زيادة المخاوف بشأن «ستار لينك» تعزز التوجه نحو مزيد من الإنفاق على الأقمار الصناعية الأوروبية
يؤدي تصاعد ردود الفعل السلبية تجاه الملياردير الأمريكي إيلون ماسك إلى تحفيز قوي لقطاع الفضاء الأوروبي، والذي يعاني من الركود والتباطؤ، حيث بدأت دول عدة بإعادة النظر في مدى اعتمادها على شركة «ستارلينك»، المالكة لنظام للأقمار الصناعية والتابعة للملياردير الشهير الذي يحظى بتأييد الرئيس الأمريكي ترامب.
ففي إيطاليا واجه عقد بقيمة 1.5 مليار دولار أبرمته البلاد مع «ستارلينك» لتوفير الاتصالات العسكرية معارضة داخلية كبيرة. كما تراجعت مقاطعة أونتاريو الكندية عن اتفاق مماثل مع الشركة بقيمة 100 مليون دولار .
وفيما يخص أوكرانيا، تشعر الحكومات الأوروبية بقلق متزايد حيال اعتمادها الكبير على شركة «ستارلينك» في مجال حيوي من جهودها العسكرية، خاصة فيما يتعلق بالاتصالات الميدانية والتحكم بالطائرات المُسيّرة. ولهذا السبب، بدأت تلك الحكومات بالفعل مفاوضات مكثفة مع أربعة مشغلين آخرين للأقمار الصناعية من أجل توفير بدائل مستقلة.
ومن بين أبرز الشركات المشغلة التي دخلت المفاوضات شركتا «إس إي إس» في لوكسمبورغ و«يوتلسات» الفرنسية، واللتين شهدتا ارتفاعاً ملحوظاً في أسهمهما مؤخراً؛ إذ قفزت أسهم «يوتلسات» أربعة أضعاف في غضون أسبوع، في حين ارتفعت أسهم «إس إي إس» بنسبة 25%.
وتُعد الشركتان في وضع غير موات في ظل الظروف الراهنة. ويتحتم على الشركات المُشغّلة لخدمات الأقمار الصناعية المنافسة مع بروز خدمات الاتصالات الجديدة من المدار الأرضي المنخفض، بينما تشكّل مصادر الدخل التقليدية مثل البث عبر الأقمار الصناعية، وهو الذي يمثل نصف إيرادات شركة «يوتلسات»، انخفاضاً هيكلياً.
وتعتبر تكلفة بناء مجموعة من الأقمار الصناعية والحفاظ عليها عملية باهظة. وتخصص «يوتلسات» إنفاقاً يتراوح بين ملياري يورو و2.2 مليار يورو على أقمارها الصناعية في المدار الأرضي المنخفض حتى 2029. ولذلك، فإن ميزانيتها العمومية مُرهقة بالفعل.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن صافي ديون الشركة يبلغ أربعة أضعاف الأرباح المُعدلة قبل احتساب الفوائد والضرائب والإهلاك، وكانت تقترب من الرجوع عن التزاماتها قبل تمديد هذه الالتزامات.
والوضع سيئ بما يكفي، خاصة أن الشركة تواجه منافسة محتدمة من جانب «ستار لينك» التي تتفوق عليها بكل وضوح من حيث القدرات والتغطية والتكنولوجيا. لكن لأن قطاع الأعمال هذا عالمي بطبيعته، فإن «ستار لينك» تعمل في 120 دولة، ما يعني أن الأقمار الصناعية الخاصة بها من المُرجح أن تعمل لفترات أطول.
تمكّنت «ستار لينك»، وهي شركة تعمل وفق نموذج التكامل الرأسي، من تخفيض النفقات بصورة كبيرة، وتعمل الشركة على تصنيع معداتها الخاصة وتطلق أقمارها الصناعية بفضل شركة «سبيس إكس» التابعة لماسك.
وسينطبق الأمر ذاته غالباً على «كويبر» التابعة لـ«أمازون» التي من المُقرر أن تبدأ إطلاق أقمارها الصناعية هذا العام. وهي تتمتع بقدرات أكبر كثيراً من عمليات «وان ويب» التابعة لـ«يوتلسات» لتشغيل الأقمار الصناعية في المدار الأرضي المنخفض.
ومن شأن تعزيز الإيرادات أن يدفع «يوتلسات» إلى تحقيق تدفقات نقدية حرة إيجابية في العام المقبل. وعلى الرغم من أسطولها الأصغر من الأقمار الصناعية، إلا أن الشركة الفرنسية تتمتع بميزة غير مُستغلّة، إذ تشير تقديرات «بيرنشتين» إلى استخدام الشركة ما يتراوح بين 15% و20% فقط من قدراتها.
وإذا انتقل العقد الإيطالي إلى «يوتلسات»، وهو العقد الذي لن يتخلّى ماسك عنه بسهولة، فسيؤدي ذلك إلى إيرادات سنوية إضافية قدرها 300 مليون دولار، أي قرابة نصف إيراداتها المؤقتة.
وسرّعت المخاوف بشأن «ستار لينك» من اتجاه قائم بالفعل نحو مزيد من الإنفاق المحلي على الأقمار الصناعية الأوروبية. وتُعد «يوتلسات» جزءاً بالفعل من مجموعة من الشركات التي تعمل على بناء نظام «آيريس 2»، وهو المشروع البالغة قيمته 10.6 مليارات يورو ويموّل الاتحاد الأوروبي 60% منه ومن المُقرر دخوله الخدمة في عام 2030.
لكن المال هنا لا يشتري وقتاً، فحتى بموجب السيناريو غير المُحتمل الذي يتم فيه تخصيص الأموال غداً، فإن المستخدمين سيكونون بحاجة إلى محطات أرضية لتمدهم بالخدمة، كما أن أية طلبيات إضافية للأقمار الصناعية ستحتاج إلى أن تدخل مسار المناقصات. ومع ذلك، وبرغم كل المشكلات، فإن هذه الأوضاع هي أفضل ما عاشته «يوتلسات» منذ أمد طويل للغاية.