مارتن وولف
تسعى راشيل ريفز، وزيرة الخزانة البريطانية التي تواجه ضغوطاً متزايدة، إلى رفع معدل النمو الاقتصادي في المملكة المتحدة، وهي محقّة في ذلك.
فقد توقع صندوق النقد الدولي أن يكون نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام أقل بنسبة 33% مما كان سيكون عليه لو استمرّ المسار الذي ساد بين عامي 1990 و2007.
ولدى ريفز عدد من الأفكار حيال ما ينبغي فعله لتحقيق هذا الهدف. وقد أوضحت في خطابها الأخير في مانشن هاوس أن من بين أولوياتها تحرير القطاع المالي من بعض القيود التنظيمية.
غير أن العواقب الوخيمة التي خلّفتها سياسة «الرقابة المرنة» التي انتهجتها حكومة عمالية سابقة قبل اندلاع الأزمة المالية العالمية لا ينبغي أن تُمحى من الذاكرة. ولهذا، لا بد من تحليل مقاربتها الجديدة من حيث الكُلف المحتملة والفوائد المتوقعة.
وللقيام بذلك على نحو سليم، ينبغي طرح سؤالين جوهريين: ما الهدف من تحرير القطاع المالي؟ وما تكلفة الوقوع في الخطأ عند اتباع هذا المسار؟
بالنسبة للسؤال الأول، فإن الهدف الطبيعي - وربما الغالب لدى العاملين في القطاع المالي - هو ببساطة توسيع هذا القطاع.
وهذا يبدو ملحّاً بصورة خاصة، نظراً لركود القطاع المالي منذ الأزمة المالية، رغم مساهمته الكبيرة في الاقتصاد حيث يشكّل نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي، حسب ما أشارت الوزيرة.
لكن لا ينبغي أن يكون هذا هو الهدف الأعلى، إذ إن القطاع المالي في نهاية المطاف قطاع خدمي. نعم، هو يوظّف الناس ويسهم في الصادرات، لكن مهمته الأساسية هي تقديم خدمات حيوية لباقي قطاعات الاقتصاد، كإدارة المخاطر، وتعزيز الابتكار، ودعم النمو.
أما محاولة توسيع القطاع المالي من خلال تشجيعه على تحمّل مخاطر فقد تؤدي في النهاية إلى أزمة مالية مدمّرة، تعد النقيض التام لما يجب أن يفعله صانعو السياسات الحكماء.
ويكفي أن ننظر إلى الآثار طويلة الأمد للأزمة المالية العالمية على استدامة المالية العامة والنمو الاقتصادي.
كما نعلم أن صناع القرار في هذا القطاع لن يأخذوا في الحسبان كامل تكاليف إخفاقاتهم الجماعية، ببساطة لأنهم لا يتحمّلونها بأنفسهم، بل تتحمّلها الدولة والمجتمع بأسره.
ولهذا السبب، فإن ما يصفه البعض داخل القطاع بأنه تنظيم «مرهق» هو في الحقيقة ضرورة لا بدّ منها.
لكن بالمناسبة هل تدرك إدارة ترامب هذه الحقيقة؟ لا. وهذا بحد ذاته أمر يثير القلق. وفي ظل هذا السياق العالمي، يجب على الحكومة البريطانية ألا تُكرّر الخطأ القاتل المتمثل في محاولة جعل القطاع المالي أكثر «تنافسية» من خلال تشجيع المغامرة المفرطة. فذلك لن يعزز الاقتصاد، بل سيُلحق به الضرر.
إذن، هل نهج الحكومة الجديد في التنظيم منطقي؟ الجواب هو: «إلى حدٍّ ما». فقد قالت راشيل ريفز: «أقوم بالتراجع عن الإجراءات التنظيمية التي بالغت في محاولتها القضاء على المخاطر». فهل هذا الطرح دقيق؟
حتى الآن، يبدو كذلك. لكن هناك مخاطر قادمة في بعض المجالات المهمة. وعلى سبيل المثال، تقوم ريفز بتقليص تكلفة التدخلات التي تقوم بها «هيئة التظلّمات المالية»، وتُلزم الجهات التنظيمية بتقليص أوقات الموافقات والتراخيص، وتُبسط ما يُعرف بـ«نظام المديرين التنفيذيين وشهادات الاعتماد». ولا يبدو أن أياً من هذه الخطوات يثير القلق.
كما أن المقترحات الرامية إلى تخفيف الأعباء عن البنوك المنافسة لا تبدو محفوفة بالمخاطر.
في المقابل، ثمّة ضغوط متزايدة من البنوك الكبرى لتخفيف متطلبات رأس المال، وإضعاف - أو حتى إلغاء - قواعد الفصل التنظيمي بين الأنشطة المحلية للبنوك الكبرى.
وحتى الآن، جاءت مقترحات وزيرة المالية في هذا المجال متحفظة وعقلانية. لكن ميل البنوك إلى الادعاء بأن القيود التنظيمية «مرهقة» سيزداد حتماً، وخاصة مع مرور نحو عقدين على الأزمة المالية العالمية.
ويجب مقاومة هذا التوجّه. فهناك سبب وجيه للاعتقاد بأن توسيع حجم البنوك الكبرى لن يسهم كثيراً في تعزيز النمو الاقتصادي البريطاني في المستقبل، إذ تُظهر بيانات البنك وصندوق النقد الدوليين أن نسبة أصول البنوك البريطانية إلى الناتج المحلي الإجمالي هي تقريباً ضعف النسبة لدى البنوك الأمريكية. فهل نحتاج إلى بنوك أكبر؟ أشكّ في ذلك.
والبنوك ليست هي الأولوية، بل الأولوية، كما تُدرك ريفز جيداً، هي زيادة استثمارات رأس المال المخاطر في الشركات البريطانية، من مرحلة التأسيس وحتى النضج.
لذلك، على صانعي السياسات أن يُركّزوا لا على تضخيم القطاع المالي بحد ذاته، ولا على إزالة القيود التنظيمية كيفما اتفق، بل على خلق قطاع مالي يُسهم فعلياً في دفع الابتكار والنمو. وعموماً، هذا ما تفتقر إليه بريطانيا اليوم.. وكل ما عداه يُعدّ ثانوياً.