتهم المالية والتجارية لمساعدة العملاء.

وتنبأ ميلانكون بأن «الوظائف المتاحة للمبتدئين ستقل بسبب التكنولوجيا، ولن يكون الشكل الهرمي التقليدي في شركة المحاسبة العامة هو الشكل المعمول به في المستقبل».

واستطرد: «يجب علينا تطوير الاستثمار في تعزيز الكفاءات لدفع العاملين بصورة أسرع إلى الجزء الأوسط من الشركة أو وظيفة التمويل، حيث تكون المهنة ذات قيمة كبيرة».

علاوة على ذلك، فإن مما يغير شكل المهنة هو بروز شركات الأسهم الخاصة التي حصلت على ثلث أكبر 30 شركة في الولايات المتحدة منذ عام 2022. وإضافة إلى الوعد بتمويل الاستثمار في التكنولوجيا، فقد قدمت الصفقات أرباحاً غير متوقعة للشركاء الأقدم وأسهم لتحفيز الشركاء من الشباب.

رغم ذلك، حذرت الجهات التنظيمية من أن ملكية الأسهم الخاصة تهدد موضوعية أعمال التدقيق، مبينة أن الحاجة إلى تعظيم الأرباح قد تخفض المعايير.

وعلق ميلانكون: «لا أعتقد أن الهيكل التقليدي للشراكة سيكون الطريقة الوحيدة التي يمكن لمهنتنا أن تعمل به». وفي حين رحب بمنهج التجريب، لكنه أضاف إن «أي شخص يظن أن صفقات الأسهم الخاصة ستكون مثالية ومكللة بالنجاح ليس على صواب».

وفي النهاية، رجح ميلانكون أن تجد شركات المحاسبة مستثمرين سيحتفظون بالأسهم على المدى الطويل وليس بيعها سريعاً. وفي نبوءته الأخيرة قبل تقاعده، استخدم ميلانكون اقتباساً احتفظ به في مكتبه طيلة عقود، وهو: «التغيير لن يكون بالبطء الذي هو عليه اليوم».