جيليان تيت
حققت الوكالة الفيدرالية الأمريكية لإدارة الطوارئ إنجازاً تاريخياً قبل 3 أشهر، عندما قررت تضمين توقعات العلماء بشأن التغير المناخي في برامجها الإغاثية.
ويُعد ذلك خبراً إيجابياً من عدة جوانب. فقد أظهر إعصارا «هيلين» و«ميلتون» التكاليف البشرية والمالية الفادحة للكوارث الجوية. ومع ذلك، فإن المشكلة تتمثل في عدم ظهور هذا القرار إلا مؤخراً. والأسوأ من ذلك أن هذا التأخير يعطي كل الحق لدافعي الضرائب بالشعور بالغضب من الحكومة الأمريكية.
ولا يُعزى ذلك إلى الادعاءات الخاطئة التي قدمها الرئيس السابق، دونالد ترامب، وأشار فيها إلى منح الوكالة الأموال للمهاجرين. ولا يعود ذلك أيضاً إلى نظريات مؤامرة أخرى تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي وتحاول الوكالة دحضها، ولا يرجع إلى السجل المتباين والمؤسف للوكالة في مجابهة الكوارث السابقة، الأمر الذي يعكس جزئياً نقصاً بالغاً في التمويل.
يتمثل السبب الحقيقي للشعور بالغضب في أن قادة الولايات المتحدة كانوا بطيئين في الاعتراف بحقيقة التغير المناخي ووضع خطط للتعامل معه. وتسبب ذلك في عدم الاستعداد للكوارث، لا سيما بما أن النظام المالي شجّع الناس، عن غير قصد، على السكن في مناطق خطرة. وغالباً ما ينوء الفقراء بتكاليف هذه الإخفاقات السياسية، وليس الأغنياء، وهو ما تبرهن عليه المشاهد المفجعة القادمة من ولايتي فلوريدا وكارولاينا الشمالية.
فلماذا حدث ذلك؟ ينطوي الأمر على مزيج دقيق من العوامل الثقافية والسياسية والاقتصادية. وينشأ العامل الثقافي، منذ زمن الرواد، عن الميل إلى افتراض أن الأمريكيين بإمكانهم تطويع الظروف الطبيعية حسب الرغبة البشرية. لذا، يواصل الأثرياء بناء القصور في أماكن خلابة لكنها عُرضة للمخاطر البيئية، مثل تلك المطلة على الشواطئ. أما المجتمعات الفقيرة، فغالباً ما تيتم دفعها إلى العيش في مناطق خطيرة.
والأسوأ من ذلك، أنه بسبب هذا الانحياز الثقافي، عرضت شركات التأمين ومقدمي الرهن العقاري خدمات فيما مضى بأسعار «لا تضع في اعتبارها تماماً المخاطر المناخية»، حسب تقرير صادر عن مجلس الشيوخ. وحدث ذلك رغم أن وكالة إدارة الطوارئ وآخرون قدموا تأميناً احتياطياً بطريقة قللت من شأن هذه المخاطر.
ويدفعنا ذلك إلى مشكلة أخرى، وهي العامل السياسي. فقد تسبب إنكار بعض أركان اليمين الأمريكي للتغيرات المناخية في أن يكون الجدل بشأنه مستقطباً للغاية، مما يصعّب من فرض سياسات متكاملة. وتجدر الإشارة هنا إلى ما قاله دونالد ترامب للناخبين قبل شهرين، بضرورة عدم القلق حيال التغير المناخي، ما يعني أن هذا لن يؤدي إلا إلى مزيد من «العقارات المطلة على السواحل».
ونتيجة لذلك، انتقل الملايين إلى مناطق مُعرضة للتأثر بالمشكلات المناخية في الجنوب على مدى الأعوام الماضية، وبدوا وكأنهم غافلون عن المخاطر. ويكتشف ملّاك المنازل هؤلاء حالياً بدء شركات تأمين القطاع الخاص سحب التغطية في ظروف سيئة، أو أنها ترفع الرسوم بصورة كبيرة على الأقل، وسط موجة من إخفاقات التأمين.
