الخيار المستحيل للاتحاد الأوروبي بشأن التجارة والتعريفات الجمركية

  آندي باوندز

تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية أعلى على السلع الصينية يزيد المخاطر التي تواجه اتحاداً يفتخر بالالتزام بالتجارة الحرة.

يواجه الاتحاد الأوروبي، الذي نشأ كمشروع سياسي يهدف إلى إزالة الحواجز التجارية، وضعاً معقداً، إذ يسرع وتيرة بناء الحواجز الجمركية بأعلى مستوى له منذ 15 عاماً، لكن وبالسرعة نفسها التي يبني بها دفاعاته ضد الواردات الصينية الرخيصة، هبت عليه عواصف جديدة نسفت توازن هذا التكتل مرة أخرى.

ويبني تهديد دونالد ترامب بفرض رسوم تصل إلى 60 % على البضائع الصينية على سبيل المثال حاجزاً جمركياً أعلى حول الولايات المتحدة، أكبر من أي شيء يخطط له الاتحاد الأوروبي.

هذا الإجراء، إن استمر فيه الرئيس الأمريكي المنتخب، سيحول مسار البضائع الصينية من الولايات المتحدة نحو أوروبا، ما يجبر «بروكسل» على اتخاذ خيارات دفاعية أكثر تشدداً.

إنه وضع مستحيل بالنسبة لاتحاد كان يفخر بمساندته للتجارة الحرة، فكل حاجز يقيمه يمكن أن ينقذ بعض الوظائف المحلية، لكنه سيقلل أيضاً من القدرة التنافسية لصناعات أخرى من خلال رفع أسعار الواردات.

ومع استحواذ الصين الآن على 30 % من الإنتاج الصناعي العالمي، فإن التأثيرات ستكون كبيرة على منتجات الاتحاد الأوروبي، من السيارات الكهربائية إلى معجون الطماطم الإيطالي.

تشتكي الصناعات المعرضة للخطر، مثل مصنعي الصلب والألياف الزجاجية، من أن الاتحاد الأوروبي لم يبنِ دفاعات تجارية بالسرعة أو بالقوة الكافية لحمايتها. ويقول لوران روسمان، الشريك في RB Legal وخبير الدفاع التجاري: «نحن نقترب من نقطة تحول بالنسبة لصناعات عديدة».

من جهة أخرى، يضغط من يريدون المدخلات الصينية الرخيصة للحفاظ على انخفاض أسعار منتجاتهم، مثل مصنعي الطلاء، ضد الإجراءات الجمركية، وقد فرض الاتحاد الأوروبي بالفعل رسوماً على ثاني أكسيد التيتانيوم، وهو مكون رئيس، ما يقلق مصنعي الطلاء من اضطرارهم إلى استيعاب التكلفة أو خسارة المبيعات.

وقال سيمون إيفينيت، أستاذ الجغرافيا السياسية والاستراتيجية في كلية إدارة الأعمال IMD، إن التعريفات الجمركية دائماً ما تضيف تكاليف إلى الشركات أو تضعها على المستهلكين. وأضاف: «معضلة أوروبا هي إما التضحية بالوظائف في مراحل الإنتاج النهائية من خلال فرض تعريفات على الواردات الصينية، أو مشاهدة المنتجين الأوروبيين ينكمشون بسبب التقاعس عن العمل.

عندما يتعلق الأمر بالحمائية، يتضرر طرف ما دائماً». وتجادل Aegis Europe، التي تمثل الصناعات الثقيلة مثل الصلب والمواد الكيميائية، بأن الاتحاد الأوروبي يقف على الحياد. وتغطي إجراءات الدفاع التجاري نسبة أقل بكثير من واردات الاتحاد الأوروبي مقارنة بالتكتلات التجارية الأخرى.

ورغم ارتفاع عدد التعريفات في الكتلة إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2009، وذلك بسريان 141 تعريفة في عام 2023، إلا أن الولايات المتحدة وأستراليا وكندا لديها حماية أكبر بعشر مرات إذا ما قورنت بإجمالي الواردات.

وتؤكد Aegis في تقرير أن «الادعاءات بأن مصنعي الاتحاد الأوروبي يستخدمون الدفاع التجاري كأداة حمائية لن تصمد أمام التدقيق». واستجابت «بروكسل» لخطوة طلبتها Aegis، بتسجيل الواردات تلقائياً عند فتح تحقيق تجاري. ويمكن بعد ذلك تطبيق التعريفات بأثر رجعي إذا رغبت بروكسل في ذلك، ما يمنع تخزين السلع خلال التحقيق، الذي يستغرق شهوراً، لتجنب ارتفاع الأسعار.

لكن حتى مع وجود التعريفات، تميل الصين إلى إيجاد طرق للالتفاف عليها، فمنذ أن فرض الاتحاد الأوروبي رسوماً لمكافحة الدعم في عام 2010 على الألياف الزجاجية المستخدمة في البناء وتوربينات الرياح وصناعات أخرى، ضاعف المنتجون الصينيون حصتهم في السوق.

وبعد فرض التعريفات، بدأت الواردات في الارتفاع من مصر، حيث افتتحت شركة Jushi الصينية المملوكة للدولة مصنعاً هناك، ما دفع بروكسل في النهاية إلى فرض تعريفات على مصر أيضاً.

ويقول لودوفيك بيراو، الرئيس التنفيذي لشركة 3B ورئيس Glass Fibre Europe، إن التعريفات كانت منخفضة للغاية في النهاية، ويضيف: «لا تستطيع الشركات التي تعمل ضمن اقتصاد سوق مثل اقتصادنا تحمل الهجمات المستمرة من المنافسين الصينيين المدعومين من الدولة».

ويشعر قطاع الصلب بالضغط الأكبر، حيث أعاقه ضعف الطلب وارتفاع تكاليف الطاقة والتنظيمات التي تجبره على الاستثمار للقضاء على انبعاثات الكربون.

وصل إنتاج الصلب إلى أدنى مستوى له على الإطلاق، 128 مليون طن، في عام 2023، وفقاً لـ Eurofer. وقد فرض ترامب تعريفات على المعدن في ولايته الأولى في محاولة لحماية ناخبيه في قلب الصناعة الأمريكية، ويمكن أن يعيد تفعيلها في غضون أيام من عودته.

وقال أكسل إيجرت، مدير عام لـ Eurofer: «علينا أن نقرر ما إذا كنا نريد صناعة صلب أوروبية أم لا». وأضاف أن صانعي السيارات، الذين يحظون الآن بحماية جزئية من تدفق واردات السيارات الكهربائية الصينية الرخيصة والمدعومة بزعمهم من بكين، يحتاجون إلى الصلب الأوروبي. وبينما قد تغريهم العروض الصينية الأرخص لخفض تكاليفهم، «فبمجرد أن نختفي، سيرفع الصينيون الأسعار».

وقد يميل الاتحاد الأوروبي إلى إعادة فتح المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن «نادي الصلب الأخضر»، الذي سيسمح بالتجارة الحرة بين الأعضاء مع فرض رسوم على غيرهم.

وقد رفضت بروكسل هذه الفكرة في السابق باعتبارها تتعارض مع قواعد منظمة التجارة العالمية، لكن كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي يلمحون الآن إلى أنهم قد يكونون مرنين في تفسير القواعد. في هذه البيئة العدائية، قد يجد حتى الملتزمون بمبادئ التعددية التجارية صعوبة في التمسك بمبادئهم.