الفائز ديميس هاسابيس يصر قائلاً: التكنولوجيا لا يمكن أن تحل محل عمل العلماء
مادوميتا مورجيا - مايكل بيل
اكتشف ديميس هاسابيس أنه فاز بجائزة نوبل في الكيمياء عندما تلقت زوجته - وهي أيضاً باحثة علمية - عدة مكالمات على سكايب لطلب رقم هاتفه بشكل عاجل. وقال هاسابيس، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة جوجل ديب مايند، قسم الذكاء الاصطناعي بشركة البحث العملاقة في وادي السيليكون، «لقد كان ذهني منهكاً تماماً، وهو نادراً ما يحدث، وكان الأمر أشبه بتجربة الخروج من الجسد».
وجاء فوز هاسابيس بجائزة نوبل في الكيمياء، والتي تقاسمها مع زميله جون جامبر، والكيميائي الأمريكي ديفيد بيكر، بعد حل مشكلة مستحيلة في علم الأحياء ظلت دون حل لمدة 50 عاماً: وهي التنبؤ ببنية كل بروتين معروف للبشرية، باستخدام برنامج الذكاء الاصطناعي المعروف باسم «ألفا فولد».
وبعد أن نجح في التغلب على هذا التحدي القائم منذ فترة طويلة، والذي له آثار واسعة النطاق في العلوم والطب، يوجه هاسابيس أنظاره إلى التغير المناخي والرعاية الصحية. وقال لصحيفة فاينانشال تايمز: «نريد أن نساعد في حل بعض الأمراض». ويعمل فريقه على ستة برامج لتطوير الأدوية مع شركات الأدوية إيلي ليلي ونوفارتس، تركز على أمراض مثل السرطان والزهايمر، وتوقع هاسابيس أن يكون لديه دواء مرشح للتجارب السريرية في غضون عامين.
وتتمثل مجالات التركيز الكبرى الأخرى لديه الآن في استخدام الذكاء الاصطناعي لتقديم نماذج أكثر دقة للمناخ، وتجاوز الحدود النهائية في أبحاث الذكاء الاصطناعي: باختراع ذكاء آلي يمكن أن يقف على قدم المساواة مع الذكاء البشري. وقال هاسابيس، الذي كان سابقاً عالم أعصاب ومصمم ألعاب فيديو: «عندما ننظر إلى الوراء بعد 10 سنوات، آمل أن يكون الذكاء الاصطناعي قد بشر بعصر ذهبي جديد من الاكتشافات العلمية في كل هذه المجالات المختلفة، وهذا هو ما دفعني إلى الذكاء الاصطناعي في المقام الأول حيث أرى أنه الأداة النهائية لتسريع البحث العلمي».
وجاء إعلان فوز ثنائي «ديب مايند» بالجائزة بعد يوم واحد من فوز زميله السابق في «جوجل» وهو عالم الذكاء الاصطناعي المخضرم جيفري هينتون بجائزة الفيزياء إلى جانب الفيزيائي جون هوبفيلد لعملهما على الشبكات العصبية، والتكنولوجيا الأساسية لأنظمة الذكاء الاصطناعي، التي تدعم الرعاية الصحية ووسائل التواصل الاجتماعي، والسيارات ذاتية القيادة.
والاعتراف باختراقات الذكاء الاصطناعي وتكريمها يسلط الضوء على عصر جديد في البحث، كما يؤكد أهمية دور أدوات الحوسبة وعلوم البيانات في حل المشاكل العلمية المعقدة في فترات زمنية أقصر بكثير، في كل شيء ومختلف المجالات من الفيزياء إلى الرياضيات والكيمياء إلى الأحياء. وقال هاسابيس: «من المثير للاهتمام أن لجنة نوبل قررت مثل هذا التكريم عبر جائزتين معاً»، لكن مثلما تجسد هذه الجوائز الوعود الكبيرة للذكاء الاصطناعي فإنها قد تقود إلى مزالق محتملة.
وكان هوبفيلد وهينتون رائدين في هذا المجال منذ أوائل الثمانينيات، وقال هينتون، الذي يبلغ من العمر 76 عاماً وترك جوجل العام الماضي، إنه لا يخطط لإجراء المزيد من الأبحاث. وبدلاً من ذلك يعتزم الدعوة إلى العمل على سلامة أنظمة الذكاء الاصطناعي، وكيفية تسهيل الحكومات لذلك.
في المقابل فاز ثنائي «ديب مايند» عن عمل تم الكشف عنه بشكل أساسي في السنوات الخمس الماضية، وهما يظلان متفائلين للغاية بشأن تأثيره المجتمعي.
وقال مانيش ساهاني، مدير وحدة جاتسبي في جامعة كوليدج لندن، وهو معهد بحثي يركز على التعلم الآلي وعلم الأعصاب النظري: «إن تأثير الذكاء الاصطناعي بشكل خاص على العلوم، وأيضاً على العالم الحديث على نطاق أوسع أصبح واضحاً للغاية الآن». وكان هينتون المدير المؤسس لوحدة جاتسبي في عام 1998، بينما عمل هاسابيس كباحث ما بعد الدكتوراه هناك في عام 2009، وفي النهاية قام بتأسيس «ديب مايند» من معهد «يو سي إل» في عام 2010.
وتابع ساهاني، وهو أيضاً أستاذ في علم الأعصاب: «يظهر التعلم الآلي في كل مكان، من الأشخاص الذين يحللون نصوصاً قديمة بلغات منسية، إلى الأشعة السينية، وغيرها من مجالات التصوير الطبي. وهناك مجموعة أدوات لدينا الآن من شأنها أن تدفع العلوم والتخصصات الأكاديمية إلى الأمام في جميع أنواع الاتجاهات المختلفة».
