هل يحمل العام الجديد مفاجآت سارة للمستثمرين في الأسواق الأوروبية؟

سيمون نيكسون

الكاتب صحافي مالي ومحرر نشرة «ثروة الأمم»

مع انتهاء عام 2024، يخيم التشاؤم على مستقبل أوروبا، حيث تتزايد تشرذماً واستقطاباً على الصعيد السياسي. فألمانيا قد تبقى من دون حكومة مستقرة لما بعد انتخابات فبراير على أقل تقدير، بينما قد تضطر فرنسا للانتظار حتى نهاية ولاية الرئيس إيمانويل ماكرون عام 2027.

وتوقف النمو، ومن المتوقع أن ترتفع البطالة.

وأعاقت البيروقراطية المرهقة الاقتصاد، وارتفاع أسعار الطاقة، والتركيبة السكانية الضعيفة، والمنافسة المتزايدة في قطاعات التصنيع، والفشل في مواكبة التطورات التكنولوجية الصينية والأمريكية.

ويعاني جزء كبير من القارة من ديون مفرطة حتى في الوقت الذي تتعرض فيه الحكومات لضغوط لتقديم زيادات كبيرة في الإنفاق الدفاعي.

وأجمعت توقعات المحللين أن النمو الاقتصادي المتوقع سيكون بنسبة 1 % فقط في 2025، بل إن بعض المؤسسات المالية الكبرى، مثل بنك أوف أمريكا، تتبنى نظرة أكثر تشاؤماً، متوقعة نمواً لا يتجاوز 0.9 %. وحتى هذه التوقعات المتواضعة تستند إلى افتراض متفائل بأن دونالد ترامب، في حال عودته إلى البيت الأبيض، سيكتفي بفرض رسوم جمركية محدودة على أوروبا.

ويؤكد أحدث مسح أجراه البنك المركزي الأوروبي لآراء الاقتصاديين المستقلين أن المخاطر التي تواجه النمو تفوق بكثير فرص تحسنه.

وتقدم أسواق المال صورة واضحة لحالة التشاؤم تجاه الاقتصاد الأوروبي.

فرغم أن مؤشرات الأسهم الأوروبية تسجل مستويات قياسية، إلا أن أداءها يتخلف بشكل ملحوظ عن نظيرتها الأمريكية.

ويتم تداول مؤشر «يورو ستوكس 600»، وهو المؤشر الرئيسي للأسهم الأوروبية، بخصم تاريخي يصل إلى 40 % مقارنة بمؤشر «إس آند بي 500» الأمريكي، وذلك بناءً على توقعات الأرباح للعام المقبل.

وفي حين أن الأسر الأمريكية لم تكن قط أكثر تفاؤلاً بشأن الأسهم ومديري الصناديق الأمريكيين يحتفظون بسيولة نقدية أقل من أي وقت مضى، فإن مديري الصناديق العالميين يقللون من وزن الأسهم الأوروبية ولا يتوقع أحد أن تتفوق على الأسواق الأخرى في 2025، وفقاً لأحدث استطلاع أجراه بنك أوف أمريكا للمستثمرين.

لكن حالة التشاؤم العميق هذه قد تكون في حد ذاتها بارقة أمل، فعندما تصل التوقعات إلى مستويات متدنية للغاية، يصبح احتمال حدوث مفاجآت إيجابية أكبر.

فما هي العوامل التي يمكن أن تنقلب لصالح أوروبا في العام الجاري، وتبدد هذه الأجواء القاتمة؟

في الواقع، هناك أفكار عدة تتبادر إلى الذهن.

الأكثر إلحاحاً منها هو أن يتوقف البنك المركزي الأوروبي عن القلق من التضخم والتحول نحو سياسة نقدية داعمة للنمو بشكل حاسم.

ويعتقد جيل موك، كبير الاقتصاديين في مجموعة أكسا المالية العالمية، أن خفضاً كبيراً في سعر الفائدة من مستواه الحالي البالغ 3 % إلى 1.5 % أو أقل، سيعيد الثقة في قطاعات كانت تعاني العام الماضي، بما في ذلك العقارات والإنشاءات.

