أنجلي رافال - إيما جاكوبس - تايلور نيكول روجرز
تشهد الولايات المتحدة مؤخراً تراجعاً واضحاً في التزام الشركات ببرامج التنوع والمساواة والشمول، في خطوة تعكس المناخ السياسي السائد وتراجع الحماس الشعبي تجاه هذه المبادرات، وعلى سبيل المثال فقد تخلت شركات كبرى مثل ميتا وماكدونالدز وتارجت عن بعض أهدافها في هذا المجال، مما أثار ردود فعل متباينة.
ورغم تراجع بعض الشركات عن مبادرات التنوع، التي تهدف إلى تعزيز تمثيل الفئات المختلفة في سوق العمل والمناصب القيادية، تواصل أخرى دعمها بقوة، فقد صوت مساهمو شركة «كوستكو» تجارة الجملة بأغلبية كبيرة، لصالح استمرار جهودها في هذا المجال، كما أكد بنك «جي بي مورغان تشيس» التزامه بها، معتبراً أن الشمولية تعزز الأداء والابتكار.
وفي ظل الجدل السياسي الدائر حول برامج التنوع تسعى الشركات لتحقيق توازن بين الحفاظ على البرامج الفعالة، وتجنب استهدافها من النشطاء المحافظين، وأوضحت جيني جليزر، رئيسة مركز «كوكوال» لأبحاث التنوع، أن المخاوف القانونية والخطاب المتطرف يدفعان الشركات لإعادة تقييم سياساتها، لكنها غالباً ما تعيد صياغتها بدلاً من إلغائها، خاصة مع التوجه العام لضبط النفقات.
وبعد مقتل جورج فلويد عام 2020 انطلقت موجة من مبادرات التنوع في عالم الشركات، حيث دفعت هذه الحادثة المؤسسات إلى إعادة النظر بشكل جذري في سياساتها المتعلقة بالتوظيف والترقيات.
واتخذت بعض الشركات أهدافاً طوعية لزيادة تمثيل النساء والأقليات العرقية والمجموعات الأخرى، التي تعاني من نقص التمثيل، فيما استثمرت شركات أخرى في برامج تدريبية وشراكات مع مؤسسات متخصصة في دعم العمال من أصول أفريقية ولاتينية، كما اتخذت خطوات عملية تشمل ربط مكافآت المديرين التنفيذيين بتحقيق أهداف التنوع، وتعيين مديرين متخصصين لإدارة هذه البرامج.
وأكدت جويل إيمرسون، الرئيسة التنفيذية لشركة «بارادايم» لاستشارات التنوع، أن هذه البرامج حققت نتائج ملموسة، مستشهدة بتجربة شركة ميتا، التي نجحت في مضاعفة عدد موظفيها من الأمريكيين السود وذوي الأصول اللاتينية قبل الموعد المستهدف بعامين، محذرة من أن التراجع عن هذه السياسات يمكن أن يؤدي إلى خسارة سريعة للمكاسب المحققة، وهو ما لاحظته في بعض الشركات التي تخلت عن برامجها.
ورغم الزخم الذي اكتسبته برامج التنوع والمساواة والشمول فإنها سرعان ما واجهت موجة من الانتقادات، فقد رأى المعارضون أن هذه المبادرات تعطي الأولوية للعوامل الديموغرافية مثل العِرق والجنس على حساب الكفاءة المهنية، مما أدى إلى منح امتيازات غير عادلة لبعض الموظفين.
ورأى آخرون أن سياسات التوظيف والترقيات المرتبطة بالتنوع قد تمثل انتهاكاً لقوانين مكافحة التمييز، حيث تنطوي على تحيز ضد المتقدمين البيض أو الشركات التي يقودها الرجال.
كما تعرضت شركات مثل «ديزني» و«تارجت» و«بد لايت» لمقاطعات واسعة، بسبب حملاتها التسويقية، التي ركزت كثيراً على قضايا الشمول. من جهة أخرى اعتبر عدد من كبار القادة التنفيذيين أن هذه السياسات تشتت تركيز الشركات عن أهدافها الأساسية.
