تحديات تسويق فوائد الذكاء الاصطناعي بين موظفي الشركات

جانينا كونبوي

تحمل أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي وعوداً مغرية، فهي تسهم في تحرير وقت الموظفين، ما يُتيح لهم التركيز على الأعمال ذات القيمة المضافة العالية، وتبسيط العمليات المتكررة، وتعلم مهارات جديدة. ومع ذلك، تُشير تحليلات بيانات المسح الميدانية إلى أن العاملين لم يستوعبوا هذه الإمكانيات بشكل كامل بعد، وأن المؤسسات لا تُقدم الدعم الكافي لتمكينهم من الاستفادة من هذه التقنيات.

وكشفت بيانات حديثة حول استخدام روبوتات الدردشة القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى أن عوامل مثل المستوى التعليمي، والفئة العمرية، والمجال المهني الذي يعمل فيه الشخص تلعب دوراً محورياً في تشكيل موقفه وتفاعله مع تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل عام. ووفقاً لتقرير حديث صادر عن معهد السياسات العامة، فإن العاملين في المجالات المعرفية هم الأكثر عرضة للتأثر بهذه التقنية الجديدة.

وأظهر استطلاع لمركز بيو للأبحاث أن الشباب في الولايات المتحدة هم الأكثر استخداماً لهذه التقنيات في بيئات العمل، حيث قال 12% من الفئة العمرية بين 18 ـ 29 عاماً إنهم يستخدمون الذكاء الاصطناعي يومياً أو عدة مرات أسبوعياً، مقارنة بـ6% فقط ممن تتراوح أعمارهم بين 50 و64 عاماً.

كما أظهرت الدراسة اختلافات واضحة بناءً على مستوى التعليم، إذ أكد 13% من الحاصلين على شهادات دراسات عليا و12% من خريجي الجامعات أنهم يستخدمون الذكاء الاصطناعي يومياً أو بضع مرات أسبوعياً، مقارنة بـ5% فقط من الحاصلين على شهادة الثانوية العامة أو أقل. وبرزت الفجوة أيضاً بين كبار السن والعاملين ذوي المؤهلات الأدنى، حيث كانوا الأقل وعياً باستخدام الذكاء الاصطناعي في بيئات العمل.

وفي فرنسا، أظهر استطلاع أجرته شركة «إبسوس» أن 72% من الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً، و83% من المديرين التنفيذيين، و67% من الحاصلين على شهادات جامعية كانوا على دراية بماهية شات جي بي تي وأفادوا أيضاً بأنهم استخدموه بالفعل. ويميل الأشخاص الأكثر دراية بالذكاء الاصطناعي إلى التفاؤل بشأنه. ووفقاً لدراسة لمركز بيو، فإن العاملين في الوظائف التي يمكن أن تستفيد من الذكاء الاصطناعي، مثل العاملين في مجال التكنولوجيا، كانوا أكثر إدراكاً لفوائده. بينما أبدى العاملون في وظائف أقل أقل تعرضاً لهذه التقنيات حالة من التردد بشأن تأثيره.

وقالت إيما كيندرو، رئيسة قطاع التكنولوجيا في شركة «أكسنتشر» بالمملكة المتحدة وأيرلندا: «المستخدمون المنتظمون للذكاء الاصطناعي التوليدي يدركون أنه يمكن أن يحسّن تجربتهم في العمل، وتزداد توقعاتهم الإيجابية كلما زاد تفاعلهم معه». وأضافت أن أبحاث الشركة أظهرت أن المستخدمين اليوميين للذكاء الاصطناعي كانوا أكثر احتمالاً بما يزيد على الضعف لتوقع تحسينات في مجالات الإبداع والرضا الوظيفي، مقارنة بالمستخدمين غير المنتظمين.

وقد يتفاقم انعدام الثقة بسبب نقص التدريب. فعلى الرغم من وجود مؤشرات على استثمار الشركات في تطوير مهارات موظفيها، لا يزال العاملون يشعرون بأنهم لا يحصلون على الدعم الضروري لإتقان استخدام الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل. وسلط تقرير «القوى العاملة المستقبلية العالمية» الأخير الصادر عن شركة أديكو للتوظيف الضوء على هذه الفجوة. فبينما أفاد 48% من الـ35 ألف عامل المشاركين في الاستطلاع - ومعظمهم من ذوي المهن المكتبية - باستخدامهم للذكاء الاصطناعي يومياً - بارتفاع من 31% في العام السابق - لم يكمل سوى ربعهم التدريب اللازم.

