تجميد المساعدات الأمريكية يثير أزمة تمويل عالمية كبيرة

ديفيد بايلينغ - آنو أديوي - مونيكا مارك - جو دانيالز - كريستوفر ميلر

تسعى منظمات الإغاثة والحكومات حول العالم بصورة محمومة إلى التعامل مع تداعيات تأثير التجميد المفاجئ للمساعدات الخارجية الأمريكية على أنشطتها، مع توقف مروحيات مكافحة المخدرات في كولومبيا بحثاً عن الوقود، وفي ظل مواجهة وسائل الإعلام في أوكرانيا خطر الإغلاق.

وبعد القرار المفاجئ بتجميد المساعدات الأمريكية لمدة 90 يوماً، والأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس دونالد ترامب في الأسبوع الماضي، تبذل منظمات الإغاثة والحكومات حول العالم جهوداً حثيثة لتقييم تأثيراته في أنشطتها.

ويرى غيودي مور، الوزير السابق للأشغال العامة في ليبيريا والزميل في مركز التنمية العالمي، وهو مركز بحثي يتخذ من واشنطن مقراً له، أن الموقف الجديد بشأن المساعدات الأجنبية قد يهدد النوايا الحسنة ويوحي إلى الدول بأنه لم يعد هناك «فرق بين الحلفاء والشركاء والأعداء». وأسهب: «يبلور هذا فكرة، مفادها أن أي تعامل مع الولايات المتحدة ليس فقط إلا صفقة».

وبعد احتجاجات عالمية، أوضح ماركو روبيو، وزير الخارجية الأمريكي، الثلاثاء الماضي، أن «برامج إنقاذ الحياة الأساسية» المرتبطة بالأدوية والغذاء والمأوى ستكون معفاة من هذا التعليق، ومع ذلك ما زالت منظمات الإغاثة الإنسانية حول العالم تحاول استكشاف مدى تأثرها بالقرار.

وواجه عدد أكبر من البرامج الدولية للتهديد جراء التعليق قصير الأمد للموازنة الفيدرالية الذي أعلنه ترامب، وهو القرار الذي تراجع عنه الأربعاء.

وذكرت إليزابيث هوفمان، المديرة التنفيذية للعمليات بأمريكا الشمالية لدى «وان»، وهي منظمة للدفاع عن تمويل الدول الفقيرة وتخفيف أعباء الديون عنها:

«نشعر بالتفاؤل لسماع أنباء عن وجود إعفاءات لبرامج إنقاذ الحياة، لكننا نظل قلقين بشأن وقوع ذلك في شراك الروتين والبيروقراطية».

وسلّطت بياتريس غرين غرينشتين، رئيسة الجمعية الدولية للإيدز، الضوء على التهديد الذي يواجه خطة الرئيس الأمريكية الطارئة للإغاثة من الإيدز، التي استثمرت أكثر من 110 مليارات دولار في علاج مرض الإيدز منذ عام 2003.

ويُنسب إليها الفضل في إنقاذ ملايين الحيوات في أفريقيا وأماكن أخرى. وأوضحت: «توفر هذه الخطة علاجات مضادة للفيروسات لأكثر من 20 مليون شخص». ولفتت إلى أن قطع التمويل سيسفر عن وفاة الكثير من الأشخاص ومعاودة فيروس الإيدز انتشاره.

ولم توفر وزارة الخارجية الأمريكية المزيد من التوضيحات منذ قرر روبيو تخفيف بعض القيود، بحسب مسؤول أمريكي، ورئيس إحدى المنظمات الإغاثية، اللذين لفتا إلى تلقّي الكثير من المنظمات بالفعل أوامر وقف العمل والشروع في تنفيذها في غياب المعلومات الإضافية، ما تسبب في أن تكون الإعفاءات غير ذات قيمة في هذه المرحلة.

وشكك الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب في المنطق الحاكم للكثير من المساعدات الأمريكية، التي وصلت 64.7 مليار دولار عام 2023، بحسب «وان»، أي ما يزيد على ربع مبلغ 223 مليار دولار الذي قدمته الدول الغنية في ذلك العام.

وذهب الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب إلى الإشارة إلى أن قدراً كبيراً من الإنفاق الأمريكي «متناقض مع القيم الأمريكية».

وصرحت تامي بروس، الناطقة بلسان وزارة الخارجية، بأن الولايات المتحدة «لن تواصل توزيع الأموال بصورة عمياء دون أن يكون هناك عائد على الشعب الأمريكي».

وأوضح مستشار للحكومة في سيراليون بغرب أفريقيا، التي توقفت فيها برامج رصد مرض جدري النسناس وفحوص فيروس نقص المناعة البشري على الفور بعد الأمر التنفيذي لترامب:

«نعتمد بشدة على الولايات المتحدة في تمويلنا، ويا لها من مشكلة كبيرة». وقال: «يتمثل أفضل سيناريو في الحصول على التمويل من مصادر أخرى».