ووجدت بعض الشركات في سياسات ترامب دعماً لمواقفها، خاصة بعد أن أصدر فور تنصيبه سلسلة من الأوامر التنفيذية، التي ألغت برامج التنوع والمساواة والشمول الممولة اتحادياً، والتي كانت تهدف إلى تعزيز الفرص للفئات الأقل تمثيلاً.
وألقى الرئيس الأمريكي باللوم على هذه السياسات في حادث التصادم المميت بين طائرة تجارية ومروحية عسكرية فوق واشنطن.
ورغم استمرار دعم مبادرات التنوع يعترف البعض بوجود تحديات في تنفيذها، فقد أشارت مديرة الموارد البشرية في إحدى الشركات المالية إلى أن هناك حالة من الإرهاق المجتمعي تجاه النقاشات المتعلقة بالتنوع.
وقالت: «هناك ملل من الحديث المتكرر عن هذا الموضوع»، لافتة إلى تغير واضح في المناخ العام مقارنة بما كان عليه قبل خمس سنوات.
وكشف استطلاع للرأي أجرته مؤسستا «أكسيوس» و«هاريس» أن أكثر من نصف الأمريكيين المشاركين (57 %) لم يلمسوا أي تأثير لمبادرات التنوع والمساواة والشمول على حياتهم المهنية، بل إن 16 % منهم أكدوا أن هذه المبادرات شكلت عائقاً أمامهم.
كما أشار تقرير أصدرته الحكومة البريطانية السابقة العام الماضي إلى أن هذه البرامج تفتقر إلى الصرامة المنهجية، وتعاني من غياب آليات واضحة لقياس تأثيرها، مشيراً إلى أن «جمع البيانات والمعلومات الموثوقة في هذا المجال لا يزال نادراً».
في المقابل أظهر استطلاع أجرته شركة «أليكس بارتنرز» أن ثلثي المديرين التنفيذيين يؤمنون بالتأثير الإيجابي للمبادرات المرتبطة بالقضايا الاجتماعية - بما فيها التنوع والشمول وحقوق الإنسان - على الأداء الاقتصادي لشركاتهم.
ويستشهد مستشار أمريكي لإدارة المخاطر كان قد تعاون مع «وولمارت» و«جنرال موتورز»، بتجربة ماكدونالدز كنموذج لتطور برامج التنوع، حيث أطلقت الشركة في 2020 استراتيجية طموحة للتنوع الوظيفي.
والتزمت بتخصيص ربع إنفاقها للموردين الذين يتبنون التنوع، لكنها أعلنت هذا الشهر عن تغيير نهجها، مؤكدة استمرار التزامها بالتنوع، مع التخلي عن بعض الأهداف المحددة وإعادة تسمية قسم التنوع ليصبح «فريق الشمول العالمي».
وأوصى تقرير جديد صادر عن إرنست ويونغ بأن تتبنى الشركات نهجاً قائماً على البيانات لتعزيز التنوع، مشدداً على أهمية جمع البيانات بدقة، وتحليلها، وتحديد الأهداف بوضوح، لضمان تحقيق نتائج ملموسة.
وفي حين يتركز النقاش الحالي على موجة المعارضة المتزايدة في الولايات المتحدة، يتزايد القلق من احتمال امتداد هذا التحول في المواقف إلى القارة الأوروبية. وأشار مستشارون في قطاع الأعمال إلى أن العديد من الشركات البريطانية، وغيرها كانت قد وضعت في عام 2020 أهدافاً خمسية لبرامج التنوع، وها هي الآن تواجه استحقاق تجديد هذه الأهداف، في ظل متغيرات جديدة.
وأضاف أحد مستشاري شركات مؤشر«فوتسي 100» إلى أن بعض الشركات تواجه معضلة قانونية، حيث تتردد في تطبيق سياسات متباينة من منطقة إلى أخرى حول العالم.