وأوضحت جيه سي تاون إند، رئيسة شركة أديكو في المملكة المتحدة وأيرلندا، أن التكنولوجيا من الناحية التاريخية غالباً ما تتطور بوتيرة أسرع من قدرة الشركات على تقديم تدريب رسمي لموظفيها عليها. وقالت: «لقد لاحظنا أن الكثير مما يتعلمه الناس.. يأتي غالباً من التعلم الذاتي والتجريب». وفي «مؤشر القوى العاملة» لخريف 2024 الذي أصدرته منصة «سلاك»، أفاد نحو ثلث العاملين بأنهم لم يتلقوا أي تدريب على الذكاء الاصطناعي.

وعلى الرغم من التوقعات بأن يستحوذ الذكاء الاصطناعي التوليدي 15% من الإنفاق التكنولوجي هذا العام، فإن أقل من نصف المؤسسات التي شملها استطلاع شركة «أكسنتشر» عززت أنشطة التدريب على أساسيات الذكاء الاصطناعي أو المهارات التقنية. وتقول إيما كيندرو: «فوائد الذكاء الاصطناعي التوليدي لا تأتي من التكنولوجيا وحدها، بل من كيفية تمكين المؤسسات للأشخاص ذوي المهارات المتطورة وإعادة ابتكار العمليات باستخدامه».

ويحقق العاملون الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي تحسناً ملحوظاً في الإنتاجية، إذ كشفت دراسة «أديكو» أن قرابة 30% من العاملين الذين يوفرون وقتاً عبر استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي حول العالم يستثمرون هذا الوقت في التحقق من دقة أعمالهم وممارسة مهام تتطلب قدراً أكبر من الإبداع. كما أفاد أكثر من ربع المشاركين في الدراسة بأنهم أصبحوا قادرين على تحقيق توازن أفضل بين حياتهم المهنية والشخصية، إضافة إلى قدرتهم على الانخراط في التفكير الاستراتيجي بشكل أعمق.

وحذّر لويس-ديفيد بينيايير، الأستاذ المشارك في كلية الأعمال الفرنسية «إي إس سي بي»، من أن تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي أدى في بعض الحالات إلى انخفاض مستوى الرضا عن العمل بسبب انخفاض الجانب الإبداعي في العمل. وعندما يساعد في توفير الوقت، قد يستغله أرباب العمل ببساطة في تحميل الموظفين المزيد من المهام.

ويرى كارل-بينيديكت فراي، أستاذ الذكاء الاصطناعي والعمل في معهد الإنترنت التابع لجامعة أكسفورد، أن الذكاء الاصطناعي لا ينبغي أن يُستخدم فقط لأداء المهام الحالية بكفاءة أكبر. موضحاً بالقول: «يمكنك فقط استخراج قدر محدود من العصير من كل ليمونة»، لافتاً إلى أن التحدي الحقيقي يكمن في قدرة الذكاء الاصطناعي على أداء مهام جديدة تماماً لم تكن متاحة من قبل. ويضيف: «الشركات التي تسعى للإجابة عن هذا النوع من الأسئلة هي الأكثر احتمالاً أن تكون في طليعة المبتكرين.. وأن تستمر في توظيف العمالة البشرية».

وتختلف نظرة المجتمعات حول العالم تجاه الذكاء الاصطناعي، فوفقاً للبيانات المستخلصة من «مرصد الذكاء الاصطناعي 2024» الذي أجرته شركة إبسوس، والذي شمل البالغين في 32 دولة حول العالم، يميل سكان الأسواق الناشئة إلى الاعتقاد بشكل أكبر بأن زيادة استخدام الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير إيجابي على وظائفهم خلال السنوات الثلاث إلى الخمس القادمة.

ويعزى هذا الاتجاه إلى الحماس المشترك بين مختلف الفئات العمرية: ففي إندونيسيا على سبيل المثال، نجد أن نسبة الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 50 ـ 74 عاماً الذين يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي سيحسن وظائفهم تفوق نسبة من هم دون سن 35 عاماً. وفي المقابل، سجلت اليابان وكوريا الجنوبية نسباً متدنية جداً من الأشخاص عبر الفئات العمرية الثلاث جميعها الذين يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي سيجعل وظائفهم أفضل.

وتشير دراسات المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية في الولايات المتحدة إلى أن معدل تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي يبدو أسرع من التقنيات الرقمية السابقة، لكن تأثير الذكاء الاصطناعي على العمل لا يزال مجهولاً — والكثير من العاملين لم يختبروا بعد تأثيرات هذه التكنولوجيا.

وبحسب بينيايير، فإن المواقف قد تتغير لأنه على الرغم من الضجة الإعلامية المحيطة بالذكاء الاصطناعي التوليدي ونماذج تعلم اللغة، هناك فجوة زمنية بين ظهور التكنولوجيا وكيفية انتشارها في العمل اليومي.