عدم المساواة لم يرتفع، لكن الإحساس به ازداد
جون بيرن-موردوخ
إنه لأمر غريب، ففي الفترة من نحو 1980 إلى أواخر التسعينيات من القرن الماضي، شهد العالم المتحدث باللغة الإنجليزية انفجاراً في القلق بشأن عدم المساواة، في اتساق مع اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء على جانبي المحيط الأطلسي. لكن زيادة حادة ثانية في القلق العام من التفاوت في الدخل خلال العقد الماضي، حدثت خلال فترة لم تظهر فيها غالبية المقاييس زيادة أو حتى انخفاضاً طفيفاً.
عند الحديث عن عدم المساواة، فإننا نعني قياس مدى التباين بين أعلى وأسفل الهرم الاجتماعي. ويظهر معامل «جيني» لعدم المساواة في الدخل، الذي يعبر عن العدالة الشاملة للتوزيع، ثباتاً أو انخفاضاً خلال العقدين الماضيين في بريطانيا وأمريكا وجزء كبير من أوروبا الغربية. وينطبق الأمر نفسه على النسبة بين أرباح أعلى وأدنى 10 % من السكان، بل إنها في الواقع آخذة في الانخفاض.
إذن لقد انفصل القلق العام بشأن فجوات الدخل بوضوح عن الواقع المقاس، لكن لماذا؟ ترجح إحدى النظريات أن ما يشعر به الناس حقاً هو التباطؤ الأخير في النمو الاقتصادي. وهذا صحيح على الأرجح، لكنني أعتقد أن هناك شيئاً آخر قد يكون له تأثير أيضاً.
يمكنك التفكير في النسبة بين أعلى وأقل الدخول كنتيجة لنسبتين: الفجوات بين الأعلى والوسط وبين الوسط والأدنى. وقد اتضح أن ثبات أو انخفاض الفجوة المجمعة يخفي قصصاً متناقضة في هذين النصفين من المعادلة.
وقد اتسع التفاوت بين الدخل في القمة والوسط منذ مطلع الألفية الجديدة، وهو ما يتطابق مع ما يشعر به الجمهور. ولكن في الطرف الآخر من الطيف، ضاقت الفجوة بين القاع والوسط بشكل ملحوظ.
منذ أواخر التسعينيات، شهد أصحاب الدخول الأدنى أسرع نمو في الأجور في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وكانت الزيادات المستمرة في الحد الأدنى للأجور جزءاً كبيراً من هذه القصة في بريطانيا. وفي كلا البلدين، استفاد العمال ذوو المهارات المنخفضة (وعانى العمال ذوو المهارات المتوسطة) من تفريغ الوسط في توزيع الوظائف، إضافة لضيق سوق العمل بشكل عام.
إذن، لم نشهد زيادة في عدم المساواة الكلية. القصة بالنسبة للأقل أجراً جيدة بشكل قاطع، لكن بالنسبة لغالبية الناس الذين يقعون في مكان ما في المنتصف، يمكن القول إن الاتجاهين المتباعدين اجتمعا لخلق وضع غير مريح على الإطلاق. إذا نظرت الطبقة المتوسطة إلى الأعلى، فإن الأغنياء يبتعدون أكثر. وتبدو الحياة في القمة بعيدة المنال أكثر من أي وقت مضى. لكن إذا نظرت إلى الأسفل، فإن القاع يرتفع بسرعة.
وهذه الزيادة المتزامنة بين الاستياء وعدم الاستقرار هي مزيج خطير، ويمكن أن يكون قد غذى بالتأكيد تيارات سياسية خفية.
فالمهن التي كانت تعتبر طموحة في السابق أصبحت في وضع حرج. في بريطانيا، انحدر الأطباء والممرضون وضباط الشرطة جميعاً في تصنيفات الدخل في السنوات الأخيرة. وفي الولايات المتحدة، يتقاسم الوظائف الأعلى أجراً، وبشكل متزايد، عدد قليل من المهن ذات المكانة العالية للغاية. ويشكل العاملون في التكنولوجيا الآن واحداً من كل 6 من فئة الـ5 % الأعلى في الرواتب، وذلك ارتفاعاً من واحد من كل 20 عام 1990. ولم تكن أي مجموعة واحدة تتمتع بهذه الهيمنة في الماضي.
هذا مهم لأننا نميل إلى التفكير في أنفسنا كأعضاء في مجموعات، وليس كأفراد فقط. في الثمانينيات، لم تتطلب 40 % من الوظائف الأعلى أجراً في أمريكا شهادة جامعية. وشملت المستويات العليا من سلم الدخل كثيراً من المهندسين والأطباء، ولكن أيضاً كبار معلمي المدارس والعاملين الأكثر مهارة في المصانع والبناء. ويمكن لأشخاص من جميع أنواع الخلفيات بجميع أنواع مجموعات المهارات أن يحلموا بالنجاح.
اليوم، يهيمن على الجزء العلوي من المقياس العاملون في التكنولوجيا والرعاية الصحية ذوو المهارات العالية.
ويتطلب ما يقرب من نصف الوظائف العليا شهادة جامعية متقدمة. ويعرف جزء كبير من السكان في سن مبكرة إلى حد ما أنهم لا يسيرون على هذا الطريق. لنكن واضحين: هذه التحولات عضوية وليست متعمدة. تتغير الاقتصادات.
ترتفع المهن وتنخفض في المكافآت والهيبة. إنها حكاية قديمة قِدَم الزمن. لكن هذا لا يعني أنه يجب تجاهلها.
إن إحصائيات عدم المساواة المجمعة لها بالتأكيد مكانها، لكنها يمكن أن تخفي فروقاً دقيقة مهمة. وقد تكون هذه أكثر فائدة في شرح كيف يختبر جزء كبير من السكان الاختلافات في الفرص والنتائج. قد لا تتسع الفجوة بين الأغنى والأفقر، لكنه ليس من غير المنطقي أن تشعر الطبقة المتوسطة بأن مكانتها في المجتمع في انحدار.