ولفت مسؤولون إلى أن جهود الإغاثة في السودان من بين البرامج التي هددها قرار ترامب على الفور، حيث تسببت الحرب الأهلية منذ ما يقرب من عامين بالبلاد في أسوأ كارثة إنسانية على مستوى العالم، ويدنو ما يقرب من نصف السكان البالغ عددهم 49 مليون نسمة من المجاعة.

ولفت أمجد فريد، المستشار الخاص السابق للحكومة في السودان، إلى أن المطابخ المجتمعية الحيوية كانت تعتمد بكثافة على الدعم المُقدّم من المانحين.

وقال: «يفرض تجميد التمويل الأمريكي في الوقت الحالي تهديداً بأن يكون ملايين السودانيين معرضين لخطر مزيد من المعاناة، والجوع، وعدم كفاية الرعاية الطبية»، لكن لم يكن من الواضح ما إذا كان الإعفاء الذي أعلنه روبيو من شأنه إنقاذ مثل هذه البرامج.

وفي أوكرانيا، أكبر متلقية عالمياً للمساعدات الدولية منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، قدمت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مساعدات إنسانية بقيمة 2.6 مليار دولار، إلى جانب مساعدات تنموية بقيمة 5 مليارات دولار، علاوة على ما يزيد على 30 مليار دولار في هيئة دعم مباشر للموازنة.

وبالرغم من تأكيد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، عدم توقف المساعدات العسكرية الأمريكية، إلا أن عشرات المؤسسات الأوكرانية، التي تشمل وسائل الإعلام والمنشآت الطبية ومنظمات للمحاربين القدامى أفادت بتلقيها أوامر «وقف العمل».

وبالنسبة لكولومبيا، التي كان من المقرر تلقيها 380 مليون دولار هذا العام للتمويل الإنمائي ولمكافحة المخدرات، فقد تضررت هي الأخرى جراء هذا التجميد.

واستقبلت البلاد نحو 2.8 مليون مهاجر من فنزويلا، بحسب منظمة الهجرة الدولية، ولم تعد الكثير من المنظمات غير الحكومية التي توفر المأوى والغذاء والتأهيل قادرة على دفع مقابل هذه العمليات بسبب القرار.

كما تم تجميد الكثير من العمليات التي تضطلع بها الشرطة الكولومبية ويمولها مكتب مكافحة الشؤون الدولية لمكافحة المخدرات وإنفاذ القانون، خلال التجميد المؤقت للموازنة الفيدرالية الذي أقره ترامب.

والذي أُلغي في وقت لاحق. وصرح المسؤول: «لقد تأثر كل شيء، سواء مكافحة المخدرات، والاتجار بالحياة البرية، والاتجار بالنباتات، والتعدين غير القانوني، وتهريب المحروقات».

وحاول مسؤولون عن المساعدات تأكيد أهمية برامجهم، سواء في أنظمة الإنذار المبكر لأي جائحة تالية أو مكافحة الإرهاب عن طريق المشروعات الشبابية، باعتبار أنها تسهم في أمن الولايات المتحدة، ما يتوافق مع سياسة «أمريكا أولاً»، التي يتبناها ترامب.

وأشارت هوفمان من «وان كامبين» إلى أن «خطة الرئيس الأمريكية الطارئة للإغاثة من الإيدز ليست فقط برنامجاً للصحة العالمية فحسب، لكنها حجر أساس للأمن القومي الأمريكي، وتحمي الأمريكيين من التهديدات الصحية الناشئة»، مضيفة بالقول:

«سيستغل خصومنا هذه الفجوة في القيادة الأمريكية وسيروّجون معلومات مضللة من شأنها تقويض الثقة في الولايات المتحدة، وستضر بسمعتنا حول العالم».

وفي أفغانستان، حيث تعد الولايات المتحدة أكبر مانح للمساعدات الإنسانية، فقد هدد وقف التمويل المساعدات التي تحصل عليها النساء اللاتي تم إقصاؤهن من الحياة العامة منذ أن استولت طالبان على السلطة، خاصة الشابات من اللاتي ما زال بإمكانهن الحصول على التعليم الابتدائي.

وعلى المدى الطويل، ستكون البرامج الأكثر عرضة للتهديد هي تلك التي تخالف أوامر ترامب من أجل «إنهاء ثقافة الووك»، ووقف استخدام أموال دافعي الضرائب لتمويل ما دعاه مكتب الإدارة والموازنة بـ«مساواة ماركسية، وتحول جنسي، وهندسة اجتماعية مرتبطة بالاتفاق الأخضر الجديد».

وعلى الرغم من أن هذا التجميد ليس محل ترحاب، إلا أن بعض المدافعين عن هذه السياسة ذهبوا إلى أن القرار يأتي بمثابة تذكير بأن الكثير من الأنظمة الصحية والرفاهة تعتمد بشكل مفرط على المساعدات الأجنبية.

وقالت أيودي ألاكيجا، خبيرة الصحة العالمية من نيجيريا: «تعلم حكوماتنا حالياً أن أحداً لن يقدم المساعدة»، وأضافت: «إنهم بحاجة إلى البدء في تمويل المساعدات بأنفسهم والاستثمار في أنظمتهم الصحية والتعليمية».