تداعيات كبيرة للانتخابات الألمانية على سياسات المناخ

سايمون موندي

قال روبرت هابيك، وزير الاقتصاد والمناخ الألماني المنتهية ولايته منذ أيام: «إن قولي إنني قلق هو تعبير مهذب عن واقع الأمور»، وذلك خلال حديثه عن توقعات السياسة الخضراء في أكبر اقتصادات أوروبا.

ولا يقتصر هذا القلق على هابيك وحده، فقد أثارت الانتخابات البرلمانية التي أُجريت يوم الأحد الماضي تكهنات بشأن مستقبل سياسات المناخ في ألمانيا، بعدما أنهت ائتلافاً حاكماً داعماً للمناخ استمر ثلاثة أعوام، وأتت بزعيم جديد للبلاد يركز بشدة على النمو الاقتصادي.

رغم ذلك، وعند مقارنة الوضع الألماني بالتغير الجذري في واشنطن، فإن التغير الذي سيطرأ على السياسة الخضراء الألمانية يبدو أقل حدة.

وأصبح ائتلاف الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي الذي يقوده فريدريش ميرتس، أكبر حزب في البلاد بعد انتخابات الأحد الماضي، حيث حصد 208 من 630 مقعداً في البرلمان.

وبالنسبة لميرتس، المحامي السابق في الشركات والبالغ من العمر 69 عاماً، والذي ترأس أعمال «بلاك روك» في ألمانيا، فقد تحدث بقوة في خضم حملته الانتخابية عن الحاجة إلى تنشيط الشركات الألمانية عن طريق تخفيف اللوائح التنظيمية والبيروقراطية.

وتزامن حديث ميرتس مع وعود بتفكيك بعض السياسات المراعية للمناخ التي أعلنها الائتلاف المنتهية ولايته بين الحزب الديمقراطي الاجتماعي، وهو يسار وسط، والحزب الديمقراطي الحر، وحزب الخضر الذي ينتمي إليه هابيك.

وفي برنامجه الانتخابي، تعهد حزب ميرتس بإلغاء قانون مثير للجدل يعود إلى عام 2023، ويهدف إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري في تدفئة المنازل.

كما تعهد الحزب بالعمل ضد العديد من اللوائح الخضراء في الاتحاد الأوروبي، خاصة تلك فيما يتعلق بتقارير استدامة الشركات، وحظر بيع السيارات ذات محركات الاحتراق الداخلي الجديدة بعد عام 2035.

وتسبب ذلك في دق جرس الإنذار بين المتخوفين من تراجع بروكسل عن سياساتها الخضراء، لكن توجه ميرتس نحو تفكيك هذه الأجزاء من إرث أسلافه سيقابل بقدر من التوازن، لأنه سيحكم بالشراكة معهم. ولتشكيل أغلبية برلمانية، سيكون على ميرتس تكوين ائتلاف مع الديمقراطيين الاجتماعيين، وهو الحزب الأكبر في الإدارة المنتهية ولايتها.

علاوة على ذلك، ركز البرنامج الانتخابي لحزب ميرتس بشدة على العمل المناخي والطاقة النظيفة.

ووعد بالحفاظ على هدف الوصول إلى صافي صفري للانبعاثات الكربونية بحلول عام 2045، وهو هدف تمت كتابته في القانون الألماني، أي قبل بقية دول الاتحاد الأوروبي بخمسة أعوام.

كما تعهد الحزب ببذل الجهود لتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، بما في ذلك من خلال توسيع نظام الشبكة الكهربائية للبلاد وتحسينها.

كما أشار البرنامج الانتخابي إلى الهيدروجين، والطاقة النووية، وابتكار تكنولوجي أوسع في الطاقة النظيفة، باعتبارها مجالات ذات أولوية.

وصمم الحزب برنامجه الانتخابي بحيث يلقي صدى لدى الناخبين الذين لا يزالون مهتمين بهذه المسائل، في حين أشارت استطلاعات الرأي إلى عدم إيلاء الناخبين اهتماماً كبيراً بالبيئة في انتخابات هذا العام مقارنة بانتخابات 2021، حيث حلت في المرتبة الرابعة بين أولوياتهم، وسبقها الهجرة والاقتصاد والسياسة الخارجية.

وعانى حزب الخضر من انخفاض أقل بكثير في حصة الأصوات مقارنة بالحزبين الآخرين في الائتلاف، وذلك بانخفاض دعمه بمقدار ثلاث نقاط مئوية فقط.

