الكوارث المناخية تستدعي حلولاً مبتكرة لدعم قطاع التأمين

باتريك جنكينز

يواجه مبدأ السوق الحرة تحدياً غير مسبوق في ظل أزمة تهدد مستقبل البشرية. فالتغير المناخي، وما يصاحبه من ظواهر جوية متطرفة، بات يشكل عائقاً كبيراً أمام قدرة شركات التأمين على مواصلة تقديم خدماتها لحماية الممتلكات من الكوارث الطبيعية مثل الحرائق والفيضانات.

وشهدت مدينة لوس أنجلوس كارثة طبيعية مدمرة هذا الشهر، حيث اجتاحت حرائق الغابات أرقى أحيائها السكنية، مخلفة دماراً في نحو 17 ألف مبنى. وتشير التقديرات إلى أن حجم الخسائر يتراوح بين 20 و30 مليار دولار.

وكشف تقرير صادر عن شركة «ميونيخ ري»، الرائدة عالمياً في مجال إعادة التأمين، أن العالم تكبد خسائر بقيمة 136 مليار دولار العام الماضي نتيجة الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات وحرائق الغابات والعواصف الرعدية الشديدة. وهذا الرقم يتجاوز بشكل ملحوظ المتوسط السنوي للعقد الماضي البالغ 110 مليارات دولار بعد تعديله وفق معدلات التضخم، ويغطي التأمين نحو نصف هذه الخسائر تقريباً.

ويشهد قطاع التأمين التجاري تحديات غير مسبوقة مع تراكم الخسائر وارتفاع الأقساط، لا سيما في المناطق الأكثر عرضة للكوارث المناخية، وأصبحت تكلفة التأمين تفوق القدرة على تحملها. وفي ولايات مثل كاليفورنيا، تسببت القيود التنظيمية على زيادات الأقساط في انسحاب شركات التأمين وإعادة التأمين من السوق.

وتشير تقديرات بنك «سيتي جروب» إلى أن شركات إعادة التأمين ستغطي أقل من 3% من خسائر حرائق لوس أنجلوس المؤمن عليها.
وتسعى ولاية كاليفورنيا إلى توفير شبكة أمان من خلال برنامج «كاليفورنيا فير بلان» الخاص بالولاية، والذي يقدم الحد الأدنى من التغطية التأمينية لأصحاب المنازل.

لكن هذا البرنامج لا يكفي لتغطية كل احتياجات المواطنين. وعلى المستوى الفيدرالي، تتدخل الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ لتوفير الدعم في مواجهة الكوارث الطبيعية، حيث تدير برنامجاً وطنياً للتأمين ضد الفيضانات. وقد ظهرت أهمية هذا البرنامج في مساعدة سكان ولاية فلوريدا بعد الدمار الذي خلفه إعصار ميلتون خلال الخريف الماضي.

لكن البرنامج يواجه تحديات مماثلة لتلك التي تواجهها شركات التأمين الخاصة، إذ اضطر لرفع أسعاره للحفاظ على استمراريته المالية. وعلى الرغم من الدعم الضخم من أموال دافعي الضرائب، والذي قدر بنحو 27 مليار دولار، وفقاً لمكتب المحاسبة الحكومي الأمريكي، ومع مضاعفة أسعار التأمين ضد الفيضانات، تشير التقديرات إلى أن 4% فقط من الأسر الأمريكية لديها تغطية ضد الفيضانات.

وإذا كانت الشركات التجارية غير قادرة على تحقيق التوازن المالي، وكانت البرامج الممولة من أموال دافعي الضرائب تواجه ضغوطاً في ظل الميزانيات الحكومية المحدودة، فما هي الخيارات الممكنة التي يمكن اللجوء إليها؟

يبدو أن أسبانيا قد وجدت حلاً مبتكراً لأزمة التأمين من خلال شركة «كونسورسيو دي كومبينساثيون دي سيجوروس» الحكومية. وتتميز التجربة الأسبانية بأنها لا تقوم على التدخل الحكومي كحل أخير عند فشل الشركات التجارية، بل تقوم على نموذج شراكة فعال مع شركات التأمين الخاصة.

وتفرض المؤسسة رسماً سنوياً قدره 7 يورو على كل 100,000 يورو من قيمة الممتلكات المؤمن عليها في البوالص التجارية، مما يتيح لها جمع إيرادات سنوية تتراوح بين 700 و800 مليون يورو. تستخدم هذه الإيرادات لتوفير تغطية ضد المخاطر الشديدة، بما في ذلك الكوارث الطبيعية وحوادث الإرهاب.

وتشير التقديرات إلى أن الفيضانات التاريخية التي ضربت منطقة فالنسيا الشرقية في خريف العام الماضي تتطلب دفع تعويضات تتجاوز 3.5 مليارات يورو. ومع ذلك، وبفضل إدارتها الناجحة على مدار سنوات، ما زالت المؤسسة تحتفظ باحتياطي يتجاوز 7 مليارات يورو.

وهناك نماذج مماثلة في دول أخرى للتعاون بين القطاعين العام والخاص في مجال التأمين، ففي نيوزيلندا، على سبيل المثال، يوفر برنامج التأمين ضد المخاطر الطبيعية تغطية تصل إلى 300,000 دولار للأضرار الناتجة عن الفيضانات والحرائق والعواصف من خلال شركات التأمين الخاصة.

وفي المملكة المتحدة، ابتكرت الحكومة نظام «فلود ري» الذي يقدم خدمات إعادة التأمين للشركات التي تتحمل مخاطر التأمين ضد الفيضانات في المناطق عالية الخطورة.

ويعتمد هذا النظام على تمويل مزدوج من أقساط إعادة التأمين ورسوم يدفعها القطاع. وفي الولايات المتحدة، توجد برامج مشابهة مثل مجموعة «سيتيزنز» غير الربحية، والتي تعمل بنظام مختلط من الأقساط والرسوم. لكن هذا النموذج الأمريكي يعاني من نقطة ضعف جوهرية، إذ يركز على ولاية واحدة عالية المخاطر، بدلاً من توزيع المخاطر على مستوى البلاد كلها.

وتتصدى هذه البرامج لمشكلة جوهرية متزايدة في التأمين التجاري، فمع التطور الكبير في تقنيات جمع البيانات وتحليلها، ترتفع القدرة على تحديد المخاطر بدقة لدرجة تهدد المبدأ الأساسي للتأمين المبني على تجميع المخاطر. فمعرفة المناطق المحتمل تعرضها للأعاصير تخلق حافزاً تجارياً لتجنب تقديم الخدمات التأمينية للسكان أصلاً.

وثمة إجراءات يجب اتخاذها للحد من المخاطر المناخية، فمن الضروري منع شركات البناء من تشييد المنازل في المناطق المعرضة للفيضانات، وإلزامها ببناء حواجز للنيران في المناطق المعروفة بخطر حرائق الغابات.

لكن مع تزايد المخاطر المناخية وتطور التحليل الإحصائي، يبدو أن النموذج الوحيد القادر على توفير حماية حقيقية للمجتمع هو الشراكات بين القطاعين العام والخاص؛ التي تجمع بين الكفاءة التجارية والبرامج الحكومية المحايدة للمخاطر (دون تمويل حكومي). لكن لا يمكن توقع تبني هذا النموذج قريباً في الولايات المتحدة، خاصة مع وجود رئيس معروف بتشكيكه في قضية تغير المناخ ومعارضته لتوسيع دور الحكومة.