وسيدعم أيضاً المشروعات منخفضة الكربون، التي تحتاج إلى فترات زمنية أطول، فضلاً عن تخفيف الضغوط المالية التي تواجهها الحكومات الأوروبية.

ثانياً، احتمال التوصل إلى نهاية مبكرة للعملية العسكرية في أوكرانيا بشروط تقبلها كييف، سيبدد الغيوم الأشد قتامة التي خيمت على اقتصاد القارة طوال العامين ونصف العام الماضيين، خصوصاً إذا أدى ذلك إلى خفض أسعار الطاقة.

ومن المؤكد أن عملية إعادة إعمار أوكرانيا ودمجها في السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي ستوفر دفعة قوية للنشاط الاقتصادي في المنطقة.

ورغم أن هذه العملية ستستغرق وقتاً، إلا أن تأثيرها الإيجابي على معنويات المستثمرين والأسواق سيكون فورياً. ورغم أن التوصل لمثل هذا الاتفاق قد يبدو بعيد المنال حالياً، إلا أن التطورات الأخيرة في سوريا تذكرنا بمدى تقلب الأوضاع الجيوسياسية بسرعة غير متوقعة.

وهناك عامل محفز آخر يمكن أن يأتي من تخفيف «مكابح الدين» في ألمانيا.

وربما يستبعد فريدريش ميرتس، المرشح الأقوى لخلافة المستشار الحالي، هذا الخيار حالياً، خصوصاً قبل الانتخابات.

إلا أن الواقع العملي قد يفرض توجهاً مختلفاً. إذ يصعب تصور كيف سيفي حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بوعوده بزيادة الإنفاق العسكري وخفض الضرائب دون مزيد من الاقتراض.

وفي ظل تزايد الأصوات المؤيدة لإصلاح «مكابح الدين»، بدءاً من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل وصولاً إلى الرئيس الحالي للبنك المركزي الألماني، يبدو التحول نحو سياسة مالية أكثر مرونة أمراً مرجحاً.

ووفقاً لتقديرات هولجر شميدنج، كبير الاقتصاديين في بنك بيرنبيرج، فإن تطبيق برنامج طموح للإصلاحات الهيكلية في جانب العرض قد يرفع معدل النمو في الاقتصاد الألماني بما يصل إلى نصف نقطة مئوية في العام المقبل.

وقد تكون المفاجأة الإيجابية الأخرى هي إحراز تقدم في تنفيذ توصيات ماريو دراجي الأخيرة بشأن كيفية تعزيز القدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي.

والتوقعات منخفضة حالياً، خصوصاً بسبب المعارضة لأي إصدار جديد للديون المشتركة. رغم ذلك فإن الكثير من أجندة رئيس الوزراء الإيطالي السابق التي تهدف إلى إلغاء القيود التنظيمية لا تتطلب تمويلاً إضافياً أو حتى تشريعاً.

فضلاً عن ذلك، هناك دلائل تشير إلى أن المقاومة لإصدار ديون جديدة لتمويل الإنفاق الدفاعي ربما تضعف مع سعي أوروبا جاهدة لتوفير الأمن الخاص بها ومنع تهديدات ترامب بالرسوم الجمركية.

والأهم من ذلك، هناك مؤشرات على تراجع المعارضة لإصدار ديون جديدة مخصصة للإنفاق الدفاعي، وذلك مع تسارع الجهود الأوروبية لتعزيز قدراتها الدفاعية الذاتية واستباق تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية.

ويجادل البعض بأن غياب القيادة القوية، خصوصاً في فرنسا وألمانيا، يحد من احتمالات تحقيق إصلاحات في أوروبا.

لكن أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، أظهرت عكس ذلك، فقرارها بالسفر إلى البرازيل في الأسبوع الأول من ولايتها الجديدة لتوقيع اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي وميركوسور يعكس شجاعتها السياسية وسعيها لتحقيق ما يخدم المصالح الاقتصادية والجيوسياسية للاتحاد.

ويبدو أنها، على الأقل، تدرك خطورة المرحلة الراهنة، وتبدي استعداداً للارتقاء إلى مستوى التحدي. وربما يكون عام 2025 هو العام الذي تقدم فيه أوروبا مفاجآت إيجابية تتجاوز كل التوقعات المتشائمة.