رغم ذلك، قابل هذا الانخفاض ارتفاع بمقدار أربع نقاط مئوية في نصيب حزب اليسار، وهو الأكثر طموحاً مقارنة بالخضر فيما يتعلق بالمسائل المناخية، ويرغب في تقديم موعد وصول البلاد إلى هدف صافي الانبعاث الصفري بعشرة أعوام إلى عام 2035.

على الجانب الآخر، حقق حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، الذي يرفض الأسس العلمية للتغير المناخي الناجم عن التدخل البشري، أكبر المكاسب، فصار ثاني أكبر الأحزاب في البرلمان بأكثر من 20% من الأصوات.

وحتى بمعايير اليمين الشعبوي، فإن موقف حزب البديل من أجل ألمانيا فيما يتعلق بالمشكلات المناخية يعد شديد التطرف. وفي حين سعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإيقاف بناء توربينات رياح جديدة، فإن البديل من أجل ألمانيا يرغب في إزالة التوربينات المشيدة بالفعل في البلاد، وهي التي توفر نحو ثلث الطاقة المولدة في البلاد.

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان بإمكان ميرتس تشكيل شراكة فعالة مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي في البلاد، وما إذا كان سيتمكن من إدارة المعارضة الشرسة للمبادرات الخضراء التي يتزعمها حزب البديل من أجل ألمانيا، لكن الدلائل المبكرة تشير إلى حرص الزعيم الألماني الجديد على التراجع عن بعض جوانب السياسة الخضراء، وقد ينشئ ذلك بعض الفرص الجديدة للأعمال والمستثمرين الذين يركزون على تحول الطاقة.

في هذا السياق، يجب أيضاً تذكر خيبة الأمل التي أعقبت مؤتمر الأطراف السادس عشر للتنوع البيولوجي «كوب 16» الذي عقد في مدينة كالي الكولومبية خلال شهر أكتوبر الماضي، فقد اضطر المتفاوضون المتعبون إلى الخروج من الجلسة العامة للحاق بطائراتهم العائدة إلى دولهم، بعد أن قضوا الليل كله في التفاوض، ليتم تعليق الاجتماع دون التوصل إلى اتفاق نهائي. الآن، تم استئناف المفاوضات من جديد في روما، حيث ستحاول الأطراف المتفاوضة أخيراً التوصل إلى اتفاق بشأن إطار عمل عالمي جديد لتمويل الطبيعة.

وقد انطلقت فعاليات القمة بإطلاق صندوق كالي الجديد، الذي تكون لجمع تمويلات من الشركات لدعم حماية الطبيعة واستعادتها. ولا يتبقى لنا إلا أن نرى ما إن كانت الأطراف ستشارك في التمويل.

وكان صندوق كالي هو الاتفاق الأبرز الذي توصلت إليه الدول في أكتوبر الماضي، حتى رغم إخفاقها في التوصل إلى اتفاق شامل يغطي النظام العالمي الأوسع لتمويل التنوع البيولوجي. واتفق المفاوضون على «وجوب إسهام الشركات التي تستخدم بيانات جينية مستمدة من الطبيعة بنسبة 1% من أرباحها أو 0.1% من إيراداتها للصندوق الجديد «كنسبة استرشادية».

ومن المتوقع للشركات العاملة في صناعات مثل المستحضرات الدوائية والتكنولوجيا الحيوية التي تستخدم هذه البيانات بصورة كثيفة أن تدفع حصتها العادلة.

وربما يحمل اتفاق الجهات الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي الذين يشملون كافة أعضاء الأمم المتحدة باستثناء الولايات المتحدة والفاتيكان، وزناً أخلاقياً، غير أنه لم يرقَ إلى فرض التزام قانوني على الشركات، كما لم تعلن أي من الشركات الكبيرة عن خطط لدفع أموال للصندوق.

وقالت أستريد شوميكر، الأمين العام التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي في مؤتمر صحافي إن «هناك عدداً من الشركات التي تنظر بصورة نشطة للغاية في دفع أموال إلى هذا الصندوق»، دون إعلانها أي تفاصيل إضافية. وفي حين أن مستوى المدفوعات المطلوب من الشركات سداده «ليس كبيراً بالنسبة لشركات فردية»، إلا أنها أضافت أن «القدرة على تعبئة الأموال في هذا الصندوق ستكون هائلة، إذا اجتمعت كل الشركات وأسهمت فيه».