وقالت شارلوت دين، أستاذة المعلوماتية الحيوية البنيوية في جامعة أكسفورد، إن الإصدارات الأخيرة من برنامج «ألفا فولد» لها «تأثيراتها على جميع مجالات الطب والأحياء والعديد من المجالات الأخرى»، لأنها أساسية جداً للكائنات الحية.
وقال فينكي راماكريشنان، عالم الأحياء الذي فاز بجائزة نوبل في الكيمياء عام 2009 عن عمله المتعلق بتخليق البروتين: «كان الكثيرون متشككين عندما بدأوا، ولكن سرعان ما تفوقت برامجهم على جميع البرامج الأخرى للتنبؤ بهياكل البروتين»، «لقد غير ذلك مجالنا هذا بشكل كبير حقاً».
وقد تم استخدام برنامج «ألفا فولد» من قبل أكثر من مليوني عالم من بين أمور أخرى، لتحليل طفيلي الملاريا لتطوير لقاح، وتحسين مقاومة النباتات للتغيرات المناخية، ودراسة بنية المسام النووية - أحد أكبر المجمعات البروتينية في جسم الإنسان.
وقالت روزالين موران، أستاذة علم الأعصاب في كينجز كوليدج لندن، والرئيسة التنفيذية لشركة «ستان هوب أيه آى» الناشئة للذكاء الاصطناعي: «إن بناء الأدوات هو نشاط علمي للعمال ذوي الياقات الزرقاء.. إنهم غالباً ما يكونون أبطال العلم المجهولين. بالنسبة لي كان هذا هو الجزء الأكثر إثارة في الجائزة».
ورغم ذلك كله لا يزال «ألفا فولد» يعاني من أوجه قصور كما لفت مبتكروه في وقت سابق من هذا العام، بما في ذلك بعض «الهلوسات» حول «النظام الهيكلي الزائف» في مناطق الخلايا التي هي في الواقع مضطربة. والتحدي الآخر الذي يواجه استخدام الذكاء الاصطناعي للبحث العلمي هو أن بعض مجالات التحقيق المهمة قد تكون أقل ثراء من تحليل البروتين في البيانات التجريبية.
وبالنسبة لجائزة نوبل للفيزياء استخدم عمل هينتون وهوبفيلد مفاهيم أساسية من الفيزياء وعلم الأعصاب لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي، التي يمكنها معالجة الأنماط في شبكات المعلومات الكبيرة. وكانت آلة بولتزمان، التي اخترعها هينتون، قادرة على التعلم من أمثلة محددة بدلاً من التعليمات، ثم تمكنت الآلة من التعرف على أمثلة جديدة للفئات التي تم تدريبها عليها مثل صور القطط. ويشكل هذا النوع من برامج التعلم، والمعروفة باسم الشبكات العصبية، الآن الأساس لمعظم تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مثل برامج التعرف على الوجه، ونماذج اللغة الكبيرة، وهي التقنية، التي تدعم «تشات جي بي تي» و«جيميناي» من «جوجل». كذلك كان من بين طلاب هينتون السابقين إيليا سوتسكيفر، المؤسس المشارك والرئيس العلمي لشركة «أوبن أيه آي»، الشركة المصنعة لـ«تشات جي بي تي».
وقال هينتون، عالم الكمبيوتر وعالم النفس الإدراكي، خلال مؤتمر صحفي: «أود أن أقول إنني شخص لا يعرف تماماً المجال الذي يعمل فيه، ولكنني أرغب في فهم كيفية عمل الدماغ. وفي محاولاتي لفهم كيفية عمل الدماغ ساعدت في إنشاء تقنية تعمل بشكل مدهش».
كذلك، فقد أبرزت جوائز الذكاء الاصطناعي الطبيعة المترابطة للاكتشافات العلمية، والحاجة إلى تبادل البيانات والخبرات، وهي ظاهرة نادرة إلى حد كبير في أبحاث الذكاء الاصطناعي تحدث داخل المؤسسات التجارية مثل «أوبن أيه آي» و«جوجل». وتم استخدام مبادئ علم الأعصاب والفيزياء لتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي اليوم، في حين ساعدت البيانات التي تم إنشاؤها بواسطة علماء الأحياء في اختراع برنامج «ألفا فولد». وقالت ريفكا إيزاكسون، أستاذة الفيزياء الحيوية الجزيئية في كينجز كوليدج لندن، والتي كانت من أوائل المختبرين التجريبيين لبرنامج «ألفا فولد»: «لقد حل العلماء مثلي أشكال البروتين تقليدياً باستخدام طرق تجريبية شاقة يمكن أن تستغرق سنوات»، ومع ذلك كانت هذه الهياكل المحلولة، التي يودعها العالم التجريبي للاستخدام العام، هي التي استخدمت لتدريب «ألفا فولد».
وأضافت أن تقنية الذكاء الاصطناعي سمحت للعلماء «بالقفز للأمام للتحقيق بشكل أعمق في وظيفة البروتين وديناميكياته، وطرح أسئلة مختلفة وفتح مجالات بحثية جديدة بالكامل».
وفي نهاية المطاف، يظل الذكاء الاصطناعي ــ مثل المجهر الإلكتروني أو علم البلورات بالأشعة السينية ــ مجرد أداة تحليلية، وليس وكيلاً مستقلاً يجري أبحاثاً أصلية. ولذلك، يصر هاسابيس على أن التكنولوجيا لا يمكن أن تحل محل عمل العلماء.