قد يذهب أحد المتشائمين إلى أن هذه هي الطريقة التي تجبر بها الأسواق الناس على التكيّف. وقد يكون هذا هو الوضع بالفعل. لكن هذا النمط يشي إلى أن الكثير من الأسر الفقيرة صارت عُرضة للتأثر المالي بالصدمات الجوية. وتبدى، فيما بعد، أن غالبية المتأثرين بإعصار «هارفي» الذي ضرب ولاية تكساس في عام 2017، كانوا من غير المؤمّن عليهم. وفي حين كان يُفترض بوكالة إدارة الطوارئ تزويد الناس بشبكة أمان، لكنها استنفدت تقريباً موازنتها السنوية البالغة 42 مليار دولار، حتى قبل هبوب إعصار «ميلتون».
إذن، ماذا يتوجب على الرئيس التالي فعله؟ ثمّة حاجة إلى عدة تغييرات، أولها وأكثرها وضوحاً، أنه يجب على الحكومة التحذير مراراً من مخاطر التغير المناخي ووضعها في الاعتبار عند إقرار السياسات، وليس فقط وكالة إدارة الطوارئ. كما يتعين على الحكومة إطلاع الناس على حقيقة غير سارة بالمرة، ومُفادها أن نصف المنازل الأمريكية تقريباً، أو عدداً من المنازل تُقدر قيمتها بـ22 تريليون دولار، عُرضة لخطر الأحداث الجوية القاسية.
ثانياً: تحتاج الحكومة إلى سياسات تمكّنها من التكيّف الاستباقي. ويعني ذلك تشييد دفاعات مثل حوائط تسونامي في المناطق التي يمكن حمايتها، وتشجيع السكان على المغادرة عندما لا تكون إقامة مثل هذه الدفاعات ممكنة.
وسينطوي على ذلك اختيارات أخلاقية صعبة. وبحسب مركز نيو أمريكا للأبحاث: «يبدو نقل 20 مليون شخص مُعرضين لخطر ارتفاع منسوب البحار وحده أمراً شاقاً». لكن هذا سيكون أكثر سهولة إذا بدأت الحكومة الآن في التخطيط للأمر على المدى الطويل.
ثالثاً: ستكون هناك حاجة لتدابير إبداعية في تمويل وكالة إدارة الطوارئ، كما أن تقديم قدر من الدعم الحكومي للمخاطر غير المؤمّن عليها ضروري أيضاً.
رابعاً: من الضروري أن تتسم عمليات توزيع الإغاثة بالشفافية والعدالة. وبينما تدعي الوكالة أنها تدعم المجتمعات الفقيرة، لكن بحوث خبراء اقتصاد لدى الاحتياطي الفيدرالي كشفت عن وجهات أخرى، بأن سياسات التعويض وإعادة التوطين تصب في صالح الأثرياء، مما يثير خطر ردود فعل سياسية.
خامساً: يتعين على الساسة وقادة الأعمال استغلال الصدمة الحالية في دعم سياسات التخفيف من المخاطر المناخية، مثل التكنولوجيا الخضراء. وسيكون من الشائن أن تعزز هذه الصدمة نظريات مؤامرة مثل تلك التي يروج لها ترامب.
وثمّة تحديات بطبيعة الحال، إذ يخضع التأمين والإسكان للتنظيم على مستوى الولايات لا على المستوى الفيدرالي، ويتمتع الأثرياء بالمهارة في الاستفادة من عملية صنع السياسات، وقد يكون هناك مزيد من الإنكار للتغير المناخي حال فوز ترامب بفترة رئاسية ثانية الشهر المقبل.
إن توقعات الطقس الأمريكية على المدى الطويل ستبدو قاتمة، إذا لم يحدث تغيير في السياسات. ينبغي أن يكون إعصارا «هيلين» و«ميلتون» بمثابة ناقوس خطر. لذلك، نأمل أن يدرك الناخبون هذا الأمر.