هل البحوث الاستثمارية منطقية في عصر الذكاء الاصطناعي؟

«يمكن للنماذج اللغوية الكبيرة أن تتفوق على المحللين في بعض النواحي لكن الحدس البشري لا يعوض»

خوان لويز بيريز

رئيس سابق لوحدة الأبحاث العالمية في مورجان ستانلي ورئيس سابق لمجموعة الأبحاث والبيانات والتحليلات في «يو بي إس»

عرف الراحل «بايرون وين»، أحد الاستراتيجيين البارزين في الأسواق خلال التسعينيات، أفضل الأبحاث بأنها توصيات لا تحظى بإجماع الرأي العام، ثم يتبين لاحقاً أنها صحيحة.

فهل يمكن للذكاء الاصطناعي اجتياز اختبار «وين» للأبحاث المفيدة، ما يجعل وظيفة المحلل زائدة على الحاجة؟ أو هل يمكن للذكاء الاصطناعي، على الأقل، أن يزيد احتمال أن تكون التوصية صحيحة بنسبة تزيد على 50% من الوقت؟

في الواقع، يجب أن نفهم أن الهدف الوحيد لمعظم تقارير المحللين هو تفسير البيانات المالية والأخبار، لتسهيل عمل المستثمرين. هنا، تسهل النماذج اللغوية الكبيرة عمل المحللين، أو حتى تحل محلهم.

بعد ذلك، يتم بذل جهد كبير في التنبؤ بالأرباح. ولأن الأرباح تميل إلى اتباع أنماط في غالبية الوقت، أي أن الأعوام الجيدة تتبع أعواماً مثلها والعكس صحيح، فمن المنطقي أن يعمل الذكاء الاصطناعي عملاً في هذه المنطقة أيضاً.

ولأن النماذج لا تحتاج إلى أن من يسمعها لتلفت انتباهه بتوقعات غريبة، فإن معدل تحيزها وضجيجها الأقل يمكن أن يتفوق على غالبية تقديرات غالبية المحللين خلال الفترات التي يكون فيها عدم اليقين محدوداً.

لقد كتب الأكاديميون عن هذا الأمر قبل عقود، لكن الممارسة لم تظهر في غالبية الأبحاث. ولتوسيع الممارسة، كانت هناك حاجة إلى إتقان الإحصاءات المتقدمة أو بناء شبكة عصبية، وهي مهارات نادراً ما يمتلكها المحللون.

لكن التغيير جار على قدم وساق. عمل الأكاديميون في جامعة شيكاجو على تدريب نماذج لغوية كبيرة لتقدير تباين الأرباح. وتفوقت هذه النماذج اللغوية الكبيرة على متوسط تقديرات المحللين.

وتعد النتائج مذهلة، لأن النماذج اللغوية الكبيرة تولد رؤى من خلال فهم سرد بيان الأرباح، لأنها لا تتمتع بما يمكن أن نسميه المنطق العددي، وهي ميزة الخوارزميات ذات التدريب المحدد جداً. كما تتحسن توقعات النماذج عند توجيهها إلى محاكاة الخطوات التي يقوم بها كبير المحللين. مثل محلل متدرب جيد، إن أردت.

لكن المحللين يواجهون صعوبة في قياس المخاطر. ويعود جزء من المشكلة إلى هوس المستثمرين بالحصول على مكاسب مؤكدة حتى أنهم يضغطون على المحللين لتقديم توصيات وكأنها يقينية، رغم غياب التأكيد عنها. والحل المختصر هو ثني التقديرات أو المضاعفات ودفعها طفيفاً لأعلى أو لأسفل. وفي أفضل الحالات، ومن خلال أخذ سلسلة من المواقف المماثلة في الاعتبار، يمكن أن تساعد نماذج اللغة الكبيرة.

وإذا عملنا على تعديل «درجة حرارة» النموذج، وهي مؤشر على عشوائية النتائج، يمكننا إجراء تقدير إحصائي لنطاق المخاطرة وحجم العائد. علاوة على ذلك، يمكننا أن نطلب من النموذج أن يعطينا تقديراً لثقته في توقعاته. وربما، وعكس ما يتبادر إلى الذهن، قد يكون هذا السؤال الخطأ الذي يمكن أن نوجهه إلى غالبية البشر. فنميل إلى التحلي بثقة مفرطة في قدرتنا على التنبؤ بالمستقبل. وحينما تبدأ توقعاتنا في الانحراف إلى الخطأ، فليس من غير المألوف أن نبدأ في زيادة التزامنا بها. ومن الناحية العملية، عندما تصدر شركة ما «قائمة بالتوصيات المؤكدة»، يحسن بك حينها التفكير مرتين قبل اتباع النصيحة بشكل أعمى.

وقبل أن نتخلى عن المحلل، يتعين علينا الاعتراف بحدود الذكاء الاصطناعي. ومثلما تحاول النماذج إعطائنا الإجابات الأكثر منطقية، لا يتوجب علينا انتظار منها اكتشاف الشركة الناجحة التالية على غرار «إنفيديا»، أو توقع وقوع أزمة مالية عالمية أخرى، لأن هذه الأسهم أو الأحداث تخالف أي اتجاه معروف. ولا يمكن حتى للنماذج اللغوية الكبيرة أن تشير إلى شيء «يستحق وضعه في الاعتبار» فيما يتعلق بإعلان الأرباح، لأن الإدارة يبدو أنها تتفادى مناقشة معلومات ذات قيمة. ولا يمكن للنماذج اللغوية الكبيرة توقع تقلبات الدولار، بسبب المشاحنات السياسية. والسوق ليس مستقراً، والآراء حوله تتغير باستمرار. نحن بحاجة إلى الحدس والمرونة لدمج المعلومات الجديدة في وجهات نظرنا، وهي مميزات أبرز المحللين.

هل يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز حدسنا؟ ربما! يمكن للباحثين المغامرين استخدام هلوسات نماذج اللغة الكبيرة لصالحهم من خلال زيادة عشوائية استجابات النموذج. سيؤدي هذا إلى ظهور كثير من الأفكار يمكن التحقق منها. أو بناء سيناريوهات «ماذا لو» جيو سياسية تستخلص المزيد من الدروس البديلة من التاريخ أكثر مما يمكن أن يقدمه جيش من الخبراء.

وتشير الدراسات المبكرة لوجود إمكانات في كلا النهجين. ويعد هذا أمراً إيجابياً، نظراً لأن أي شخص كان عضواً في لجان استثمار يدرك مدى صعوبة طرح أفكار بديلة. ولكن يجب الحذر، فمن غير المرجح أن نشهد «شرارة عبقرية»، وسيكون هناك الكثير من الأفكار غير المجدية التي يجب التخلص منها.

هل من المنطقي أن يكون لدينا قسم مناسب للبحوث أو متابعة توصيات أحد أبرز المحللين؟ نعم، الأمر منطقي. لكن يجب علينا أيضاً افتراض أنه يمكن أتمتة بعض العمليات، والبعض الآخر يمكن تحسينه، وأن الحدس الاستراتيجي يشبه إبرة في كومة قش. من الصعب إيجاد توصيات لا تتمتع بالإجماع ثم يتضح أنها صائبة. وعلينا أيضاً إدراك أن هناك قدراً من المصادفة في عملية البحث عن ذلك.