هل ترغب «ستاربكس» في امتلاك مزارعها الخاصة للقهوة كما هي الحال مع عدد من صانعي القهوة الآخرين؟ فالسلسلة الشهيرة لا تمتلك سوى مزرعة قهوة واحدة في كوستاريكا منذ عام 2013، لكنها الآن بصدد التوسع في هذا المجال، وشرعت مؤخراً في شراء مزارع في غواتيمالا وكوستاريكا، كما تستثمر في مناطق أخرى ضمن «حزام القهوة» في كل من أفريقيا وآسيا.
إن التكامل الرأسي، خاصة فيما يتعلق بالمواد الخام، شهد فترات من الازدهار على مدار القرن الماضي على الأقل. لذلك، امتلك هنري فورد، عملاق صناعة السيارات وأحد أوائل المناصرين لهذا التوجه، مزرعة أغنام لتوفير الصوف اللازم لأغطية مقاعد السيارات، لكن العولمة والتجارة الحرة أديا إلى تراجع الحماس للتكامل بين الموردين والمنتجين.
وكانت حالات الفشل متكررة في هذا الصدد، لكن تفكيك التكامل جاء مكلفاً وفوضوياً. ومن الأمثلة على ذلك شركة «بومار»، التي ربما كانت أكبر مصنع للآلات الحاسبة في العالم في أوج ازدهار هذه الصناعة في أوائل سبعينيات القرن الماضي، فقد اشترت الشركة مصنعاً لإنتاج الدوائر المتكاملة الخاصة بها بموازاة انخفاض أسعار أجهزتها، ثم انهارت الشركة بعد عام.
وتعد مجموعة دوبونت للكيماويات مثالاً آخر، حيث لعبت دور المنقذ جزئياً بشرائها شركة «كونوكو»، لضمان استقرار إمداداتها من المواد الخام في عام 1979، لكن الجانبين قررا الانفصال بعد عقود لاحقة.
وقد تخلق العوامل الجيوسياسية في قطاعات بعينها نوعاً جديداً من التكامل الرأسي، ففي مجال الرقائق كان ظهور شركات تصنيع الرقائق «دون مصانع»، والتكلفة الهائلة لإنشاء مصانع لأشباه الموصلات، من أسباب انحسار رغبة شركات التكنولوجيا في أن تكون لديها إمداداتها الخاصة، لكن عملاقة التكنولوجيا الصينية «علي بابا» ونظراؤها بدأوا في سبر أغوار تطوير رقائق متقدمة، خاصة بعدما تسببت التوترات بين واشنطن وبكين في التضييق على صادرات أشباه الموصلات.
وفي الوقت ذاته تسببت المتطلبات الفنية في عودة كبرى الشركات إلى تصميم ما تريده داخلياً، إن لم يكن التصنيع أيضاً. وبدأت «أبل» في التخلي عن رقاقات «إنتل» لصالح الرقائق المصنوعة داخلياً في عام 2020. وفي هذا السياق صرح تيم كوك، الرئيس التنفيذي للشركة: «إن التكامل بين الأجهزة والبرمجيات ضروري لكل ما نفعله».
ودفع بروز تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي شركتي «ميتا» و«غوغل» إلى الرقائق المعتمدة على السيليكون المتخصص، وتعتمد «غوغل» على وحدات المعالجة المركزية، التي تصنعها شركة «إيه آر إم».
ويتباين تقبل المستثمرين للتكامل الرأسي مع مرور الزمن، لكن هذا النوع من السيطرة ليس على الشاكلة التي اتبعتها «فورد» فيما مضى. وينطبق الأمر ذاته على «ستاربكس»، التي لا تغطي المزارع التي تمتلكها الكثير مما هو ضروري لتلبية طلب 38,000 فرع، وتشتري قرابة 3 % من الإمدادات العالمية للقهوة.
ومع ذلك تتيح ممتلكات «ستاربكس» للشركة تجربة المسألة، بينما تحقق أهدافاً مفيدة بشأن الزراعة المسؤولة وتمكين المزارعين.
وبالمثل تمتلك «إنغكا غروب»، أكبر حاصلة على امتياز لـ «آيكيا»، 320,000 هكتار من الغابات في سبع دول، ما يعادل أربع مدن بحجم نيويورك.
ومن جديد يتعلق الأمر هنا بإعادة التشجير، وليس التكامل، إذ يعود 5 % فقط أو نحو ذلك من الخشب المقطوع إلى منتجات «آيكيا» عن طريق السوق المفتوحة. يعني ذلك أن هذا يأتي لصالح الجميع، وتعد الزراعة، سواء بالنسبة للخراف أو حبوب البن أو الأشجار، نطاق عمل مختلف كلياً عن تجارة التجزئة، سواء أكان الأمر لبيع الأثاث الذي يباع قطعاً منفصلة ثم تجمع لاحقاً أو جرعة الكافيين اليومية.