ما الذي يكمن وراء التحول الدراماتيكي في الأسواق؟

محمد العريان - الكاتب هو رئيس كلية كوينز، كامبريدج، ومستشار لشركة أليانز وجرامرسي

يعكس انخفاض الأسهم الأمريكية وأداؤها الضعيف مقارنة بالدول الأخرى تحولاً ملحوظاً في وجهات نظر المستثمرين حول التوقعات الاقتصادية للولايات المتحدة وأوروبا، وإلى حد ما الصين. ما هو أقل وضوحاً هو: هل التركيبة الناتجة عن كل هذا ستكون مواتية أم غير مواتية على المدى الطويل؟ وهذا مهم بشكل كبير بالنسبة للرفاهية العالمية والتضخم والاستقرار المالي.

هناك ثلاثة عوامل رئيسية تدعم تحولاً بزاوية 180 درجة في آراء الإجماع حول الأسهم والسندات والعملة: المخاوف المتزايدة بشأن الاقتصاد الأمريكي؛ «لحظة سبوتنيك» محتملة في أوروبا مدفوعة بتغيير محتمل في ألمانيا بشأن السياسة المالية والتمويل الأوروبي؛ وتلميحات إلى استجابة سياسية أكثر تصميماً من الصين.

إن تآكل الإيمان بالاستثنائية الأمريكية، ليس فقط بسبب انخفاض الأسهم الأمريكية، ولكن أيضاً لانخفاض عوائد السندات بسبب مخاوف النمو وضعف الدولار. وبعد التعامل مع رائحة ركود تضخمي، تعاني الأسواق من مخاوف قديمة الطراز تتعلق بالنمو، بسبب موجة كبيرة من تقلبات السياسة الأمريكية. وتفاقمت حالة عدم اليقين المرتبطة بالرسوم الجمركية المتغيرة باستمرار على شركاء وحلفاء أمريكا التجاريين الرئيسيين مثل كندا والمكسيك نتيجة القلق بشأن تأثير تخفيضات القطاع العام المستمرة على العمالة والدخل.

يجادل المسؤولون الحكوميون الأمريكيون بأن هذه «الاضطرابات» صغيرة ويجب اعتبارها جزءاً من رحلة وعرة إلى وجهة أفضل بكثير؛ وجهة تجارة دولية أكثر عدلاً، وكفاءة كبيرة للقطاع العام، وتقليل الهيمنة المالية، وإطلاق العنان لمزيد من ريادة الأعمال والنشاط في القطاع الخاص.

ووفقاً لهم، فإنها مسألة وقت فقط قبل أن تتحسن الرحلة نفسها بسبب انخفاض أسعار الطاقة والتخفيضات الضريبية وإلغاء القيود التنظيمية بشكل كبير.

المقلق هو أن الرحلة الوعرة قد تؤدي إلى وجهة مختلفة وأقل ملاءمة. وإن موجة عدم القدرة على التنبؤ الأخيرة تخاطر بحرمان الولايات المتحدة من إحدى «ميزاتها» المهمة والمميزة؛ وهي ثقة المستثمرين طويلة الأجل في الإطار السياسي وصنع القرار.

السياسة الأمريكية مسؤولة أيضاً عن تغيير مفاجئ في وجهة نظر الأسواق بشأن أوروبا، التي يمكن أن تشهد تحولاً دراماتيكياً في سياستها الاقتصادية أخيراً. وبعد أن اهتزت أوروبا بسبب تعاطي أمريكا مع التحالفات الأمنية القديمة، وتغير سياستها تجاه أوكرانيا، تفكر ألمانيا فجأة في تخفيف قيودها المالية طويلة الأمد. ويمكن أن يترجم هذا إلى زيادة الإنفاق الدفاعي، واستثمارات أكبر في البنية التحتية، وتمويل إقليمي أكبر.

في غضون ذلك، تشير الصين إلى التحرك نحو مزيج أكثر قوة من التحفيز والإصلاحات.

وترى الأسواق أن هذا ضروري لمواجهة التهديد المتزايد بتباطؤ الاقتصاد الصيني، الذي تم تسليط الضوء عليه مرة أخرى في بيانات يوم الأحد الماضي، مع انخفاض أسعار المستهلكين والمنتجين في فبراير.

على الورق، يقدم التقاء كل هذه العوامل سيناريوهين محتملين للتقارب بين ما كان سابقاً الجيد (الولايات المتحدة)، والسيئ (الصين)، والقبيح (أوروبا) في الاقتصاد العالمي. تتوقع النظرة المتفائلة أن الاقتصاد العالمي سيتحسن، حيث ستنمو أوروبا والصين بشكل أسرع، وتقترب من مستوى النمو الممتاز الذي حققته أمريكا سابقاً، وهذا يعني أن الاقتصاد العالمي سينمو بشكل عام، لأن النمو الأسرع في الصين وألمانيا سيعوض أي تباطؤ قصير الأجل في أمريكا.

أما النظرة الأكثر تشاؤماً فتتوقع ركوداً تضخمياً، والذي سيحدث بسبب تأخيرات في تنفيذ السياسة الألمانية، واستمرار صراع الصين لتحقيق التوازن بين التحفيز والإصلاحات، وتباطؤ الاقتصاد الأمريكي مصحوباً بانخفاض ثقة المستهلكين، وعدم الأمان الوظيفي، ونهج الشركات المتمثل في الانتظار والترقب بشأن الاستثمار، وضغوط الرسوم الجمركية.

وفي حين أنه لا يزال من غير الواضح المسار الذي سيسلكه الاقتصاد العالمي، تشير مستويات الأسعار المطلقة والنسبية في الأسواق إلى توقعات ترجح قليلاً النظرة المتفائلة للنمو على المدى الطويل. ويشير هذا إلى الإيمان بقدرة أوروبا على التغلب على جمودها المالي، وقدرة الصين على التغلب على تحدياتها السياسية، ومرونة الاقتصاد الأمريكي رغم اضطراباته الحالية. والرهان هو أن الاقتصاد العالمي من المرجح أن يفلت من براثن الركود التضخمي ويحقق مسار نمو أكثر توازناً واستدامة. ويجب أن نأمل جميعاً أن يكون هذا صحيحاً.